لماذا فرض ترمب أعلى رسوم جمركية بالعالم على سوريا؟

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوم الجمعة، الإبقاء على قرار فرض رسوم جمركية مشددة بنسبة 41% على الواردات السورية، لتظل سوريا الدولة الأكثر خضوعاً للرسوم الأميركية ليس في المنطقة العربية وحسب وإنما في العالم كله، متقدمة حتى على دول تخوض واشنطن معها نزاعات تجارية طويلة مثل الصين وكندا والمكسيك.

يأتي هذا القرار امتداداً لإعلان مماثل في 2 أبريل، مما يعكس تمسك الإدارة الأميركية بسياسة حمائية تجاه المنتجات السورية، رغم التحولات السياسية الأخيرة في دمشق وتحسن العلاقات، مع رفع معظم العقوبات الأميركية بعد لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع نظيره الأميركي دونالد ترمب في الرياض مؤخراً.. فما السبب الحقيقي وراء هذا التمسك، وكيف يمكن أن يتأثر الاقتصاد السوري بهذه الرسوم؟

ما هي الرسوم الجمركية المتبادلة ولماذا يلجأ لها ترمب؟

 

الرسوم الجمركيةالمتبادلة هي ضريبة تُفرض على واردات بعض الدول رداً على الرسوم التي تفرضها تلك الدول على صادرات أميركا، بهدف تصحيح عجز الميزان التجاري وتعزيز الإنتاج المحلي. وتفرض إدارة ترمب -وفق آخر إعلان محدث عن البيت الأبيض- رسوماً تبدأ من 10% لكل الدول كحد أدنى، وتصل إلى 41%.

ما حجم التبادل التجاري بين سوريا وأميركا حالياً؟

في عام 2023، وفق مؤسسة “OEC” الاقتصادية العالمية، سجل التبادل التجاري بين سوريا والولايات المتحدة مستويات متواضعة للغاية، حيث بلغت قيمة صادرات سوريا إلى الولايات المتحدة 11.3 مليون دولار فقط، في حين لم تتجاوز الصادرات الأميركية إلى سوريا 1.29 مليون دولار. ورغم ضآلة هذه الأرقام مقارنة بالتبادل التجاري بين الولايات المتحدة ودول عربية وعالمية أخرى، لكن يظل الفائض التجاري لصالح سوريا كبيراً.

ما الذي تستورده سوريا من الولايات المتحدة.. وماذا تصدر إليها؟

حسب بيانات “تريدينغ إيكونوميكس”، تركز الصادرات السورية إلى الولايات المتحدة على الصناعات النسيجية، وتحديداً بعض أصناف الملابس والأقمشة (خاصة منتجات قطنية). والمنتجات الزراعية الخفيفة كالتوابل أو المكسرات، إلى جانب عدد محدود من السلع الحرفية أو التراثية.

أما صادرات الولايات المتحدة إلى سوريا فتشمل المواد الكيميائية والدوائية ضمن نطاقات محددة وتحت تراخيص خاصة، والسلع الغذائية المُعلبة، مثل أغذية الأطفال أو المكملات الغذائية، والمواد البلاستيكية والورقية بنسبة أقل.

لماذا حصلت سوريا على أعلى رسوم أميركية بنسبة 41%؟

حسب القائمة الأخيرة للرسوم الصادرة عن البيت الأبيض، خضعت سوريا بمفردها لأعلى نسبة من الرسوم الأميركية (41%)، ضمن قائمة الدول التي تُصنف على أنها ذات عجز تجاري كبير مع الولايات المتحدة حول العالم وفي المنطقة العربية، على حد سواء.

 

يعود ذلك على الأرجح إلى اختلال الميزان التجاري الكبير بين الدولتين، حيث حققت سوريا فائضاً تجارياً قدره 10.01 مليون دولار مع الولايات المتحدة في 2023، وفق بيانات مؤسسة “OEC”، أي أنها صدرت إلى الولايات المتحدة ما يقرب من تسعة أضعاف ما تستورده منها، في ظل تبادل تجاري محدود حجماً لكنه يميل بشدة لصالح دمشق.

