أسواق جو
يؤكد خبراء أن الاستثمار في تقليص هدر استهلاك الطاقة “كفاءة الطاقة” بات أحد المحاور الرئيسية للنمو الاقتصادي المستدام في ظل ما يشكله من خيار إستراتيجي يعزز قدرة المؤسسات على مواجهة التحديات ويمنحها ميزة تنافسية.
وبين هؤلاء أن كفاءة الطاقة تقوم على تحقيق نفس الأداء باستخدام طاقة أقل، وهو ما يعني خفض النفقات التشغيلية والحد من الهدر في الاستهلاك فيما يسهم هذا التوجه في إطالة عمر المعدات وتقليل الأعطال، إضافة إلى دوره في دعم جهود الاستدامة والحد من الانبعاثات.
كما أجمع الخبراء على أن نجاح مشاريع كفاءة الطاقة يتطلب شراكة فاعلة بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب توفير آليات تمويلية مرنة وحوافز تحفيزية، مشيرين إلى أن التجارب العملية في بعض المصانع أثبتت أن تحسين الأنظمة وتحديث المعدات يمكن أن يخفض كلف الطاقة بنسبة تصل إلى 30 % وهو ما يبرز الجدوى الاقتصادية المباشرة لهذه الاستثمارات.
ووفقا للخبراء تعرف كفاءة الطاقة على أنها استخدام قدر أقل من الطاقة للحصول على نفس الخدمة أو الأداء المطلوب، أي تحقيق نفس النتيجة مع تقليل الهدر في استهلاك الطاقة.
في هذا الشأن، قال المدير التنفيذي لصندوق الطاقة المتجددة وترشيد الطاقة رسمي حمزة فإن الاستثمار في كفاءة الطاقة يعد خيارا اقتصاديا استراتيجيا وليس عبئا على المؤسسات.
وبين حمزة في رد على أسئلة “الغد” أن الاستثمار في تدابير كفاءة الطاقة يعود بفوائد مضاعفة على شكل خفض مباشر في فاتورة الطاقة، تحسين في القدرة التنافسية للمنشآت، إطالة عمر المعدات وتقليل الأعطال، وتقليل الانبعاثات وتعزيز الاستدامة، موضحا أنه على الرغم من الحاجة إلى كلفة أولية، إلا أن هذه الاستثمارات غالبا ما تسترد خلال فترة زمنية قصيرة، لتتحول التوفيرات إلى عوائد مالية صافية تعزز من استدامة المؤسسات
وأكد حمزة أن هناك توجها وطنيا متزايدا ومتناميا نحو تحسين السياسات الحكومية وتعزيز الحوافز الداعمة للاستثمار في كفاءة الطاقة.
كما قال حمزة “صندوق تشجيع الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة/ وزارة الطاقة والثروة المعدنية يعمل باستمرار على تطوير برامج ومبادرات لتشجيع مختلف القطاعات الاقتصادية على تبني حلول ترشيد استهلاك الطاقة، سواء عبر الدعم المالي أو الفني أو بناء القدرات”.
ويشمل ذلك وفقا لحمزة توفير برامج تمويلية ميسرة، وإطلاق مبادرات تحفيزية للقطاعات الصناعية والتجارية والخدمية، إضافة إلى تطوير الأطر التشريعية والتنظيمية بما يتماشى مع الاستراتيجية الوطنية للطاقة والأهداف الإستراتيجية لرؤية التحديث الاقتصادي، ويأتي ذلك بهدف ترسيخ كفاءة الطاقة كأحد أهم ركائز النمو الاقتصادي المستدام ودعم تنافسية الاقتصاد الوطني. وبين أن مشاريع الصندوق تعزز دور القطاع الخاص وتربط بين الجدوى الاقتصادية والالتزامات البيئية، مما يساهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي وتحقيق أهداف الأردن في التحول الطاقي السلس.
في هذا الخصوص، أكد رئيس جمعية مستثمري مدينة شرق عمان الصناعية، د.إياد أبو حلتم، أن وجود سياسة حكومية واضحة تقوم على الشراكة مع القطاع الخاص في مجال تطوير مشاريع كفاءة الطاقة يعد أمرا بالغ الأهمية.
