دولة الإنترنت.. اقتصاد بتريليونات الدولارات وسكانها يفوقون الهند والصين معاً

اسواق جو –  لم يعد الإنترنت مجرّد شبكة لنقل المعلومات أو وسيلة للتواصل، بل أصبح اليوم منظومة اقتصادية واجتماعية عملاقة توازي في حجمها دولاً كبرى.

وإذا ما تخيّلنا الإنترنت كدولة مستقلة، فسنجد أنها تضم أكبر عدد من السكان في العالم، وتمتلك اقتصاداً بتريليونات الدولارات، وقوة شرائية ضخمة، لكنها في المقابل تواجه تحديات بيئية واجتماعية تتمثل في استهلاك الطاقة والفجوة الرقمية بين سكانها.

 

سكان دولة الإنترنت.. الأكبر في تاريخ البشرية

تقدّر DataReportal في بداية 2025 عدد مستخدمي الإنترنت بنحو 5.56 مليار نسمة، أي ما يقارب 68% من سكان العالم، وللمقارنة فإن الهند والصين –أكبر دولتين سكانياً– يبلغ مجموع سكانهما نحو 2.88 مليار نسمة فقط، هذا يعني أن «دولة الإنترنت» تتفوق عدداً على أي كيان سياسي في تاريخ البشرية.

ويقول الباحث في شؤون التكنولوجيا إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لـGoogle: «الإنترنت لم يعد مجرد منصة، بل هو مجتمع عالمي كامل، يعيش داخله أكثر من ثلثي سكان العالم، بأعراف اقتصادية وثقافية جديدة»، مؤكداً أن هذه الظاهرة ستغيّر تعريف الدولة الحديثة.

 

اقتصاد رقمي يوازي الكبار

إذا نظرنا إلى حجم النشاط الاقتصادي داخل الإنترنت، فسنجده يقارب اقتصادات الدول الكبرى، تقديرات مؤسسات مثل IDC وForrester تشير إلى أن قيمة الاقتصاد الرقمي العالمي تراوحت بين 16 و24 تريليون دولار في 2024، وذلك وفقاً لتعريفات مختلفة تشمل التجارة الإلكترونية، الإعلانات الرقمية، الخدمات السحابية، والبنية التحتية للشبكات.

هذا الحجم يجعل من «دولة الإنترنت» ثالث أكبر اقتصاد عالمي، بعد الولايات المتحدة (29.2 تريليون دولار) والصين (18.8 تريليون دولار بنهاية 2024).

 

ويعلّق الخبير الاقتصادي في مجموعة ماكينزي، جوناثان وود: «لو كانت الإنترنت دولة، فهي ليست مجرد اقتصاد ناشئ، بل قوة اقتصادية تضاهي الكيانات العظمى، وتتحكم في سلاسل التوريد العالمية والتجارة الإلكترونية والخدمات المالية الرقمية».

 

قوة شرائية تعيد تشكيل الأسواق

الإنترنت ليس فقط مكاناً لتبادل البيانات، بل سوقاً استهلاكية ضخمة، وفق eMarketer، بلغت قيمة مبيعات التجارة الإلكترونية العالمية أكثر من 6 تريليونات دولار في 2024، ما يعادل نحو 20% من إجمالي مبيعات التجزئة حول العالم.

هذه القوة الشرائية تجعل «دولة الإنترنت» قادرة على إعادة تشكيل أسواق التجزئة والإنتاج، حيث لم يعد المستهلكون محصورين بالجغرافيا.

ويؤكد أليكس بانك، محلل التجارة الإلكترونية في Forbes Digital: «ما يحدث اليوم هو انتقال ثقل الاستهلاك من الشوارع والمراكز التجارية إلى المنصات الرقمية، والإنترنت هو من يملك مفاتيح هذا التحول».

 

فاتورة الطاقة.. مراكز بيانات تستهلك كالدول

لكن اقتصاد الإنترنت العملاق يواجه فاتورة باهظة على صعيد الطاقة، تشير وكالة الطاقة الدولية (IEA) إلى أن مراكز البيانات وشبكات الإنترنت تستهلك حالياً ما بين 1 و1.5% من إجمالي الكهرباء العالمي، ومع التوسع في الذكاء الاصطناعي والبث المباشر وخدمات الفيديو، قد ترتفع هذه النسبة إلى 3% أو أكثر بحلول 2030.

وتقول الباحثة في شؤون البيئة الرقمية إليزابيث براون: «الإنترنت كدولة سيحتاج خلال السنوات المقبلة إلى استراتيجية طاقة خضراء، وإلا سيتحول إلى أحد أكبر مصادر الضغط على شبكات الكهرباء والانبعاثات الكربونية».

 

الفجوة الرقمية.. دولة غير متكافئة

ورغم كل هذه الأرقام الضخمة، فإن «دولة الإنترنت» تعاني من فجوة داخلية كبيرة، فهناك ما يقارب 2.6 مليار شخص لا يزالون محرومين من الاتصال بالشبكة، معظمهم في إفريقيا وآسيا الجنوبية، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

كما أن العوائد الاقتصادية مركّزة بشكل غير عادل؛ إذ تستحوذ الشركات التكنولوجية الكبرى –مثل Amazon وGoogle وAlibaba– على النصيب الأكبر من الأرباح.

ويشير الخبير في اقتصاديات التنمية الرقمية جوزيف ستيغليتز الحائز على نوبل: «الإنترنت خلق ثروات هائلة، لكنه في الوقت نفسه عمّق الفوارق بين الأغنياء والفقراء، وبين الدول المتقدمة والنامية».

 

دولة بلا حدود.. بين الفرص والمخاطر

إذا كانت الإنترنت دولة، فهي دولة بلا حدود جغرافية، بلا جوازات سفر، وبلا جيش تقليدي، قوتها الحقيقية تكمن في البيانات، والذكاء الاصطناعي، والتجارة الرقمية، لكنها تواجه تحديات تنظيمية هائلة.

فالدول تحاول فرض ضرائب على أرباح الشركات الرقمية، وتنظيم استخدام البيانات الشخصية، ومراقبة المحتوى، لكن حتى الآن، ما زالت «دولة الإنترنت» تتجاوز القوانين الوطنية بسرعة هائلة.

ويختصر ذلك الخبير القانوني لورانس ليسيج بقوله: «الإنترنت هو أول كيان عالمي لا تستطيع الحكومات تقييده بالكامل، لقد أصبح بنية تحتية موازية للدولة، وربما أقوى منها».

وأخيراً، بات واضحاً أن الإنترنت لم يعد مجرد أداة في يد البشر، بل تحوّل إلى «دولة رقمية» مكتملة الأركان: سكانها بالمليارات، اقتصادها ينافس القوى العظمى، قوتها الشرائية هائلة، استهلاكها للطاقة في تزايد، وفجوتها الاجتماعية عميقة.

لكن يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح هذه «الدولة الرقمية» في أن تكون عادلة ومستدامة، أم أنها ستظل مرآة للفوارق الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها العالم الواقعي؟
المصدر cnn الاقتصادية 

Related posts

عادات الإنفاق سبب فقرك و3 خطوات لوقف نزيف المال

الاقتصاد العالمي على صفيح ساخن بسبب رسوم ترمب والذكاء الاصطناعي والديون

مبيعات الكتب الورقية لا تتراجع .. والروايات وكتب الدين تتصدران المشهد