عروبة الإخباري – د. فلك مصطفى الرافعي –
كان كثيرا ما يقطع والدي ، يرحمه الله إستراحتي من درس و متابعة برامج ، يأخذني بيدي إلى حيث مجلسه المحبّب ليروي لي حكاية ما ، من فقه و قانون و حكم و سياسة …..، كنت وقتها أتساءل: “و ما خصّني بأمور لا تعنيني ؟ فيقول : ” ربما سيأتي يوم تتذكرين فيه ما قلت ” !!… أصغيت إليه كثيرا و حاولت جاهدة أن الملم وفرة معلوماته و غزير علمه و أضعها في مربع الذاكرة ،و ها هي يا استاذي ،تدق على اوراقي ،و توقظ قلمي ، و تنعش وعاء المخزون عن تسلسل ريادي و انيق لعلاقة نسجت أواصر متانتها بين اللبنانيين على الود والانتماء للوطن ،…….
…ففي زمن ما ، بعز سلطة المندوب السامي الفرنسي ، و بعدما آلت مقاليد مجلس النواب الى شخصية مسلمة ، سنية طرابلسية و روحية ، تنادى قادة من مختلف الطوائف و اجتمعوا و تبنوا ترشيح نفس الشخصية إلى سدّة رئاسة الجمهورية ، كان المسيحيون قبل المسلمين يرفعون بيرق تلك الخطوة ، و قيل ان الشيخ الرئيس قد أوى الى فراشه و حمَام القصر الجمهوري في تأهب لتأدية التحية ، غير أن المستعمر كان له رأيه الآخر فألبّ المواجع و حاك الشائعات و هدد و توعد و رغب و رهّب لقلب المعادلة و الإتيان بشخصية ليست لانها مارونية بل لانها تفرمل التغيير غير المطلوب في حينه و هكذا كان … كاد المسلم ان يعتلي عرش الرئاسة الاولى بكامل الوعي السياسي من المزيج اللبناني المتصالح دائما مع مصلحة الوطن ……
فشو اللي صار ؟؟؟؟
…و في زمن المكرمات و الكرامات و المصالحات كانت بعض العائلات اللبنانية من جذر واحد ،غير انها تشعبت بأوراقها في انتماء مذهبي متنوع و اكثرها من العائلات اللبنانية ـ شهاب ـ التي قدمت للوطن امراء و حكام و رؤساء و نواب و قادة جيش من المذهبين السني و الماروني ، و كذا عائلة الهاشم ، ذات الأصول الإسلامية ،و ايضا من العائلات الشيخ بشير الشهابي الذي ينحدر من اصول إسلامية فاعتنق الدين المسيحي لغايات سياسية. و غيرها من العائلات الكثيرة ، و التي تنضوي تحت سجلاتها و قيودها كل المذاهب و الطوائف ، و هم ابناء عم و منهم اليوم روّاد البحث المضني عن صيغة نافذة للعيش المشترك …. كعائلة عبيد المترامية الأطراف و التي تحصد ميدالية مذهبة في عديد من ينتمي إليها من كل الطوائف …
فشو اللي صار ؟؟؟؟
و حدث ان قامت ثورات و انقلابات و استيراد ضخم لأفكار و عقائد و احزاب، و كان بعضها يضرب دائما على الوتر الطائفي ،و اخيرا على الوتر المذهبي المخيف ، كما نعاني اليوم و قد اُنشئت الأحزاب العلمانية و الدينية و الاجتماعية ، و تنامت الجمعيات الثقافية و الخيرية و الاجتماعية تحت شعار الخير ،و بعضها استعمل الخير كغطاء لبرنامج تدميري في النظامين الأساسي و الداخلي في ميثاق العيش الواحد ،،،
و حدث ان اختلف أقطاب السلطة في بلاد عربية متنوعة ، فتحزبت بعض المدن لهذا و بعضها لذاك ، و تنامت الحركة الإعلامية المكتوبة ، و منها القليل المستقل ، و منها المستغلة لعواطف الأمة ، فأخذتها تارة إلى الحروب الصغيرة و تارة للإرتباط بما يصرح به عبر المذياع من تنوع جديد بين العروبة و التفرنج ، و ما بين تأييد النهج العربي أو بين المتأثر بثقافة و تطور الغرب ، و بدون أحقية و صواب كل فريق، فقد حدث ان تحركت العصبيات و استفاقت المخالب و نمت الاظافر …و في أواخر خمسينيات القرن الماضي ، صار الحزب الفلاني يمثل السنةو العرب ، و صار الحزب العلاني يمثل المسيحية ، و تولد حنين إلى ارتباط ثقافي أو أكثر بدول الغرب ، و بدات الإسقاطات …
فشو اللي صار ؟؟؟
اللي صار ، اننا صرنا نغلّب المصلحة الخاصة على العامة ، و المنطقة على البلد ، و المذهب على الوطن ، و الطائفة على الأمن و الأمان …
اسماء اصحاب الأحداث التي ذكرت موّثقة في التاريخ و في ذاكرتي ، و عند الكثير ممن ما زال يتذكر . تركت الاسماء و المواقع و المدن ، حتى لا انكأ الجراح و حتى لا يستفيق ديناصور القتل على الهوية !!!!