أزمة السكن في أوروبا تتفاقم.. والمفوضية تبحث عن مفتاح الحلّ

لا بدّ أن أيَّ مواطنٍ أوروبيٍّ اضطر إلى الانتقال لمسكنٍ جديدٍ خلال السنوات الأخيرة، قد عاش، على الأرجح، هذا الكابوس: ارتفاع أسعار المنازل والإيجارات وفواتير المرافق، ونقص المعروض من المساكن، والاضطرار إلى إيجاد طرقٍ أكثر غرابةٍ للحصول على عقدِ إيجارٍ.

وتواجه أوروبا مشكلةً في مجال الإسكان، ورغم أن الاتحاد الأوروبي لا يمتلك صلاحياتٍ مباشرةً في هذا المجال، فقد أدركت بروكسل أن المشكلة تلوح في الأفق.

وفي خطابٍ ألقاه يوم 29 سبتمبر/أيلول الماضي، قال دان يورجنسن، أول مفوضٍ للإسكان في الاتحاد الأوروبي، إنه عند الحديث عن الإسكان، “فنحن نتحدث عن جوهر ديمقراطيتنا في أوروبا”، وفقاً لـ”د ب أ/إي إن آر”

لا بدّ أن أيَّ مواطنٍ أوروبيٍّ اضطر إلى الانتقال لمسكنٍ جديدٍ خلال السنوات الأخيرة، قد عاش، على الأرجح، هذا الكابوس: ارتفاع أسعار المنازل والإيجارات وفواتير المرافق، ونقص المعروض من المساكن، والاضطرار إلى إيجاد طرقٍ أكثر غرابةٍ للحصول على عقدِ إيجارٍ.

وتواجه أوروبا مشكلةً في مجال الإسكان، ورغم أن الاتحاد الأوروبي لا يمتلك صلاحياتٍ مباشرةً في هذا المجال، فقد أدركت بروكسل أن المشكلة تلوح في الأفق.

وفي خطابٍ ألقاه يوم 29 سبتمبر/أيلول الماضي، قال دان يورجنسن، أول مفوضٍ للإسكان في الاتحاد الأوروبي، إنه عند الحديث عن الإسكان، “فنحن نتحدث عن جوهر ديمقراطيتنا في أوروبا”، وفقاً لـ”د ب أ/إي إن آر”.

وأضاف يورجنسن: “إن الأمر أكثر من مجرد طوبٍ وملاطٍ… إنه أكثر من مجرد العرض والطلب. في الحقيقة، نحن نتحدث عن الحقوق الأساسية وكرامة شعبنا، عن تماسك مجتمعاتنا، وعن اللبنات الأساسية لمجتمعنا، وعن القدرة التنافسية لاقتصادنا. في جميع أنحاء أوروبا، هناك شعورٌ واضحٌ بالظلم، خاصةً بين شبابنا.”

بغضّ النظر عن الإحصاءات هناك مؤشراتٌ للأزمة

على مدار السنوات الـ15 الماضية، ارتفعت أسعار المنازل بنسبة 65.5%، بحسب بيانات مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات) التي صدرت يوم الجمعة الماضي. وتصدرت المجر بزيادةٍ قدرها 277%، تليها إستونيا بنسبة 250%.

إيطاليا هي الدولة الوحيدة التي انخفضت فيها أسعار المنازل خلال الفترة من عام 2010 حتى الربع الثاني من 2025 بنسبة 1%.

وينطبق الأمر نفسه على الإيجارات؛ فقد ارتفعت في 26 دولةً من أصل 27 دولةً عضوٍ، بمتوسط 28.8% وحتى 218% (إستونيا). وكانت اليونان الدولة الوحيدة التي انخفضت فيها الإيجارات بنسبة 9%.

خلال الربع الثاني من عام 2025، ارتفعت أسعار المنازل بنسبة 5.4% في الاتحاد الأوروبي، بحسب يوروستات، وزادت الإيجارات بنسبة 3.2% على أساسٍ سنويٍّ.

