اسواق جو – أعَز مَكان في الدنى سرْج سابح وخير جليس في الزمان كتاب، كما قال المتنبي قبل أكثر من 1000 عام يصف الكتاب أنه خير جليس لا يمل ولا يخون ولا يغيب.
لم يكن الكتاب يوما مجرد ورق وحبر، بل نافذة نحو العوالم البعيدة ورفيقًا يحفظ الذاكرة الإنسانية عبر العصور وعلى الرغم من التحولات الرقمية المتسارعة ما زال للكتاب الورقي مكانته الراسخة في قلوب القرّاء، ليأتي معرض الرياض الدولي للكتاب المقام في العاصمة، مؤكداً أن الحرف لا يزال حيا وأن النشر بكل أشكاله مازال قادرا على التأثير والإلهام.
لما رأيت بني الزمان وما بهم خل وفيٌ للشدائد أصطفي أيقنت أن المستحيل ثلاثة الغول والعنقاء والخِل الوفي، بهذه الأبيات لصفي الدين الحُلي قبل 700 عام جاءت فكرة الكاتب فيصل بن فهد المهندس والمحاضر في كلية التقنية بالرياض، كانت تردد على سمعه تلك العبارة كثيرا “رابع المستحيلات” و “سابع المستحيلات” وراوده الفضول حولها ومن تلك الأبيات بدأت فكرة قصته ولعبته.
يقول فيصل: ألفت 7 قصص ولم أنشر أيا منها ولكن هذه القصة جاءت مختلفة، من البداية قررت أن تتحول من قصة إلى لعبة إلكترونية، مشيرا إلى أنه نشر القصة بنظام النشر الذاتي في يناير 2024، وبلغت تكاليف الطباعة نحو 9 الآف ريال، بينما وصلت تكلفة تحويلها إلى لعبة إلكترونية ما يقارب 150 ألف ريال.
واختتم معرض الرياض الدولي للكتاب 2025 فعالياته مساء اليوم، بعد عشرة أيام شهدت مشاركة أكثر من 2000 دار نشر ووكالة أدبية من 25 دولة، قدمت أحدث الإصدارات في الأدب والفكر والفنون والعلوم الإنسانية، واستقطبت أكثر من 115 متحدثا ومفكرا.
شراء الكتب الورقية رغم توفر النسخ الرقمية
وعن الأثر الذي حققته اللعبة والقصة، قال: إن القصة كانت الأكثر مبيعًا في جناح ملتقى الأدباء، وحققت نحو 30% إلى 35% من المبيعات، مؤكدا أنه يطمح أن تنشر لعبته على متجري App Store وGoogle Play.
وعن تفضيل القراء للشاشة أم الورق، قال: إن الناس اليوم يفضلون القراءة عبر الشاشات “لأنها سهلة وبصرية كل شيء أمامك ولا تحتاج أن تتخيل” لكنه يعترف في الوقت ذاته بقيمة الكتاب الورقي في تنمية الخيال، مشيرًا إلى أن “الورق يحرّض الخيال، أما الشاشة فتقدّم لك الصورة جاهزة”.
وعن سبب استمرار الناس في شراء الكتب الورقية رغم توفر النسخ الرقمية، أجاب “أحيانًا الناس يشترون الكتاب الورقي لأن قد يكون ” ترند” ليس بالضرورة تتم قراءته لكنه يقرّ بأن الورقي له جمهوره الدائم وأن “الاختيار بين الورقي والإلكتروني يعتمد على الذائقة، لكن لا شك أن النشر الإلكتروني أسهل وأكثر انتشارًا.
أما عن أكثر أنواع الكتب التي مازالت تحافظ على قوتها في السوق الورقية، فيرى فيصل أن الروايات تتفوق ويعلل ذلك بقوله: “الناس تهرب من الواقع إلى الخيال، فيختارون الروايات بحثًا عن الترفيه والابتعاد عن ضغوط الحياة”.
