بلغت صفقات الاستحواذ الصينية في قطاع التعدين خارج البلاد أعلى مستوياتها منذ أكثر من عقد، في ظل سباق محموم بين الشركات لتأمين المواد الخام الحيوية للاقتصاد العالمي، وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية.
فقد شهد العام الماضي 10 صفقات تجاوزت قيمتها 100 مليون دولار لكل منها، وهو أعلى رقم يُسجَّل منذ عام 2013، بحسب تحليل لبيانات من شركتي S&P وMergermarket. كما كشف بحث منفصل أجراه «معهد آسيا بجامعة غريفيث» أن عام 2023 كان الأكثر نشاطاً على صعيد الاستثمارات وأعمال البناء في قطاع التعدين الصيني الخارجي منذ ما لا يقل عن عقد من الزمن.
ويُعزى هذا الزخم إلى الطلب الهائل على المواد الخام في الصين —التي تُعدّ أكبر مستهلك لمعظم المعادن في العالم— ما جعل من استثمار شركات التعدين الصينية في الخارج ممارسة طويلة الأمد.
ويرى محللون ومراقبون ماليون أن تسارع وتيرة هذه الصفقات يعكس جزئياً مساعي بكين إلى استباق تدهور المناخ الجيوسياسي، الذي جعلها أقل ترحيباً بها كمستثمر في دول رئيسية مثل كندا والولايات المتحدة، بحسب صحيفة فايننشال تايمز.
أكبر قدر ممكن من صفقات الاستحواذ
وفي هذا السياق، قال مايكل شيرب، مؤسس شركة الأسهم الخاصة Appian Capital Advisory: «شهدنا نشاطاً أكبر خلال الأشهر الـ12 الماضية، لأن المجموعات الصينية تعتقد أن أمامها نافذة زمنية قصيرة حالياً… وهي تحاول إنجاز أكبر قدر ممكن من صفقات الاستحواذ قبل أن تتعقّد الأمور سياسياً».
استمر هذا التوجّه خلال العام الجاري؛ فقد أعلنت شركة «زيجين ماينينغ» الصينية مؤخراً عن خططها للاستحواذ على منجم ذهب في قازاخستان مقابل 1.2 مليار دولار. وفي أبريل نيسان الماضي، باعت شركة Appian منجم النحاس والذهب «مينيراساو فالي فيردي» في البرازيل إلى مجموعة «بايين نونفيروس» الصينية مقابل 420 مليون دولار.
وقال ريتشارد هوروكس-تايلور، الرئيس العالمي لقسم المعادن والتعدين في بنك «ستاندرد تشارترد»: «من المرجّح أن نشهد خلال السنوات القليلة المقبلة مستوى صحياً من نشاط الصفقات من قِبل شركات التعدين الصينية».
مبادرة الحزام والطريق
من جانبه، أشار كريستوف نيدوبيل، الخبير في الاستثمارات الصينية الخارجية ومدير «معهد آسيا بجامعة غريفيث»، إلى أن المشاريع المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق —وهي ركيزة سياسة الرئيس شي جين بينغ الخارجية— تميل إلى أن تكون أصغر حجماً عندما يتعلق الأمر بالبنية التحتية والنقل.
لكن على النقيض، تظل استثمارات الصين في قطاع التعدين والموارد بالخارج كبيرة، ما يعكس — بحسب نيدوبيل — تحوّل الصين نحو التصنيع عالي التقنية، خصوصاً في قطاعات البطاريات والطاقة المتجددة. كما يُشير إلى تطور نهج المستثمرين الصينيين، سواء من حيث اختيار المشاريع أو تشغيلها، ليصبح أكثر نضجاً واحترافية.
ورغم هيمنة الصين على عمليات معالجة معظم المعادن الحيوية —بما في ذلك العناصر الأرضية النادرة، والليثيوم، والكوبالت— إلا أنها لا تزال تعتمد بشكل كبير على استيراد المواد الخام.
وفي المقابل، تحاول الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية تقليص اعتمادها على الصين في هذه المعادن، التي تُعدّ عنصراً أساسياً في إنتاج كل شيء، من بطاريات السيارات الكهربائية إلى أشباه الموصلات وتوربينات الرياح، وتسعى لبناء سلاسل إمداد بديلة.
وقال آدم ويب، رئيس قسم المواد الخام الخاصة بالبطاريات في شركة Benchmark Mineral Intelligence، إن دولاً غربية مثل كندا وأستراليا «أصبحت أكثر حذراً» حيال الاستثمارات الصينية في أصول التعدين المحلية، نظراً إلى «الطبيعة الاستراتيجية للعديد من هذه المعادن».