لم يتوقف الملك عن تحريض الحكومات المتعاقبة على العمل الميداني، وكان دائماً يسبقها إلى ذلك، من خلال زياراته المفاجئة متخفياً إلى دوائر الخدمات، حيث كان مراجعاً أو متسوقاً خفياً.
يجب أن تعلم الوزارات والمؤسسات الخدمية أن هناك متسوقاً خفياً يعمل لحساب مكتب رئيس الوزراء، ويمهد لزيارات الرئيس إلى المواقع التي تشهد قصوراً أو تحتاج إلى خدمات، أو تلك التي توجد فيها أخطاء تحتاج إلى تصويب.
الملاحظة الأهم أن جميع هذه الجولات التي يقوم بها الرئيس حسّان، وهي كثيفة وممتدة، تتم خارج العاصمة وخارج المدن الكبرى، أي في الأطراف. لهذه الجولات أثر كبير في التواصل والاستماع المباشر إلى الناس، مما يعزز الثقة، ومن ناحية أخرى، فإن القرارات التي يتم اتخاذها تأتي بناءً على وقائع هذه الجولات وتلبي الحاجات الأساسية للمواطنين.
على المسؤول أن يتجاوز مجرد زيارة المؤسسات التابعة له، فذلك هو أقل واجباته، بل عليه أن يواجه الناس والمراجعين في تلك المؤسسات، فهم أصحاب الخبر اليقين. هكذا يكون العمل، وهكذا تكون المتابعة، وهكذا يتحقق الإنجاز.
عدد قليل من المسؤولين يرحبون بالزيارات الميدانية، فيقومون بها بقلب مفتوح ورغبة في معالجة الملاحظات التي تحتاج إلى تصويب، لكن أكثرهم يتثاقلون.
هناك حاجة ملحّة لأن يقوم المسؤولون بزيارات مباغتة إلى الدوائر والمؤسسات التابعة لهم في القرى قبل المدن، لمواجهة فئة من الموظفين ومحاسبتهم على أخطائهم. وبذلك يحقق الوزير أو المسؤول الذي يكثر من الجولات الميدانية مكاسب كبيرة، ليس أقلها التعرف على حاجات الناس المستفيدين من خدمات وزارته، ومتابعة نتائج هذه الخدمات وآثارها على المواطنين.
الناس يحبون أن يروا المسؤولين بينهم، فهذا يشعرهم بالاطمئنان، ويعطيهم إحساساً بالاهتمام، وأن هناك من يستمع إلى مطالبهم وشكاواهم، ويخفف عنهم المصاعب ويلبّي ما أمكن من احتياجاتهم.
ليس المقصود بالجولات الميدانية كسب الشعبية، بقدر ما ينبغي على الوزير أن يسخّرها لتلمّس حاجات المواطنين ومتابعة أحوالهم، والتيقن مما إذا كانت الخدمات قد أصابت أهدافها.
ليس بإمكان أي وزير، مهما اتسعت دائرة متابعته، أن يتعرف على بواطن الأمور وهو جالس خلف مكتبه، يطالع مئات التقارير المكتوبة أو يستمع إلى مثلها من الشفوية. إن العين والتفاعل المباشر هما أفضل تقرير يعكس الحقائق ويستوعب الأوضاع.
لقد أثبت الرئيس أنه رجل ميدان منذ اللحظة الأولى، وقد ظن البعض أنه سيقوم بذلك لفترة قصيرة وبغرض ما قبل أن يصيبه الملل، لكنه ماضٍ في هذه السياسة ولم يتوقف.( الراي)