شهد العالم اليوم تسارعًا هائلًا في وتيرة التحولات الرقمية، حيث أصبحت التكنولوجيا الحديثة أداةً مركزية لإعادة تشكيل المجتمعات وتطوير منظومات الحكم والإدارة. وفي هذا السياق، يبرز الأردن كنموذج إقليمي يسعى بجدية إلى تعزيز التحول الرقمي باعتباره مدخلًا لتحقيق التنمية الشاملة والاستقرار السياسي والاجتماعي. فالتحول الرقمي لم يعد خيارًا تقنيًا، بل أصبح قضية استراتيجية ترتبط بالسيادة الوطنية وقدرة الدولة على تلبية احتياجات مواطنيها بفاعلية وشفافية. إذ إن الحكومات التي تتأخر في هذا المسار تجد نفسها عاجزة عن مجاراة التغيرات العالمية، مما يفتح الباب أمام فجوات اقتصادية واجتماعية قد تهدد تماسكها الداخلي.
يعي الأردن أن الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، وتطوير التشريعات، وبناء القدرات البشرية يشكّل أساسًا متينًا لتعزيز شرعية الدولة ومكانتها. فالعلاقة بين التحول الرقمي والاستقرار السياسي علاقة متبادلة؛ فالاستقرار يوفر البيئة الملائمة لتبني التقنيات الحديثة، فيما يتيح التحول الرقمي آليات أكثر فاعلية لإدارة الدولة ومكافحة الفساد وتعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار. كما تسهم الرقمنة في إشراك المجتمعات المحلية في عمليات التخطيط واتخاذ القرار، ويمكن أن تمتد هذه الآليات إلى التشاركية السياسية والانتخابات الإلكترونية. فالهيئة المستقلة للانتخابات تستخدم التكنولوجيا في كثير من عملياتها وإدارة الانتخابات، مما يعكس استعدادًا تقنيًا جيدًا، لكننا لم نصل بعد إلى تطبيق التصويت الإلكتروني الكامل. ويظل هدفنا السعي لتطوير هذه الإمكانيات مستقبلًا لضمان شفافية أكبر، ومتابعة مباشرة للنتائج، وزيادة ثقة المواطنين بالمؤسسات الديمقراطية، بما يعزز التماسك الاجتماعي بين الفرد والدولة.
وقد خطا الأردن خطوات واثقة في هذا المجال، من خلال إطلاق استراتيجيات وطنية للتحول الرقمي، وتطوير الخدمات الحكومية الإلكترونية، وتوسيع نطاق الشمول المالي عبر التكنولوجيا المالية، فضلًا عن الاستثمار في الشباب بوصفهم القوة الدافعة لمسيرة التغيير. ومع ذلك، لا تزال التحديات قائمة، بدءًا من محدودية الموارد المالية، مرورًا بالفجوة الرقمية بين المحافظات، وصولًا إلى الحاجة المستمرة لتأهيل الكوادر البشرية.
وتبرز هنا أهمية بناء شراكات وطنية وإقليمية ودولية تعزز قدرة الأردن على تسريع وتيرة التحول الرقمي بطريقة مستدامة وعادلة. كما يظل الوعي المجتمعي بدور التكنولوجيا ركيزة أساسية لإنجاح هذه المسيرة، إذ إن المواطن هو المستفيد الأول وهو في الوقت ذاته شريك فاعل في رسم ملامح المستقبل، بما يعزز شعور الفرد بالانتماء والمساهمة الفعلية في مجتمعه.
وفي المحصلة، يمكن القول إن التحول الرقمي في الأردن ليس مجرد مشروع تحديث إداري أو اقتصادي، بل هو رهان استراتيجي على مستقبل الدولة واستقرارها. فالأمم التي تستثمر في المعرفة والابتكار والتكنولوجيا هي القادرة على حماية سيادتها، وتحصين مجتمعها، وبناء نموذجها الخاص في مواجهة التحديات العالمية. ومن هنا، فإن المضي قدمًا في هذا المسار يشكّل خطوة حاسمة نحو أردن أكثر قوة وازدهارًا واستقرارًا، يربط بين الدولة والمواطن ويضمن مشاركة المجتمع في صياغة مستقبله.