اعراس طرابلس ….مقابر طرابلس

عروبة الإخباري – د، فلك مصطفى الرافعي –

هذه الأحداث العشوائية التي عصفت و ما زالت تقطف البراعم قبل اكتمالها ، و تدوس القمح قبل نضوجه ، و تجعل من بيادر السنابل مشرحة لجثث مقهورة فتية صادها السفح الظالم ، كتفلت الرصاص الذي يمر بعينه الباردة على قباب المساجد و بيوت التنك و على الرغيف المعجون بالعرق و الدم ..
هذه الأحداث عصفت بقلمي و اخذتني بعيدا عن ما عقدت العزم عليه من حوار الكتاب الخائف من جحافل تتار الفعل و ردة الفعل ، الكلمة التي تحاول تقليد عقد الياسمين شكلا و طيبا ، فإذا الكلمة في بلدنا الموجوع رزمة من الآس و جريد النخل في مدينة مستباحة ، و هي التي كانت الأم الرؤوم لكل امتداد جوارها و حتى إلى ما خارج حدودها الجغرافية .
مدينة العلم و العلماء ام مدينة القتل و الشهداء ؟
مدينة الحارات القديمة و نظام ” السكبة ” ليأكل الفقير من زاد الفقير ، فيتم تبادل مبارك يقيم أوَد الجوع و يريح النفس و يرضي الرب .مدينة المدارس و التكايا و العلوم و المتاجر ، فوّاحة زهر الليمون و الصابون المعطر و سوق العطارين ، صارت متاريس لشهوة المقابر الجامحة لأجساد طرية ، و منذ عشرات السنين تحمل التناقضات المتعثرة و تلد ببلدنا تشويها و إعاقة مخلوقات خارج المنظومة الإنسانية..
ضغط حوادث طرابلس اخذتني بعيدا ، نحو ثورة على من يثرثر بأزيز الرصاص و هديل القنابل و يتسلى و يراهن على أهداف بشرية.
مدينة البساتين و المراكبي و التراث الضخم الذي تعرض للاغتيال و السرقة و الهدم لمحو معالم معينة و حضارة معينة و ثقافة تفقأ عين البوم .
سنوات و سنوات و توقيت خفافيش الظلام اينما كانوا و كيفما كانوا يعلنون من جانب واحد حالة ” منع التجول ” قبل ان يبيع بائع الكعك بعض تجارة عربته العرجاء ، و قبل ان ينتهي بائع الخضار من عرض الخضار المتواضعة المدونة سلفا بمطبخ الفقير ..
طرابلس التي كانت تفتخر أن جدران معارضها الثقافية تنوء بحمل مئات صور العلماء و العباقرة و المجاهدين ، صارت شوارعها – كل شوارعها – ملأى ” بالنعوات ” ، و مشافيها تعجز عن استقبال العاهات الجديدة ، و مطارنا مثل الغول يحمل ما بقي من شباب كزرع لا يعيش في صحراء ، فإلى عالم الإغتراب حيث الزرع يفيض اكوازا من الإبداع …
هي مدينة منكوبة ؟ نعم !! فلمّ التعامي عن هذه الحقيقة ؟؟
اعلنوها مدينة مصابة بكل وباء ، احجروا علينا فربما نجد في الانتفاضة المواطنية النقية دواء لمرضنا ..
احداث طرابلس ربما اخذتني بعيدا عن كل سلوكي في المقالات السابقة !!
و إني لأشعر ان القلم يغلي بين يدىّ شجبا و استنكارا لنزعة مثل الخلايا النائمة استيقظت على رائحة الدم الصارخ الباكي …
و عذرا من الفيحاء سابقا ، و من مدينة العلماء سابقا ، و من مدينة التكية المولوية و قلعة ما زالت تحتفظ بخجلها “و النهر المسقوف ” و الساعة الشاهدة على توقف الانماء و توقف الحرمان عندنا كمحطة ثابتة..
اعراس طرابلس…. مقابر طرابلس …. و عند التدقيق و التمحيص نجد الفرق الهائل بين عدد الاعراس الخجولة و المقابر الخجولة ايضا فهي قد إستحت حتى أن تستحي !!
و عذرا اخيرا من الفاتح ” السلطان قلاوون ” الذي قطع الدنيا ليصل الينا و يحررنا ، و لو علم اننا سنسقط امام الف معضلة، ربما كان لا يفعل !!
طرابلس آن لها ان تصرخ بوجه الجميع ” *طرابلس تبقى طرابلس بكل ما تحمل من تراث و علم و ادب و حضارة ، و ليست ” تكساس ” ….”

Related posts

تيم كوك يتعهد بتعزيز استثمارات “أبل” في الصين خلال لقائه وزير الصناعة

الشركات الناشئة في الشرق الأوسط تجمع تمويلات قياسية خلال الربع الثالث

ارتفاع الذهب يقلص أرباح شركات السلع الفاخرة