كما أن هذه النسبة تفوق ما حققته حتى دول كبرى تخوض واشنطن معها نزاعات تجارية طويلة في العام نفسه، فعلى سبيل المثال، كانت صادرات الصين إلى أميركا تزيد بنحو 2.9 مرة عن الواردات الأميركية منها في ذلك العام، والمكسيك بنسبة 1.5 مرة فقط، أما كندا فقاربت نقطة التعادل تقريباً بواقع 1.18 مرة.

يعني ذلك أن سوريا، رغم ضآلة التبادل وفق الأرقام المطلقة، إلا أنها تظهر اختلالاً تجارياً نادراً من حيث النسبة مع الولايات المتحدة.

كما أن الرسوم الجمركية التي تفرضها سوريا على وارداتها من الولايات المتحدة والبالغة 81%، قد يكون أحد مبررات فرض هذه الرسوم عليها.

هل هناك دوافع سياسية وراء هذه الرسوم؟

من المعروف عن دونالد ترمب ميله لاستخدام الرسوم كسلاح سياسي، حيث هدد روسيا بفرض رسوم جمركية قاسية لو لم تنه الحرب في أوكرانيا. وكتب على صفحته بمنصة “تروث سوشيال” أن المفاوضات التجارية قد تتعقد مع كندا بسبب دعمها لإقامة دولة فلسطينية، كما هدد بفرض رسوم 50% على البرازيل بسبب دوافع سياسية في الغالب تنبع من معارضته لإدارة الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.

لكن رغم ذلك، قد لا تكون الرسوم المفروضة على سوريا -ورغم أنها الأعلى حول العالم- نابعة من دوافع سياسية، خاصة بعد تحسن العلاقات بين دمشق وواشنطن وتخفيف العقوبات الأميركية، ودعم واشنطن للدولة في مرحلة البناء والإعمار الحالية، وبالتالي فإن السبب الأكثر منطقية لتفسير تلك الرسوم هو اختلال الميزان التجاري الكبير بين أميركا وسوريا.

ماذا عن الدول العربية الأخرى والرسوم المفروضة عليها؟

الدول مثل السعودية، والإمارات، ومصر، والمغرب، قطر، والكويت، خُصصت لها رسوم بنسبة 10% وهو الحد الأدنى للتعريفات. أما الأردن فحصل على 15% مقارنة بـ20% من قبل، وتونس 25% بدلاً من 28%، والجزائر 30%، وليبيا 30% مقارنة بـ31% من قبل، أما العراق -صاحب ثاني أعلى نسبة عربياً بعد سوريا- فانخفضت الرسوم المفروضة عليه من 39% إلى 35%، وفق آخر تحديث صادر عن البيت الأبيض.

هل تؤثر رسوم ترمب بشكل جوهري على الاقتصاد السوري؟

نظراً لأن التجارة الفعلية بين الدولتين ضئيلة للغاية -حسبما يظهر من أرقام الصادرات والواردات- فإن الأثر المباشر للرسوم على الاقتصاد السوري على الأرجح سيكون محدوداً في الوقت الحالي.

ولكنها مع ذلك تأتي في لحظة تحاول فيها سوريا التعافي بعد أكثر من عقد من الحرب، وتشكل ضغطاً رمزياً قد يصعّب إعادة انخراط دمشق في الاقتصاد العالمي، أو زيادة الصادرات إلى الولايات المتحدة في مرحلة لاحقة.

Related posts

جلسة نقاشية لاتحاد العمال حول “اقتصاد الرعاية”

وزير الصناعة يدعو لتعزيز الشراكة الاقتصادية مع أميركا وزيادة الصادرات

الأردن يشارك في اجتماعات العمل الإحصائي بعُمان