عروبة الإخباري – طلال السكر –
لا شك أن الكتابة حين تنبض بالإحساس العميق تصبح أكثر تأثيرًا، وهذا ما نجحت فيه الكاتبة الدكتورة، فلك مصطفى الرافعي، إذ صاغت مقالها “من الحب ما قتل” بأسلوب يمزج بين دفء المشاعر وعمق الفكر. تكتب فلك بروح تلامس القارئ، فتجعل من الحروف جسورًا تصل الماضي بالحاضر، ومن الحكايات مرايا تعكس واقعنا المعقد.
بإحساسٍ مرهف، أبدعت الكاتبة في تسليط الضوء على الوجه الآخر للحب، ذلك الوجه الذي قد يتحول من عاطفة نبيلة إلى قوة مدمرة حين يغيب عنه العقل. وببراعة سردية، استحضرت قصصًا من التراث، وأسقطتها على حاضرٍ مليء بالمفارقات، حيث تتحول النوايا الحسنة أحيانًا إلى أدوات أذى، ويصبح التعلق الأعمى وقودًا للدمار.
مقال الدكتورة، الرافعي، ما هو سوى تأمل فكري عميق في طبيعة المشاعر الإنسانية، وتحذير من الانجراف وراء العاطفة غير المنضبطة. وهو بذلك يمثل دعوة للوعي، حتى لا يكون الحب—في تجلياته الخاطئة—سببًا للهلاك بدلًا من أن يكون قوة للحياة.
مقال الدكتورة الرافعي يحمل عمقًا فكريًا وأدبيًا يجمع بين السرد الحكائي، والتحليل الاجتماعي، والإسقاط الواقعي، ليؤكد أن الحب، على الرغم من كونه أسمى المشاعر الإنسانية، قد يتحول إلى قوة مدمرة إذا لم يُضبط بالعقل والحكمة.
فقد استهلت الكاتبة مقالها بمثل شعبي متداول، “من الحب ما قتل”، وهو مثل لم يأتِ من فراغ، بل استند إلى تجارب متراكمة تؤكد أن المشاعر الجارفة، حين تفتقد البصيرة، قد تؤدي إلى نتائج وخيمة. ثم دعمت فكرتها بقصتين رمزيتين، إحداهما عن الدب الذي قتل صاحبه بحسن نية، والأخرى عن غلام المتنبي الذي دفعه إلى حتفه بسبب فهمه القاصر لموقف سيده. هاتان الحكايتان لم تردا فقط للترفيه أو الاستشهاد التراثي، بل لخدمة فكرة جوهرية تتعلق بكيفية تحوّل الحب الأعمى إلى أداة قتل، سواء كان قتلًا ماديًا كما في القصة الأولى، أو قتلًا معنويًا كما في الثانية.
غير أن المقال لم يكتفِ بالتوقف عند الماضي، بل أسقط المفهوم على واقعنا المعاصر، حيث ربطت الكاتبة بين الحب المدمر وأشكال مختلفة من الفساد الاجتماعي، مثل التربية الخاطئة التي تؤدي إلى ضياع الأبناء، والتمسك الأعمى بالمواقف السياسية والعقائدية التي تؤدي إلى تدمير الأوطان. هنا، يبرز المقال كدعوة للتأمل والتفكر في الطريقة التي نمارس بها مشاعرنا، ومدى قدرتنا على موازنتها بالعقل قبل أن تتحول إلى أدوات تخريب.
أسلوب المقال يتسم بجمالية لغوية راقية، حيث وظّفت الكاتبة الاستعارات والتلميحات التاريخية بشكل فعّال، ما أضفى على النص بعدًا أدبيًا ممتعًا، دون أن يفقد طابعه النقدي والواقعي. وقد كانت خاتمتها مؤثرة، إذ تركت القارئ في حالة تساؤل وتأمل، تدفعه للتفكير في الأشكال المختلفة للحب المدمر التي تحيط به في مجتمعه.
في المجمل، فإن مقال الدكتورة فلك مصطفى الرافعي يمثل رؤية عميقة لواقعنا، ويطرح تساؤلًا مهمًا: هل نحن قادرون على إعادة تعريف الحب بحيث يكون قوة بناء، لا أداة هدم؟