وسجلت بلغاريا، على سبيل المثال، واحدةً من أكبر الزيادات في أسعار المنازل بنسبة 15.5% (بانخفاضٍ طفيفٍ عن الارتفاع القياسي بنسبة 18.3% في الربع الأخير من عام 2024). كما وصلت قروض الإسكان إلى مستوياتٍ قياسيةٍ في البلاد. ووفقاً لبيانات البنك الوطني البلغاري، بلغ حجمها 30.2 مليار ليف (15.4 مليار يورو) في أغسطس/آب 2025، بزيادةٍ قدرها 27.4% على أساسٍ سنويٍّ.

وفي ألمانيا، تضرر الطلاب بشكلٍ خاصٍّ من ارتفاع الإيجارات، حيث ارتفعت أسعار الغرف في الشقق المشتركة بنسبة 6.2% على أساسٍ سنويٍّ، وفقاً لأرقام عام 2023.

تكاليف السكن إلى الدخل

ويواجه عددٌ متزايدٌ من الأسر تكاليفَ سكنيةً لا يمكن تحمّلها، ويقول البرلمان الأوروبي إن ذلك يعني إنفاق أكثر من 40% من الدخل المتاح على السكن.

وفقاً لأحدث الأرقام المتاحة من يوروستات، أنفق 8.8% من سكان الاتحاد الأوروبي أكثر من 40% من دخلهم المتاح على السكن في عام 2023. وكان أعلى معدلٍ في اليونان بنسبة 28.5%، والأدنى في قبرص بنسبة 2.6%.

وفي برلين، لا يستطيع ثلث الأسر تحمّل تكاليف شقةٍ في سوق الإيجار المفتوح.

ويمتلك قرابة 70% من مواطني التكتل منازلهم الخاصة، وتُعدّ معدلات الملكية مرتفعةً في شرقي القارة، غير أن الفجوة في القدرة على تحمّل التكاليف تزداد في المراكز الحضرية غربي أوروبا.

وفي التشيك والمجر، على سبيل المثال، يبلغ متوسط سعر الشقة حالياً نحو 13.6 ضعف متوسط الأجر السنوي، ولا يزيد هذا الرقم إلا في البرتغال.

ديناميكيات الطلب

كيف وصلت أوروبا إلى هذه الحالة؟ هناك عددٌ من العوامل التي ساهمت في الضغط الحالي على سوق الإسكان: “التحولات السكانية: التحضر (التمدن) يضع ضغطاً على المدن. وعادت الهجرة إلى الارتفاع عقب جائحة كوفيد-19.”

بالإضافة إلى تدفقات الهجرة، حيث تغذي الهجرة داخل الاتحاد الأوروبي، ووصول المهاجرين من دولٍ ثالثة، الطلب على المساكن.

كما أن اتجاهات التركيبة السكانية لها تأثير، حيث تؤدي شيخوخة السكان وتقلص حجم الأسر (زيادة عدد الأسر المكوّنة من فردٍ واحدٍ) إلى زيادة الضغط على العرض.

ويؤدي ارتفاع تكاليف الطاقة إلى تحوّل الطلب نحو الشقق الأصغر حجماً. كما يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى تحوّل الطلب إلى الوحدات المؤجرة.

وفي المراكز السياحية، تؤدي منصات التأجير لفتراتٍ قصيرة، مثل “إير بي إن بي”، إلى طرد السكان.

معوقات البناء واللوائح التنظيمية

تنفق بعض الدول نسبةً كبيرةً من إجمالي الناتج المحلي لديها على البناء، ولكن النتائج متباينة. وثمة عوائق مثل الصرامة في تقسيم المناطق وطول إجراءات الحصول على التراخيص وظاهرة “ليس في حديقتي الخلفية”.

وفي فرنسا، يقول رؤساء البلديات إنهم يجدون صعوبةً متزايدةً في إيجاد هذا التوازن في الإسكان. وتقول جين بارسيجيان، عمدة مدينة ستراسبورغ: “هناك مفارقةٌ تتمثل في أننا نتلقى كل يومٍ تقريباً طلباتٍ من سكانٍ بحاجةٍ إلى سكنٍ، وفي الوقت نفسه تُقام دعاوى قضائيةٌ ضدنا من قبل معارضي التوسع العمراني، حتى عندما يتعلق الأمر ببناء سكنٍ للطلاب.”

