الصين والذهب.. رحلة صعود لا تتوقف

أسواق جو – يبدو أن الذهب يعيش واحدة من أطول موجات الارتفاع المتواصلة منذ سنوات، مدفوعًا بتزايد الطلب العالمي، وتحديدًا من الصين، التي واصلت تعزيز احتياطاتها من المعدن النفيس للشهر الحادي عشر على التوالي. ففي سبتمبر الماضي، أظهرت البيانات الرسمية أن بنك الشعب الصيني (المركزي) أضاف 840 ألف أونصة تروي إلى احتياطياته من الذهب، أي ما يعادل نحو 26 طنًا إضافيًا.

بهذا التراكم المستمر، أصبحت الصين أكثر البنوك المركزية شراءً للذهب في العالم هذا العام، بحسب بيانات مجلس الذهب العالمي. هذا التوجه يعكس رغبة واضحة لدى بكين في تنويع احتياطاتها وتقليل اعتمادها على الدولار الأميركي، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية وتصاعد المخاطر الاقتصادية العالمية.

الذهب يتألّق رغم ضغوط الفائدة..

ورغم الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة حول العالم، والذي عادةً ما يضغط على المعدن الأصفر كونه أصلًا لا يدرّ عائدًا، إلا أن الطلب الصيني القوي كان له دور رئيسي في دعم الأسعار. وقد أشار مجلس الذهب العالمي في تقريره الأخير إلى أن الطلب من البنوك المركزية في أغسطس كان مرتفعًا بشكل ملحوظ، وإن كان متركزًا في عدد محدود من الدول، أبرزها الصين.

لكن ما ميّز السوق الصينية تحديدًا هو الارتفاع القياسي في العلاوة المحلية للذهب مقارنة بالأسعار العالمية، وهي الفجوة السعرية التي تعكس شدة الطلب الداخلي على المعدن، في ظل مخاوف التباطؤ الاقتصادي وقيود الاستيراد التي فرضها البنك المركزي الصيني لدعم اليوان الضعيف. هذه العوامل مجتمعة جعلت الذهب هناك ليس فقط استثمارًا، بل ملاذًا حقيقيًا يحتمي به الأفراد والمؤسسات على حد سواء.

مزيج من القلق والسيولة يقود الارتفاع…

الأسواق العالمية لا تزال تعيش حالة من عدم اليقين. فالتوترات التجارية وعودة الحديث عن رسوم جمركية جديدة بين القوى الكبرى، إلى جانب الإغلاقات الحكومية المتكررة في الولايات المتحدة وتأخر صدور بيانات الوظائف الأميركية، كلها عوامل زادت من حالة الحذر لدى المستثمرين، ودعمت الاتجاه نحو الذهب كملاذ آمن.

ومع غياب البيانات الاقتصادية في فترات معينة، أصبح السوق أكثر حساسية لتحركات كبار المتداولين والمؤسسات، أو ما يُعرف بـ صناع السوق (Market Makers)، الذين عززوا من الاتجاه الصعودي عبر عمليات شراء مستمرة عند مستويات الدعم القوية.

مستويات تاريخية جديدة.. والهدف القادم نحو ال 4100 دولار..

خلال الأيام الماضية، واصل الذهب تحقيق مكاسب متتالية، ليلامس مستويات مقاومة رئيسية عند 3970 دولارًا للأونصة، وهو مستوى يعد من أهم الحواجز النفسية للسوق. وبحسب التوجهات الحالية ووتيرة الطلب المتزايد، يرى عدد من المحللين أن اختراق مستوى 4000 دولار ليس سوى مسألة وقت، مع إمكانية التوجه نحو 4100 دولار في الأجل القريب، خاصة إذا استمرت الصين في سياسة الشراء نفسها خلال الأشهر المقبلة.

من الواضح أن الذهب اليوم يعيش مرحلة ذهبية بكل معنى الكلمة، فالعوامل الداعمة له متعددة, من الطلب الرسمي من البنوك المركزية، مرورًا بالطلب الاستثماري، وصولًا إلى التوترات السياسية والاقتصادية العالمية. وبينما تتجه أنظار الأسواق نحو قرارات الاحتياطي الفيدرالي المقبلة، تبقى اليد الصينية هي اللاعب الأقوى في رسم ملامح الاتجاه القادم.

وفي ظل هذه المعطيات، يبدو أن الرحلة نحو 4100 دولار قد بدأت فعلاً! رحلة يقودها مزيج من الطلب الاستراتيجي، الخوف، والسيولة الذكية التي لا تعرف طريقًا آخر سوى الذهب.

 

Related posts

الحجز لقاء الدين !.

مبادرة تنظيم الظواهر الاجتماعية وتحفيز المشاركة المجتمعية

صندوق رأس المال.. نموذج استثماري ابتكاري