تراجع مبيعات الكتب الورقية بلا أرقام دقيقة
ومع أكثر من 20 سنة خبرة في عالم الكتابة، يتحدث الكاتب صلاح القينلـ”الاقتصادية” عن واقع القراءة اليوم متناولًا تفضيلات القرّاء بين الكتاب الورقي والقراءة الإلكترونية، وتأثير التقنية في سوق الكتب إضافة إلى تجربته الشخصية في تأليف كتابه الأخير “لحظات الإبداع والإلهام”.
يشير صلاح إلى أن الجيل الحالي يميل أكثر إلى القراءة عبر الشاشات، بينما يحتفظ الجيل السابق بعلاقة قوية مع الكتاب الورقي ويقول: الورق لا يزال له بهجته التي لا توفرها الشاشة فهي لا تعطي متعة الكتاب ولا لمسته، ولا تذوقه”، ويضيف أن القراءة على الشاشة أصبحت أسهل وأسرع لكنها لا تغني عن التجربة الحسية للكتاب الورقي.
ويؤكد الكاتب وجود تراجع في مبيعات الكتب الورقية لكن دون أرقام دقيقة ويُرجع السبب إلى عدة عوامل، منها مشاكل تسويقية، وتغير في سلوك الجمهور الذي يعيش في زمن الصورة وليس الكلمة رغم ذلك، لا تزال للكلمة مكانتها وقيمتها التي لا يمكن إنكارها.
النشر الإلكتروني أصبح أكثر سهولة وانتشارًا
يشير القين إلى أن النشر الإلكتروني أصبح أكثر سهولة وانتشارًا موضحًا أن القراء باتوا يزنون قيمة الكتاب أحيانًا على أنه مجرد “كومة ورق” ما يؤثر في توجههم للشراء، أما عن أبرز الأنواع التي مازال القُراء يفضلونها قال: إن الكتب الدينية لا تزال تحتفظ بجمهور كبير ومخلص.
ويتحدث عن كتابه “لحظات الإبداع والإلهام”، الذي استغرق منه 13 عامًا من العمل والبحث والذي يتناول طبيعة الإبداع وتحويل الأفكار إلى أعمال فنية موثقة مثل القصائد والأغاني واللوحات إضافة للعطور والمقالات.
ويشرح القين أن الكتاب يتعمق في تعريف الإبداع والموهبة ويتناول معاناة المبدعين، والفروقات بين التفكير العلمي والأدبي، وكيف نظر المبدعون إلى الحياة، ويذكر مثالاً للشاعر بشار بن برد الذي كان يستوحي قصائده بطريقة فريدة، وكذلك العالم جولييلمو ماركوني، مكتشف موجات الإرسال، ويشير القين إلى أن كتابه يحتوي على أكثر من 650 مرجعًا، ما يظهر عمق البحث ودقته في هذا المجال.
التوجه لا يزال يتركز على الورق
بدوره يكشف الكاتب الكويتي خالد شبكوه صاحب دار نشر في معرض الكتاب الدولي، عن رؤيته لوضع القراءة اليوم وتفضيلات القراء بين الكتاب الورقي والنسخ الرقمية.
يرى خالد أن مبيعات الكتب الورقية لم تتراجع في ظل التحول الرقمي ويرجع ذلك إلى قلة اهتمام دور النشر في الوطن العربي بالنشر الإلكتروني حيث لا يزال التوجه يتركز على الورق، مضيفًا أن مبيعات دار نشر في معرض الرياض تجاوزت 35 ألف ريال حتى الآن.
ويؤكد أن الورق لا يزال يحتفظ بمكانته المفضلة لدى الجمهور، مشيرًا إلى أن أغلب زوار المعرض يفضلون الكتب الورقية على الكتب الإلكترونية رغم توفر النسخ الرقمية.