وفي قطاع البناء: يؤدي نقص العمالة وارتفاع تكاليف المواد إلى إبطاء عملية البناء. وتواجه عمليات البناء الجديدة في فرنسا أزمةً حادةً منذ ما يقرب من ثلاث سنواتٍ بسبب ارتفاع التكاليف وزيادة أسعار الفائدة، التي أعاقت مشاريع شراء العقارات للعديد من الأسر، وانتهاء تدابير دعم الاستثمار في الإيجار.

المناطق الريفية الخالية

من المفارقات أن بعض المناطق تواجه فائضاً في المساكن، مع انخفاض الطلب عليها. وعلى سبيل المثال، ابتكرت المدن التي هجرها سكانها في شرق ألمانيا، الشيوعي السابق، خطةً لإعادة الحياة إليها، تتمثل في تقديم سكنٍ رخيصٍ للغاية لعدة أسابيع بهدف إعطاء السكان المحتملين فكرةً عن المكان.

وبحسب معهد الإحصاء الألماني (ديستاتيس)، يُتوقع أن يفقد شرق ألمانيا ما يتراوح بين 8 و16% من سكانه خلال العقدين المقبلين.

وبشأن مخزون المساكن القديم يُشار إلى أن حوالي نصف مخزون المساكن في أوروبا أُقيم قبل عام 1980، ومعظمه بحاجةٍ إلى تجديدٍ. والعديد من المباني غير موفّرةٍ للطاقة، وسيكون تحديثها لتتوافق مع المعايير الجديدة للاتحاد الأوروبي مكلفاً ويستغرق وقتاً طويلاً، بحسب تقريرٍ لبنك الاستثمار الأوروبي في يونيو/حزيران الماضي.

تنوع السياسات

تسعى بعض دول الاتحاد الأوروبي إلى تطوير حلولٍ خاصةٍ بها من خلال زيادة الإسكان الاجتماعي، أو تقديم حوافز ضريبية، أو ضبط الإيجارات.

وعلى سبيل المثال، يعيش حوالي ثلث سكان العاصمة النمساوية فيينا في نوعٍ من المساكن المدعومة. وفي ألمانيا، ألغت المحكمة العليا في البلاد عام 2024 سياسة وضع سقفٍ للإيجارات في العاصمة برلين.

وفي أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، وافقت الحكومة البرتغالية على سلسلةٍ من التدابير لمعالجة أزمة الإسكان، تشمل زيادة التخفيضات الضريبية للمقيمين، وزيادة الضرائب على شراء المنازل من قبل المواطنين غير المقيمين. وتشمل التدابير الأخرى زيادة التخفيضات الضريبية على الإيجارات وتخفيض الضرائب على الملاك الذين يفرضون إيجاراتٍ معتدلةً.

وقالت الحكومة البرتغالية إنها تسعى مع البنوك لإيجاد منتجاتٍ جديدةٍ تجعل الحصول على قروض الإسكان ورأس المال اللازم للبناء أكثر مرونةً. وقال رئيس الوزراء لويس مونتينيجرو: “إنها سياسةٌ صادمةٌ، نريد أن نُغيّر سوق البناء والإيجار.”

وأطلقت إيطاليا خطةَ إسكانٍ العام الماضي، تركز بشكلٍ خاصٍّ على دعم الأسر الشابة. وفي سن الثلاثين، يُعدّ الشباب في إيطاليا ضمن آخر من يسعون إلى العيش في مساكن مستقلةٍ في الاتحاد الأوروبي. وبحسب يوروستات، يبلغ متوسط العمر 26.3 عاماً. وقال نائب رئيسة الوزراء ماتيو سالفيني إنه جرى تخصيص تمويلٍ لسنواتٍ متعددةٍ بقيمة 660 مليون يورو لمشكلة السكن، وإعادة إطلاق سياسات الإسكان، وإعادة تنظيم العرض الحالي. والركيزة الثانية لهذه السياسة تتمثل في الضمانات العامة لقروض الرهن العقاري لأول منزلٍ، حيث أصبحت الأسر في المدن الكبرى لا تستطيع، بشكلٍ متزايدٍ، شراء منزلٍ.

