أكثر دولة تم زيارتها من قبل مسؤولي القطاعين العام والخاص خلال الأشهر الماضية هي سورية، وفي أسبوع واحد من شهر حزيران الماضي زار دمشق وفود صناعية وتجارية وممثلو شركات الطاقة وتكنولوجيا المعلومات ومقاولين جنبا إلى جنب عدد من الوزراء الذين شاركوا في اجتماعات رسمية مع نظرائهم وجميعها خرجت بعناوين إعلامية إيجابية.
في المقابل وأثناء هذه الزيارات الرسمية والخاصة في كل من عمان ودمشق وقعت شركات قطرية وتركية وأميركية اتفاقيات بـ7 مليارات دولار لإنشاء مشاريع لتوليد الكهرباء، وشركات سعودية توقع اتفاقيات بـ6 مليارات دولار لإقامة مشاريع صناعية سياحية وأبراج ومطارات، وأخرى إماراتية توقع اتفاقيات بمليارات الدولارات لإنشاء وتوسعة الموانئ، وأخرى تركية لتوريد الغاز الطبيعي، وغيرها عشرات الشركات الدولية التي حصلت على مشاريع استثمارية واقعية في سورية، ونحن في الأردن ما زلنا نستقبل ونودع.
اللقاءات والاجتماعات رفيعة المستوى، ومذكرات التفاهم، والمنتديات الاقتصادية المشتركة، كلها تشير إلى رغبة سياسية واضحة من الطرفين بفتح صفحة اقتصادية جدية، لكنّ السؤال الأهم يبقى: هل نترجم كل هذا الحراك السياسي والدبلوماسي إلى واقع ملموس؟ الجواب حتى اللحظة: ليس بعد.
أمام الأردن فرصة إستراتيجية للدخول بقوة إلى السوق السورية، ليس فقط لدعم سورية، بل لتعزيز الاقتصاد الوطني، وما تحتاجه دمشق اليوم في ظل مرحلة إعادة الإعمار من خبرات ومواد وخدمات، يتوفر لدى الأردن بكفاءة عالية: من البنية التحتية والطاقة والصناعات الهندسية، إلى قطاع تكنولوجيا المعلومات والاستشارات، لكن من دون اتفاقيات ملزمة واضحة تضمن دخول الشركات الأردنية إلى السوق السورية بشروط عادلة، فإن هذه الفرصة ستبقى حبيسة التصريحات واللقاءات.
ما يجري الآن من زيارات رسمية ومشاركة في معارض ومنتديات هو خطوة جيدة كبداية، لكنه لا يكفي، فالأردن يجب أن يطالب – ويضغط – من أجل اتفاقات فعلية، على غرار تلك التي وقعتها سورية مع دول أخرى، تتيح للشركات الأردنية العمل بحرية وأمان، وتضمن لها الحماية القانونية والتسهيلات الجمركية والمالية.
بصراحة من دون تحويل هذه التفاهمات إلى مشاريع على الأرض، فإنها تبقى مجرد أوراق، وستبقى العلاقات في إطار تنسيق الحركة عبر المعابر، وتسهيل عبور الشاحنات، المطلوب الآن هو الانتقال إلى مرحلة التنفيذ عبر تمكين الشركات الأردنية من توقيع عقود ومشاريع داخل سورية، سواء في قطاع الإعمار أو الطاقة أو النقل أو الزراعة أو التكنولوجيا.
سورية بحاجة إلى دعم حقيقي في هذه المرحلة الحرجة، والأردن قادر على تقديم هذا الدعم مقابل مكاسب اقتصادية واقعية، فالتشاركية الاقتصادية بين البلدين ليست خياراً سياسياً فقط، بل ضرورة إقليمية، لما لها من أثر مباشر على استقرار المنطقة وتحفيز النمو، وإذا لم يتحرك الأردن بسرعة، فإن دولاً أخرى قد تملأ هذا الفراغ.
الأردن لا يجب أن ينتظر حتى تنضج الظروف أكثر، فالظروف ناضجة الآن، والفرصة الاقتصادية أمامنا واضحة، وعلى الحكومة الأردنية أن تطالب باتفاقيات تنفيذية محددة، وأن تفتح المجال أمام شركاتها لتكون شريكاً فعلياً في مرحلة إعادة بناء سورية، وكل ما نحتاجه هو ربط كل هذه المبادرات بتواريخ واضحة، ومشاريع واقعية، وشراكات فعلية.
لنكن صريحين: العلاقة الاقتصادية مع سورية لم تعد مجالاً للمجاملة أو المجاملة السياسية، إنها فرصة اقتصادية حقيقية – إن لم نغتنمها اليوم، فقد لا تتكرر غداً، والموضوع أكبر من أن نكون في الأردن مجرد مكتب لاستقبال الضيوف وتوديعهم وإطلاق خطابات للإعلام فقط.( الغد)