وقال إن “عددا من الشركات الصناعية تمكن من خفض كلف الطاقة لديها بنسبة تراوحت بين 25 % و30 % من خلال التركيز على تحسين كفاءة استهلاك الطاقة وتطوير الأجهزة والمعدات والأنظمة داخل المصانع، بما يضمن استهلاكا أقل للطاقة.
وأضاف أبو حلتم أن هناك مشاريع عديدة أثبتت نجاحها في هذا المجال، مثل تطوير أنظمة تسخين المياه والإنارة والبويلرات وأنظمة التبريد، إضافة إلى مشاريع تدوير الحرارة من خلال أنظمة مغلقة، كما هو الحال في بعض الصناعات الغذائية، مشيرا إلى أن حجم التوفير في هذه الحالات كان كبيرا للغاية.
وشدد أبو حلتم على أهمية الاستمرار في تحفيز القطاع الصناعي على الاستثمار في كفاءة الطاقة، بحيث تكون هذه المشاريع جزءا دائما من خطط المصانع. وبيّن أن الخطوة الأولى في هذا الاتجاه تكمن في إجراء التدقيق الطاقي الداخلي، خصوصا في الشركات المتوسطة والكبيرة، من خلال إنشاء وحدة أو تعيين موظف مختص يتابع قضايا رفع الكفاءة والحد من الهدر.
كما دعا إلى أن تكون هناك دراسات وفحوصات مستمرة لدى الشركات لتطوير أساليب إدارة الطاقة بشكل متواصل.
وأوضح أبو حلتم أن أبرز التحديات التي تواجه هذا التوجه تتمثل في محدودية وسائل التمويل الميسر للصناعيين، لافتا إلى أن مشاريع كفاءة الطاقة تحتاج أحيانا إلى تغيير خطوط إنتاج أو استبدال معدات وماكينات، رغم أن فترة استرداد كلف هذه الاستثمارات غالبا ما تقل عن خمس سنوات.
وأكد أن الحل يكمن في توفير أدوات تمويل مناسبة وسهلة الوصول، بما يسهم في تشجيع الشركات وتحفيزها على المضي قدما في هذا المجال.
وأكد أبو حلتم على أن تبني سياسة حكومية داعمة بالشراكة مع القطاع الخاص، من خلال تقديم الحوافز وتسهيل الوصول إلى التمويل، أمر أساسي لتعزيز استثمارات كفاءة الطاقة داخل المصانع.
كما شدد على أن كفاءة الطاقة يجب أن تسبق أي مشروع للطاقة المتجددة يتم تنفيذه داخل المنشآت الصناعية، باعتبارها شرطا أساسيا لنجاح تلك المشاريع واستدامتها.
إلى ذلك، قالت المتخصصة في مجال التحول الطاقي م.ديانا عثامنة إن “الاستثمار في كفاءة الطاقة لم يعد ينظر إليه كعبء على المؤسسات والشركات، بل بات خيارا اقتصاديا واستراتيجيا يساهم في خفض الكلف التشغيلية وتعزيز القدرة التنافسية، خاصة في القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة”. ومع ذلك، ما يزال السوق الأردني في طور النمو، إذ لم تصل شركات خدمات الطاقة والقطاع الخاص المعني بكفاءة الطاقة إلى مستوى النضج الكافي لتلبية الطلب المتزايد، ما يستدعي وجود آليات تمويل وحوافز أوسع لدعم إنشاء وتمكين شركات قادرة على تقديم حلول متكاملة وفعّالة.
وأشارت عثامنة إلى أن الحكومة تبنت خططا وطنية واستراتيجيات شاملة لكفاءة الطاقة والطاقة المستدامة، ما يعكس التزاما واضحا بتقليل الاستهلاك وتحفيز القطاعات الاقتصادية المختلفة على اعتماد حلول أكثر كفاءة.