وعن سبب استمرار شراء الكتب الورقية رغم وجود النسخ الرقمية يرى شبكوه أن “الورق يعطي إحساسًا مختلفًا ويعتبر فاصلًا عن الأجهزة الإلكترونية” ما يجعل القراء يفضلونه.
النشر الإلكتروني أصبح ضرورة تسويقية
وبخصوص النشر الإلكتروني، أشار إلى أنه أصبح ضرورة تسويقية لا غنى عنها مع وجود أمثلة على طرق مبتكرة للترويج، مثل الكاتب والمخرج المسرحي الذي نظم عرضًا مسرحيًا لكتابه في معرض الكويت، ما جذب جمهورًا واسعًا.
وينوه شبكوه إلى أن الأسعار والعروض تؤدي دورًا كبيرًا في جذب القراء، خاصة بالنسبة لدور النشر الصغيرة التي لا تملك أسماءً معروفة.
وأشار إلى أن مبيعات الكتب الورقية شهدت ارتفاعًا بعد جائحة كورونا، حيث زاد شغف الناس بالقراءة، موضحًا أن الكتب الصوتية تحظى بشعبية متزايدة كونها أكثر راحة وسهولة في الاستماع مقارنة بالكتب الإلكترونية.
وبخصوص أنواع الكتب التي تحافظ على مبيعات ورقية قوية، أكد شبكوه أن الروايات تحتل الصدارة خاصة أن كتب تطوير الذات غالبًا ما تكون مترجمة ومتاحة إلكترونيًا، بينما تحظى الروايات المحلية بانتشار أكبر على الورق.
وعن الفرق بين سوق الكتب في الكويت والسعودية، يرى الكاتب أن لكل سوق جمهورها المخلص، وهو ينجح أكثر في الكويت باعتباره كاتبًا كويتيًا وناشرًا محليًا، مشيرًا إلى أن دور النشر عادة ما تبرز في مناطقها الجغرافية.
سوق الورق لا تزال مستقرة رغم التحول الرقمي
وفي السياق ذاته الورق هو أحد أقدم الوسائل التي استخدمها الإنسان لنقل المعرفة وتوثيق الأفكار، رغم التطور التكنولوجي السريع وانتشار الوسائط الرقمية ما زال الورق يحتفظ بأهميته في حياتنا اليومية سواء في الطباعة أو التعبئة والتغليف أو الاستخدامات المكتبية المختلفة، ويؤدي الورق دورًا حيويًا في العديد من الصناعات، ما يجعله مادة لا غنى عنه في الاقتصاد الحديث.
من جانبه، قال لـ”الاقتصادية” الرئيس التنفيذي لمصنع ورق السلام محمد فارس، إن حصة شركة ورق السلام في السوق السعودية حاليًا نحو 1%، وفي العام الحالي، سجل مصنع ورق السلام مبيعات تجاوزت 17 مليون ريال في مختلف المنتجات ما تعزز وجود سوق الورق.
وشهد الطلب على منتجات الورق في السعودية نموًا مطردًا خلال السنوات الأخيرة، خاصة في قطاعات التغليف والتجارة الإلكترونية، حيث تشير تقارير “Mordor Intelligence” إلى توقع نمو سنوي بنسبة تقارب 4.3% حتى 2030.
ورغم تأثير التحول الرقمي في بعض استخدامات الورق التقليدية، إلا أن السوق السعودية ظلت مستقرة، مدعومة بنمو قطاعات التغليف والتجارة الإلكترونية التي زادت من الطلب على منتجات الورق بشكل كبير.
ويُعد قطاع التغليف أكبر مستهلك للورق في السعودية، حيث يشكل أكثر من 50% من الاستخدام حسب تقرير “Mordor Intelligence”، يليه قطاعي الطباعة والتعليم، في حين يبقى استهلاك الأفراد أقل نسبيًا، وفي مصنع ورق السلام، يعتبر ورق الطباعة هو الأكثر استخدامًا بين المنتجات المصنعة.