وفي أغسطس/آب الماضي، أقرّ برلمان سلوفينيا قانوناً يتعلق بتمويل الإسكان العام للإيجار، والذي يهدف إلى بناء 20 ألف شقةٍ عامةٍ للإيجار على مدى السنوات العشر المقبلة، بمساعدةٍ من الدولة قدرها مليار يورو. وإلى جانب ذلك، صدر مؤخراً قانونٌ يقيّد الإيجارات قصيرة الأجل، مما سيؤدي على الأقل إلى زيادةٍ جزئيةٍ في المعروض من المساكن للإيجار.

خطة الإسكان الميسور التكلفة لأوروبا

وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، يعتزم المفوض يورجنسن إطلاق “خطة الإسكان الميسور التكلفة لأوروبا”، والتي يهدف من خلالها إلى الجمع بين إجراءات الاتحاد الأوروبي والجهود الوطنية والإقليمية والمحلية لضمان إسكانٍ مستدامٍ.

وتتضمن الخطة: “موجةً جديدةً من الاستثمارات تشمل مضاعفة دعم الاتحاد الأوروبي للإسكان في إطار سياسة التماسك، وتسهيل قيام الدول الأعضاء والمدن والمناطق بتوجيه المزيد من أموال الاتحاد الأوروبي نحو الإسكان الميسور التكلفة.”

كما تشمل “إعادة النظر في قواعد المساعدات الحكومية لتسهيل دعم الحكومات الوطنية لمشاريع الإسكان، وبالتالي تخفيف القيود على الإنفاق الوطني، وتعبئة الاستثمارات الخاصة، ونماذج تمويلٍ جديدةٍ وتعاونٍ أعمقَ بين الاستثمارات العامة والخاصة، بما في ذلك من خلال منصة استثمارٍ أوروبيةٍ لدعم الإسكان الاجتماعي وإقامة مساكن الطلاب والمنازل المستدامة.”

أيضاً تهدف الخطة إلى تقليص الإجراءات البيروقراطية من خفض الحواجز البيروقراطية في التخطيط والترخيص والمشتريات، على مستوى الاتحاد الأوروبي والمستوى الوطني، وتعبئة موارد البناء والابتكار والقوى العاملة في أوروبا، ودعم المدن والمناطق التي تتعرض لضغوطٍ، والتركيز على الفئات المهمشة من الشباب والأسر والمشرّدين، وتبادل أفضل الممارسات، ورفع كفاءة الطاقة بتحديث المباني السكنية وعزلها، مما يقلل من هدر الطاقة ويخفض تكاليف المعيشة للسكان.

كما تهدف الخطة إلى مشاركة أصحاب المصلحة وتطوير الخطة بمساهمةٍ من الخبراء وأصحاب المصلحة والممثلين العامين والمواطنين، مع دعوةٍ مفتوحةٍ لمزيدٍ من المساهمات.

وفيما يتعلق بقضية الإسكان، ليست هناك حلولٌ بسيطةٌ لحل المشكلة، إذ يتعين تضافر العديد من العوامل. وحتى مع التنفيذ الكامل لخطة الاتحاد الأوروبي، من المرجّح أن يستغرق الأمر سنواتٍ حتى تؤتي ثمارها. وحتى ذلك الحين، سيتواصل الضغط على المستأجرين وأصحاب الرهون العقارية والباحثين عن شققٍ في أوروبا.

Related posts

ارتفاع مبيعات الشقق الكبيرة 8% منذ بداية العام

العراق يطلق استراتيجية وطنية جديدة لحل أزمة السكن

القطاع العقاري يرسخ مكانته في الاقتصاد الإماراتي