توتر جديد بين بكين وواشنطن يشعل أسواق الطاقة.. والذهب يلمع في وجه العاصفة..

اسواق جو – في مشهد يعيد رسم خريطة الطاقة العالمية، وصلت شحنة من الغاز الطبيعي الروسي المسال إلى محطة “بيهاي” الصينية، في أول عملية تسليم من نوعها منذ فرض المملكة المتحدة عقوبات على المحطة بسبب تعاملها مع موسكو. السفينة “أركتيك مولان”، المحمّلة بالغاز من مشروع “أركتيك إل إن جي 2” الخاضع للعقوبات، رست في الميناء الصيني يوم الجمعة، في خطوة تؤكد إصرار بكين على مواصلة تجارتها مع روسيا رغم الضغوط الغربية المتزايدة.

هذا التطور يأتي وسط تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ومحاولات واشنطن تكبيل صادرات الطاقة الروسية لحرمان موسكو من عائداتها النفطية والغازية. لكن الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تبدو عازمة على اتباع نهجها المستقل، إذ تعتبر علاقاتها التجارية مع روسيا “مشروعة ولا تخضع لإملاءات أحد”، كما ورد في تصريحات رسمية صينية الأسبوع الماضي.

تحركات بكين تحمل انعكاسات واسعة على أسواق الطاقة والمعادن. فاستمرار الصين في شراء الغاز والنفط الروسي يعني بقاء جزء كبير من الإمدادات العالمية مستقراً، لكنه في المقابل يفاقم التوتر مع الغرب، ما يعزز حالة عدم اليقين في الأسواق ويغذي موجات من المضاربات. وفي حين تستعد أوروبا والولايات المتحدة لمزيد من العقوبات، يبدو أن آسيا تتخذ مساراً مغايراً، ما يعمّق الانقسام الاقتصادي العالمي.

الذهب في بؤرة المشهد..
هذا المناخ المتوتر انعكس فوراً على حركة المعادن الثمينة، إذ شهدت أسعار الذهب والفضة ارتفاعات غير مسبوقة خلال الأيام الأخيرة. فقد صعد الذهب إلى مستويات تفوق 4,300 دولار للأونصة وفق بيانات رويترز، محققاً أكبر مكاسب أسبوعية منذ الأزمة المالية في عام 2008. أمّا الفضة، فقد واصلت مكاسبها لتسجل 0.41% في أحدث تعاملات، بينما ارتفع الذهب بنحو -0.36% بعد جني الأرباح المؤقت.

هذه القفزات جاءت مدفوعة بمزيج من العوامل: الإغلاق الجزئي للحكومة الأميركية وتأجيل صدور بيانات الوظائف غير الزراعية، مما أثار المخاوف من تباطؤ اقتصادي، إلى جانب تزايد التوقعات بخفض الفائدة الأميركية ربع نقطة مئوية في اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي نهاية أكتوبر. تخفيض الفائدة يجعل الذهب أكثر جاذبية للمستثمرين مقارنة بالأصول ذات العائد الثابت مثل السندات.

الضبابية الاقتصادية وقود الصعود
يضاف إلى ذلك تصاعد الحرب التجارية بين بكين وواشنطن، حيث لوّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم إضافية تصل إلى 100% على السلع الصينية. هذا التوتر المتصاعد زاد من قلق المستثمرين ورفع الطلب على الملاذات الآمنة، وعلى رأسها الذهب، الذي عادة ما يستفيد من بيئات عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي.

وتشير تحليلات بلومبرغ وفايننشال تايمز إلى أن الذهب قد يواصل موجة الصعود الحالية ليختبر مستويات تتراوح بين 4,400 و4,500 دولار للأونصة في المدى القريب، خاصة إذا استمرت التوترات التجارية وتصاعدت العقوبات الغربية على روسيا.

بالنهاية ومليئة المفاجئات، إنّ وصول الغاز الروسي إلى الصين في تحدٍّ واضح للعقوبات الغربية لم يكن حدثاً تجارياً فحسب، بل رسالة سياسية تؤكد أن النظام الاقتصادي العالمي يدخل مرحلة إعادة تشكيل عميقة. ومع استمرار الغموض في مسار الاقتصاد الأميركي وتزايد الانقسامات الجيوسياسية، يبدو أن الذهب يستعد لرحلة جديدة من الصعود القوي خلال الأيام المقبلة. فكل المؤشرات – من تراجع الدولار، إلى خفض الفائدة المرتقب، إلى اشتعال الصراع بين بكين وواشنطن – تصب في مصلحة المعدن النفيس.

وهنا يبقى السؤال الأهم: هل سيكتفي الذهب بمكاسب الأيام الماضية، أم أننا على أعتاب موجة صعود تاريخية جديدة تعيد رسم مشهد الأسواق العالمية؟

 

Related posts

جامعات تُخرّج خبراء مال.. لماذا المديونية؟!

الصادرات بوابة التنافس والتشغيل

ما بعد فلس الريف ودينار التلفزيون!