فخ الطبقة المتوسطة يضع حلم الصين على المحك

خلال الأعوام الخمسة والعشرين الماضية نما متوسط دخل المواطن الصيني من 969 دولاراً أميركياً في عام 2000، إلى 13.3 ألف دولار في عام 2024، وفقاً لبيانات البنك الدولي، والآن يتبقى للصين أن تضيف نحو 500 دولار فقط لمحفظة كل مواطن للتحول من دولة متوسطة الدخل إلى دولة غنية، ولكن الأمتار الأخيرة ليست سهلة، وفق العديد من الدراسات والخبراء.
يضع البنك الدولي تصنيفاً للدول وفق نسبة متوسط دخل الفرد في هذه الدول إلى متوسط الدخل في الولايات المتحدة الأميركية، ويتراوح متوسط دخل الأفراد في الدول في الشريحة متوسطة الدخل بين 1136 دولاراً أميركياً و13845 دولاراً.

أما إذا تجاوزت الدول حد الـ13846 دولاراً فتتحول إلى قائمة الاقتصادات مرتفعة الدخل، ولكن من المتوقع أن تواجه الصين تحديات عديدة لتجاوز هذا الحد، في ما يطلق عليه «شرك الطبقة المتوسطة».

بيانات سلبية

تكافح الحكومة الصينية لتحقيق هدفها للنمو لهذا العام، 5%، بينما يرى صندوق النقد الدولي أنه، حتى مع تراجع حدة الحرب التجارية الأميركية الصينية، فإن معدل النمو المتوقع لعام 2025 سيكون 4.8%.
ووفق بيانات المكتب الوطني الصيني للإحصاء، الصادر هذا الأسبوع، انكمش مؤشر أسعار المنتجين بنسبة 3.6% على أساس سنوي في يوليو، وهو أدنى مستوى له في عامين، ما يُبرز تأثير تباطؤ الطلب المحلي واستمرار حالة عدم اليقين التجاري على ثقة المستهلكين والشركات.
وتشهد أسعار البيع بالتجزئة انخفاضاً مستمراً منذ أكثر من عامين، وتشير البيانات إلى أن الجهود الحكومية المبذولة لوقف التنافس السعري المُضر لم تُسفر بعد عن نتائج ملموسة.
وصرح تشيوي تشانغ، كبير الاقتصاديين في شركة بينبوينت لإدارة الأصول «لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه هي نهاية الانكماش في الصين، حيث لم يستقر قطاع العقارات، ولا يزال الاقتصاد مدعوماً بالطلب الخارجي أكثر من الاستهلاك المحلي، ولا يزال سوق العمل ضعيفاً».

 

شرك الطبقة المتوسطة

يُطلق مصطلح «فخ» أو «شرك» الدخل المتوسط على البلدان التي تعاني من انخفاض حاد ومستمر في النمو الاقتصادي بعد وصولها إلى «مستوى الدخل المتوسط»، ما يمنعها من الصعود إلى مستوى دخل أعلى، وخلصت دراسات عديدة إلى أن جوهر تباطؤ نمو الدخل المتوسط يحدث بسبب تحسن الدخل نفسه، فمع تحسن الدخول يرتفع متوسط العمر ما يخفض نسبة السكان في سن العمل، كما تنخفض التنافسية «السعرية» للاستثمار في هذه الدول.

ويتطلب الخروج من «الفخ» تغييراً هيكلياً في المساهمة النسبية لعناصر الإنتاج، وهي العمالة ورأس المال والتكنولوجيا، حيث على الدول تقليل الاعتماد على نمو إنتاجية العمالة ورأس المال، وزيادة الاعتماد على التكنولوجيا والابتكار.

ووفقاً لبيانات مركز أبحاث السياسات الاقتصادية بالاتحاد الأوروبي CEPR، فإن نمو الصين اعتمد على ضخ رأس المال في الاقتصاد بنسبة 81% بين عامي 1953 و2023، بينما 20% من النمو يأتي من نمو إنتاجية عنصر العمل، في حين أن الابتكار والتكنولوجيا، في المتوسط، كانت عامل سلبي، عند -1%، حيث تعتبر الصين مستورد صافي للتكنولوجيا والابتكار.

