إحياء خط الغاز العربي: فرصة إقليمية أم رهان؟

اسواق جو – في خطوة قد تعيد رسم خريطة الطاقة في الشرق الأوسط، أعلن الاتحاد العربي للغاز عن إعادة تشغيل جزء رئيسي من «خط الغاز العربي» الذي يربط مصر بالأردن وسوريا ولبنان، مع امتدادات محتملة إلى تركيا وأوروبا.
يأتي هذا الإعلان في أعقاب اكتشاف احتياطيات غاز هائلة في حقل الريشة الأردني، ويُقدر أن يغير ديناميكية الاعتماد على الغاز المسال (LNG) في المنطقة. لكن هل يمثل هذا المشروع الاستراتيجي جدوى اقتصادية حقيقية، أم أنه مجرد رهان هش؟
بدأت قصة خط الغاز العربي في أوائل الألفية الثالثة، كرمز للاندماج العربي في قطاع الطاقة. يمتد الخط لمسافة تزيد عن 1200 كيلومتر، بدءًا من مدينة العريش في شمال سيناء المصري، مرورًا بالأردن وسوريا، وصولًا إلى لبنان. تم بناؤه بتكلفة إجمالية بلغت نحو 1.2 مليار دولار أمريكي، بهدف تصدير ما يصل إلى 15 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا. في البداية، كان الغاز المصري هو الوقود الرئيسي، لكن الاضطرابات الأمنية في سيناء – بما في ذلك أكثر من 16 تفجيرًا بين 2011 و2020 – أوقفت الإمدادات، مما أدى إلى خسائر تقدر بمئات الملايين.
«كان الخط يعمل بكفاءة عالية في السنوات الأولى، لكنه تحول إلى هدف للإرهاب والحروب ، اليوم، مع التغيير في سوريا في ديسمبر 2024، وفتح الحدود السورية-التركية، يعود المشروع كفرصة لإعادة بناء الثقة الإقليمية».
إحياء من الرماد: التطورات الأخيرة
شهد العام 2025 تحولات دراماتيكية. في أغسطس الماضي، فُتح الجزء السوري-التركي من الخط (62 كيلومترًا بين حلب وكيليس)، مما سمح بإمدادات أولية من الأردن إلى محطة دير علي السورية. كما أعلن الأردن عن ربط حقل الريشة – الذي يحتوي على احتياطيات تكفي لستة عقود أو أكثر – بالخط عبر خط أنابيب إضافي بطول 300 كيلومتر. هذا الاكتشاف، الذي يُقدر بمليارات الأمتار المكعبة، يحول الأردن من مستورد للغاز إلى مصدر محتمل، مع خطط لتصدير 4-6 مليار متر مكعب سنويًا .
في لبنان، الذي يعاني من أزمة كهرباء مدمرة، يُتوقع أن يزيد الخط من ساعات التيار اليومي بـ3-5 ساعات، بفضل إمدادات غاز رخيصة نسبيًا (حوالي 6 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية). أما مصر، فتستفيد من إعادة تفعيل خط العريش-عسقلان مع إسرائيل، الذي يشكل 30% من الإمدادات الحالية، مع استثمارات بلغت 518 مليون دولار في 2018.
ومع ذلك، لم يأتِ الإحياء دون عقبات. «قانون قيصر» الأمريكي، الذي فرض عقوبات على سوريا، أعاق التمويل الدولي لسنوات، ولا يزال يشكل خطرًا. كما أن التكاليف الإضافية للصيانة والتوسعة تُقدر بحوالي 500 مليون دولار، بما في ذلك تركيب أنظمة حماية أمنية متقدمة .
الجدوى الاقتصادية: أرقام تتحدث
من الناحية المالية، يبدو المشروع واعدًا إذا تجاوز التحديات. سعة الخط التصميمية تبلغ 10-15 مليار متر مكعب سنويًا، لكنه يعمل حاليًا بنسبة 40% فقط، مما يولد إيرادات تصل إلى 600-800 مليون دولار سنويًا. دراسات الجدوى القديمة (2006) أكدت عائدًا داخليًا  يصل إلى 15%، لكن الاضطرابات خفضته إلى 8-12% اليوم. مع انخفاض أسعار الغاز العالمية، يمكن أن يوفر الخط توفيرًا بنسبة 20-30% في تكاليف الطاقة للدول المستوردة مثل سوريا والأردن.
الجدوى السياسية والأمنية
الفرص: التغيير في سوريا  في ديسمبر 2024 أعاد فتح المجال للتعاون التركي-سوري، مع خطط لربط الخط بشبكة تركيا (نابوكو السابقة).
الولايات المتحدة أعطت موافقة لإمدادات قطرية عبر الأردن، والبنك الدولي يدرس تمويلًا بشرط «جدوى سياسية».
المخاطر:
الأمن: تفجيرات متكررة في سيناء (آخرها 2020)، وأضرار حربية في سوريا (جابر-حمص).
السياسة: عقوبات أمريكية مستمرة (قانون قيصر)، وتوترات إسرائيلية (الغاز الإسرائيلي يشكل 30% من الإمدادات حاليًا، مما يثير معارضة في لبنان وسوريا).
البدائل: انتشار الـLNG يقلل الحاجة إلى الأنابيب، مع مشاريع مثل خط قطر-تركيا عبر سوريا (10 مليار دولار، 1500 كم).
التوصيات والتوقعات لـ2025-2030
الجدوى العامة: متوسطة (6/10). اقتصاديًا، يصبح مربحًا إذا تم ربط حقل الريشة ورفع الاستخدام إلى 70%، لكنه يعتمد على الاستقرار السوري. سياسيًا، يُعزز الاندماج العربي، لكن العقوبات قد تعطل التمويل.
إجراء دراسة جدوى محدثة مشتركة (مصر-الأردن-تركيا) تركز على الـH2 (هيدروجين أخضر) للاستدامة.
تعزيز الشراكات مع قطر لإمدادات بديلة، واستثمار في الحماية الأمنية .
مراقبة التطورات: في الأشهر المقبلة 2025، قد تقرر الإدارة الأمريكية رفع عقوبات جزئيًا، مما يعزز الجدوى.
في الختام، خط الغاز العربي يمثل فرصة للطاقة الإقليمية، لكنه يحتاج إلى حل التحديات المالية والسياسية لتحقيق جدواه الكاملة.

 

الدستور

Related posts

الحجز لقاء الدين !.

مبادرة تنظيم الظواهر الاجتماعية وتحفيز المشاركة المجتمعية

صندوق رأس المال.. نموذج استثماري ابتكاري