غير أن نجاح هذه الخطط يعتمد بشكل أساسي على توضيح الفرص الاستثمارية أمام القطاع الخاص، وتنظيم السوق بشكل يضمن مشاركة أوسع، وتعزيز دور شركات خدمات الطاقة في التنفيذ، إضافة إلى ربط التنفيذ بآليات مراقبة ومؤشرات أداء واضحة، مع تفعيل المحاسبة في حال عدم تحقيق المستهدفات. وبهذا، تصبح كفاءة الطاقة وفقا لعثامنة فرصة اقتصادية ووطنية حقيقية تسهم في تحقيق وفورات مالية، وتدعم مسار النمو المستدام، وتخلق فرص عمل جديدة، بما يعزز مكانة الأردن كمركز إقليمي للطاقة المستدامة.
من جهته، أكد مدير برامج الطاقة والبيئة في بعثة الاتحاد الأوروبي عمر أبو عيد أن كفاءة الطاقة هي المصدر الأهم والأكثر جدوى اقتصاديا، لأنها ببساطة الطاقة التي نوفرها ولا نستهلكها. فالاستثمار في ترشيد الطاقة ليس خيارا ثانويا، بل ضرورة اقتصادية واجتماعية، لما له من انعكاسات مباشرة على تخفيض الكلف التشغيلية للمنازل والمؤسسات التجارية والصناعية.
وقال ” إن مفهوم الاستخدام الأمثل للموارد لم يعد يقتصر على الطاقة فقط، بل يشمل المياه والمواد الخام وسائر العمليات الإنتاجية، ما يجعل ترشيد الطاقة جزءا محوريا في دعم الاستثمارات وتعزيز تنافسية القطاعات المختلفة”.
وأوضح أن ترشيد الطاقة يشمل جميع القطاعات من مبان ومصانع ووسائل نقل وخدمات عامة، مشيرا إلى أن القطاع الصناعي يعد من أبرز المستفيدين من تطبيقاته. وقد أُطلقت مبادرات وطنية عديدة في الأردن لدعم هذه الجهود، من أبرزها التدقيق الطاقي الذي تنفذه جهات حكومية مثل وزارة الطاقة وصندوق الطاقة المتجددة، إضافة إلى المؤسسات البحثية كمراكز الطاقة في الجمعية العلمية الملكية، فضلا عن شركات القطاع الخاص المتخصصة بخدمات الطاقة. وتتكامل هذه المبادرات ضمن الخطة الوطنية لترشيد استهلاك الطاقة التي تتابعها وزارة الطاقة، مع مشاركة فاعلة من الوزارات الأخرى كوزارة الصناعة والتجارة، وغرف الصناعة التي ترفع الوعي بين المنشآت الصناعية.
وأضاف أبو عيد أن ترشيد الطاقة لا يقتصر على خفض النفقات، بل يشكل أيضا مجالا واعدا للاستثمار وتوليد فرص عمل في قطاعات المباني والمصانع والمتاجر والمراكز التجارية، سواء القائمة أو الجديدة، نظرا لارتباطه بالتطبيقات التقنية وعمليات الصيانة والتحديث المستمرة.
كما أشار إلى أن الاتحاد الأوروبي دعم مبادرات وطنية في الأردن ضمن إطار الاقتصاد الدائري والإنتاج الأنظف، بالتعاون مع القطاعين العام والخاص، وبما يتكامل مع سياسات وزارة البيئة. وخلص إلى أن ترشيد الطاقة يمثل منظومة وطنية متكاملة تتداخل فيها الأبعاد الاقتصادية والبيئية والمناخية، وتشكل ركيزة أساسية في الاستراتيجية الشاملة لقطاع الطاقة
يذكر أن استراتيجية قطاع الطاقة للأعوام (2030-2020) تضمنت هدف تحسين كفاءة استهلاك الطاقة وترشيد استخدامها بنسبة (9 %) بالمقارنة مع عام (2018) وتسعى من خلال مراجعة هذه الاستراتيجية الى تبني العديد من الاجراءات والبرامج والمشاريع التي من شأنها زيادة هذه النسبة وتعزيز انتشار ممارسات كفاءة استهلاك الطاقة.