ووفقاً للبيانات الرسمية انخفض عدد سكان الصين للعام الثالث على التوالى فى عام 2024، حيث انخفض إجمالى عدد السكان بمقدار 1.39 مليون نسمة ليصل إلى 1.4083 مليار نسمة، وبالتالي تعتمد الصين حالياً على عنصر واحد من عناصر الإنتاج وهو تراكم رأس المال.

ويرى لوسيو فينهاس دي سوزا، مستشار رئيس المفوضية الأوروبية، أن الصين لا يمكنها الاستمرار في الاعتماد على تراكم رأس المال وحده لاستدامة النمو، خاصةً أن عاملي «تراكم رأس المال» و«العمالة» قد وصلا إلى حالة اقتصادية شهيرة تُعرف بمصطلح «تناقص العوائد»، حيث يقل «متوسط العائد» مع إضافة المزيد من رأس المال والعمال إلى الاقتصاد الصيني.

 

طريق الخروج

استناداً إلى تجربة التنمية العالمية منذ خمسينيات القرن الماضي، يُحدد تقرير التنمية في العالم 2024 -الصادر عن البنك الدولي- مسارات للاقتصادات النامية لتجنب «فخ الدخل المتوسط»، ويشير التقرير إلى الحاجة إلى انتقالين، لا انتقال واحد، الأول هو الانتقال من جذب الاستثمارات إلى ضخ الاستثمارات، والثاني الانتقال إلى الصناعات المعتمدة على الابتكار.

ووفق تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “UNCTAD” فإن التدفق الاستثماري إلى الصين في عام 2024 بلغ 116 مليار دولار بانخفاض 28.8% مقارنةً بعام 2023، كما أن تدفقات الاستثمارات الخارجة من الصين إلى باقي العالم بلغت 163 مليار دولار في عام 2024 بانخفاض 8.2% عن عام 2023. ما يعني أن الصين لم تقم بعد بالانتقال الأول.

أما الانتقال الثاني، فبينما لم يقد الابتكار التكنولوجي نمو الصين في السبعة عقود الماضية، فإنه من الممكن أن يصبح قائداً مستقبلياً، نظراً للزيادة الحادة في الاستثمارات الصينية في البحث والتطوير، ولكن تقرير البنك الدولي يرى أن السياسات الحمائية خاصةً في قطاع التكنولوجيا، التي تتبعها الولايات المتحدة وحلفاؤها ستضعف فرص الصين في الخروج من شرك الطبقة المتوسطة.

 

التوزيع الإقليمي

تلفت دراسة لجامعة كامبريدج بعنوان «الصين: سلاسل القيمة المضافة وفخ الدخل المتوسط»، صدرت عام 2024، إلى شق آخر في الفخ، وهو عدم توازن التنمية في أقاليم الصين، وبالتالي ربما تستطيع بعض الأقاليم التخارج من الفخ دون غيرها.

ترى الدراسة أن مدينة دونغقوان الصينية المتخصصة في التصنيع، شديدة الحساسية لتغيرات تكلفة العمالة التي قد تقوض ميزتها النسبية في تصدير المنتجات منخفضة القيمة المضافة، كما أنها لا تحصل على حصص كبيرة من دعم الحكومة المركزية، لأنها بالفعل تحظى بمستوى مرتفع من تدفقات الاستثمار الأجنبي، وعلى العكس من دونغقوان، فإن المناطق الصينية الأخرى ذات الاعتماد الأكبر على الطلب الداخلي ستكون في وضع أفضل لمواصلة النمو.

Related posts

كيف يدعم اللاجئون السوريون اقتصاد ألمانيا؟

قمة ألاسكا.. ماهي الخلاصات من لقاء ترامب وبوتين في السياسة والاقتصاد؟

تعرف على طريقتين تجعلان أموالك تعمل لصالحك