التحول الرقمي الأخضر: مسار الأردن نحو التنمية المستدامة

اسواق جو –  مع تزايد الضغوط البيئية والاقتصادية على الدول، لم يعد التحديث خيارًا تقدّميًا فحسب، بل أصبح شرطًا وجوديًا للأردن الباحث عن الاستقرار والتنمية المستدامة. وفي هذا السياق، تتجه مؤشرات التنمية نحو نموذج جديد أكثر جرأة، يقوم على التحول الرقمي الأخضر؛ وهو شكل متخصص من التحول الرقمي يدمج بين التكنولوجيا والرقمنة وبين الاستدامة البيئية. هذا المسار لا يضيف مجرد بعد جديد للتحديث، بل يعيد صياغة الفلسفة التنموية بأكملها، حيث تصبح كل خطوة رقمية فرصة لتحسين الكفاءة، وتعظيم الموارد، وحماية البيئة، وتحويل التحديات إلى رافعات تنموية حقيقية.

يتيح التحول الرقمي الأخضر للأردن فرصة لتحويل نقاط الضعف إلى قوة؛ فهو يرفع كفاءة استهلاك الموارد، ويخلق اقتصادًا قائمًا على الابتكار، ويتيح فرصًا استثمارية وشبابية، كما يعزز تنافسية الاقتصاد الوطني في الأسواق العالمية التي تتجه نحو الطاقة النظيفة والمنتجات منخفضة الانبعاثات. ومن أبرز مظاهر هذا التحول في الإدارة العامة الانتقال من الأوراق والملفات التقليدية إلى إدارة رقمية ذكية تقلّل استهلاك الورق وتحدّ من التلوث البيئي، مما يسهم في تسريع الإجراءات، وتحسين جودة الخدمات، وتخفيض الكلف التشغيلية، إلى جانب دوره في حماية البيئة وتحقيق أثر رقمي أخضر ملموس.

كما يشكّل هذا التحول أداةً لتحسين جودة الحياة؛ فالمدن الذكية، والنقل المستدام، والخدمات الرقمية، والطاقة النظيفة، جميعها عناصر تؤدي إلى هواء أنقى، وخدمات أسرع، وطرق أقل ازدحامًا، وبيئة أكثر أمانًا، بما يجعل التنمية الوطنية أكثر استدامة وشمولية. ورغم المبادرات القائمة، فإن التحول الرقمي الأخضر يتطلب مزيدًا من التكامل المؤسسي، وسياسات تحفيزية واضحة للقطاع الخاص، وإتاحة البيانات البيئية المفتوحة، وتعزيز منصات الإدارة المحلية المرتبطة بالمجالس التنموية والقطاع العام، بحيث يتحول التخطيط من إدارة الأزمات إلى هندسة المستقبل.

إن دمج الرقمنة مع الاستدامة يضع الأردن أمام فرصة فريدة لبناء نموذج وطني متكامل يجعل التقدم الرقمي خطوةً خضراء، وكل مشروع تحديثي فرصةً لتحويل الموارد إلى قيمة، ولمواجهة التحديات بأدوات ذكية وفعّالة، بما يتماشى مع رؤية جلالة الملك وولي العهد في تطوير الاقتصاد الوطني وتعزيز التحديث المؤسسي.

وإلى جانب ذلك، يمكن للمحافظات الأردنية أن تصبح مختبرات للتنمية الخضراء؛ فالمواقع الغنية بالطاقة الشمسية، والموارد الزراعية، ومساحات التطوير الصناعي، قادرة على التحول إلى مراكز إنتاج مستدامة تعتمد على نظم ذكية لإدارة المياه والطاقة والزراعة والنقل. وتتقاطع هذه التحولات المحلية مع دور المجتمع المدني، والمجالس التنموية، والقطاع الخاص، لتشكّل تجربة وطنية متكاملة تمكّن الأردن من تحويل التحديات إلى فرص، والابتكار الرقمي إلى رافعة للتنمية المستدامة.

إن التحول الرقمي الأخضر ليس مجرد مسار تنموي، بل هو الطريقة التي يمكن من خلالها إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن والبيئة، وبين الاقتصاد والموارد، وبين الحاضر والمستقبل. وإذا نجح الأردن في استثمار هذا التوجه كما يجب، فإنه قد يصبح نموذجًا إقليميًا في الإدارة الذكية للموارد، وتحويل التحديات البيئية إلى فرص اقتصادية حقيقية، تجمع بين الابتكار والمجتمع المدني والقطاع الخاص في مشروع وطني واحد لبناء المستقبل. وهكذا، تصبح كل خطوة رقمية في الأردن خطوةً خضراء، وكل مشروع تحديثي خدمةً للتنمية المستدامة، بما يحقق التكامل بين التكنولوجيا والتحديث والاستدامة في آن واحد.

 

الدستور

Related posts

تطوير منظومة الاستثمار الوقفي في مشروع قانون الأوقاف 2025

تسهيل رحلة المستثمر، لجلب (41) مليار دينار

تفاهمات الأردن وسوريا.. كيف تترجم اقتصادياً؟