بلغ معدل البطالة العام في الأردن خلال الربع الأول من عام 2025 نحو 16.6%، لكن عند النظر إلى التفاصيل يتضح خلل أعمق في سوق العمل. فقد بلغ معدل البطالة بين الأردنيين 21.3%، مقارنة بـ9.7% فقط بين غير الأردنيين. هذا التفاوت الكبير لا يشير إلى تحسن حقيقي، بل يكشف عن اختلالات هيكلية في السوق المحلي، حيث يبدو أن جزءًا كبيرًا من فرص العمل لا يذهب إلى الأردنيين. الفجوة الواسعة تثير تساؤلات جوهرية حول من يستفيد فعليًا من فرص التشغيل، ومن يُستبعد منها.
تقديرات وبيانات منتدى الاستراتيجيات الأردني، بالاستناد إلى أرقام العام 2024، تُظهر أن إجمالي القوى العاملة الأردنية بلغ 2.01 مليون شخص، منهم 1.58 مليون مشتغل، و429 ألف عاطل عن العمل. وفي المقابل، قدّر المنتدى عدد القوى العاملة غير الأردنية (العمالة الاجنبية) بحوالي 1.4 مليون شخص، منهم 1.2 مليون مشتغل، و147 ألف عاطل عن العمل. أي أن غير الأردنيين يشكلون ما يقارب 41% من إجمالي القوى العاملة، ويكادون يقابلون الأردنيين من حيث عدد المشتغلين.
أرقام المنتدى تشير أيضاً الى نسبة بالغة الاهمية، وهي أن عدد المشتغلين من غير الأردنيين يعادل 80% من عدد المشتغلين الأردنيين، أي أن لكل 10 أردنيين يعملون هناك 8 وافدين يعملون أيضًا. هذا التداخل الحاد يشير إلى حجم المزاحمة التي تواجهها العمالة الأردنية، لا سيما في القطاعات التي لا تتطلب مهارات عالية، والتي تشهد ضعفًا في التنظيم الرقابي والحماية الاجتماعية.
ورغم الحجم الكبير للعمالة غير الأردنية، فإن معدل بطالتها منخفض نسبيًا (9.7%) مقارنة بنظيره لدى الأردنيين (21.3%). هذا يؤدي إلى خفض “معدل البطالة العام” بشكل تقني، لكنه لا يعكس تحسّنًا فعليًا في قدرة الاقتصاد على تشغيل الأردنيين. بل يمكن القول إن وجود عدد كبير من غير الأردنيين في سوق العمل، مع تدني نسبة بطالتهم، يُضلل المؤشرات الكلية ويعطي قراءة سطحية لمعدل البطالة العام.
تُفاقم هذه الصورة إشكالية أخرى تتعلق باتساع الاقتصاد غير الرسمي. فقد قدّر منتدى الاستراتيجيات أن العمالة غير الرسمية تشكل نحو 43% من إجمالي المشتغلين في الأردن، أي ما يقارب 1.2 مليون عامل. ومن هؤلاء، نحو 924 ألفًا هم من غير الأردنيين، ما يعني أن 77% من العمالة غير الرسمية هي عمالة وافدة تتركز بشكل كبير في قطاعات الزراعة، والبناء والتشييد، والتجارة، والمطاعم والخدمات.
هذا الوضع يُفاقم من ضعف القدرة المالية ويزيد الكلفة الاقتصادية. فالعمالة غير الأردنية غير الرسمية لا تدفع ضريبة دخل، ولا تسهم في الضمان الاجتماعي، لكنها في المقابل تستفيد من الدعم الحكومي، سواء من حيث أسعار الكهرباء والمياه وأسطوانة الغاز، أو الإعفاءات على السلع الأساسية. كما أن دخول هذه الفئة تُحوّل في جزء كبير منها إلى الخارج على شكل حوالات مالية، بدلًا من أن تُعاد استثمارها أو إنفاقها داخل السوق المحلي بحسب المنتدى.
من منظور اقتصادي، هذا يعني أن الخزينة تتحمل كلفة مزدوجة تفقد الإيرادات الضريبية، ومن جهة أخرى، تتحمل كلفة الدعم لفئة لا تندمج فعليًا في الدورة الاقتصادية. كما أن ضعف استهلاك هذه الشريحة داخل الأردن يقلل من أثرها على الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يُضعف فعالية السياسات الاقتصادية في تحقيق نمو اقتصادي يقوده الطلب المحلي (يشكل 70% من الطلب الكلي) والتشغيل الوطني.
هذا الواقع يكشف عن اختلال هيكلي في سياسات سوق العمل على وزارة العمل أن تتنبه له وتتباعه بشكل جيد وفعال! إذ تسمح السياسات الحالية بوجود عمالة وافدة ضخمة، دون تنظيم فعال، ودون ربط وجودها بالمساهمة الاقتصادية الحقيقية، أو بحاجات السوق الفعلية. والنتيجة أن السوق يُفتح أمام عمالة غير مكلفة لصاحب العمل، لكنها مرتفعة الكلفة على الدولة، وتقصي الأردنيين من فرص العمل. إن استمرار هذا النموذج يُكرّس مسارًا غير متوازن على المدى الطويل، تتزايد فيه البطالة بين الأردنيين، بينما تتوسع العمالة غير الأردنية غير الرسمية، وتبقى الموارد العامة موزعة بشكل غير عادل، والأهم من ذلك بأن هذه السياسات لا تساهم بزيادة القدرة الفعلية للاقتصاد على الانتاج.
يقدم منتدى الاستراتيجيات الأردني توصيات مهمة بهذا الخصوص، فيوصي بالتدخل الفوري لمعالجة الخلل البنيوي في سوق العمل، خاصة زيادة العمالة غير الأردنية التي تشكل نصف المشتغلين، وإعادة ضبط السياسات لتنظيم العمالة الوافدة وإدماجها رسميًا أو ترشيدها، وتنظيم العمالة غير الرسمية للحد من البطالة بين الأردنيين. كما يدعو إلى تقديم حوافز ضريبية وتشغيلية للمؤسسات التي توظف الأردنيين، وتوسيع الرقابة على العمالة غير الرسمية باستخدام تقنيات رقمية، مع تعزيز الشفافية في بيانات سوق العمل لنشر تقارير دقيقة تدعم سياسات تشغيل فعال.
الرأي