Home مقالاتالنقد الصادق نعمة لا نقمة

النقد الصادق نعمة لا نقمة

م. هاشم نايل المجالي

by sadmin

اسواق جو – إن النفوس الكبيرة تعرف أن الحق أثمن من الذات، وأن نصيحة المحب أو المخالف أصدق من مديح المنافق. وما عرف الناس عظماءهم إلا بقدرتهم على تقبّل النقد بصدر رحب، والتعامل مع الملاحظات كمرآة تكشف العيوب يتم إصلاحها، لا كسهام تطعن لتجرح، لذلك فإن من يغضب من النقد هو الضعيف، لأنه جعل شخصيته دوماً رهينة لمدح الناس، أمّا القوي فهو من استمسك بالحق ولو خالفه الناس.

فعلى كل إنسان مؤمن صادق مخلص، عندما يعظه غيره، أن يحمد ويشكر الله على ذلك لا أن يثور معانداً. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم ).

أمّا ضعيف الشخصية فإنه يتعافى عن النصيحة، ويبرّر خطأه، ويخاصم من نصحه. فالذي يرفض النقد البنّاء بعد أن اتضح له، فإنه يرفضه استكباراً وليس لأن الحق غامض. فهناك الكثيرون يردّون النصيحة ليس لضعف دليلها، بل لأن نفوسهم لا تهواها ولا تتقبلها.

فكم من مدير ومسؤول غضب حينما نُصح، وحاولوا تصحيح أخطائه ولم يأخذ بذلك، فكانت نهايته سلبية. وكم من داعية تعصّب لرأيه وتزمّت فخسر أتباعه، كلها شواهد على من يردّ النصيحة الصحيحة والسليمة ولا يأخذ بها.

إن العاقل لا يغضب من النقد البنّاء، بل يفرح به، لأنه كالدواء المرّ الذي يشفي الجراح، قال الرسول صلى الله عليه وسلم (المؤمن مرآة أخيه)، والمرآة لا تجملك دائماً، بل تُريك عيبك كما هو. فاجعل قلبك أوسع من أن تضيّقه النصيحة.

وعلى كل مسؤول أن يعلم أن النقد الصادق هو نعمة، وأن من دلّك على عيبك أحبّك أو أحبّ لك الخير، حتى وإن جرحك كلامه أو قسا عليك بأسلوبه. وليعلم أن أقوى الناس من استطاع أن يقدِر على نفسه عند الغضب، قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)

فلتكن عظيماً بقبولك للنصيحة، ولا تكن صغيراً يغضب من كلمة حق. فما عرفنا عظيماً في التاريخ إلا وكان النقد يصنع منه رجالاً، وما عرفنا ضعيفاً إلا وكان النقد يحطّمه. والحوار ليس صراعاً لإثبات الغلبة، وإنما وسيلة للتقارب وبذل النصح لأجل الوصول إلى الحق. قال تعالى ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) .

ومع الأسف، في زماننا هذا، فقد كثرت المنابر وتعددت الوسائل التي تنتقد وتجرح وتشهر، وأصبحت الكلمة تُكتب وتُنشر في ثوانٍ مع سهولة التعبير، حيث ظهرت أزمة الأخلاق في الحوار، لنجد البعض يردّ على أي حوار أو نقاش لا بالحجة والبرهان، بل بالاستهزاء والسخرية وفقاً لفكرهم المحدود، فعلى الإنسان أن يوسّع صدره للنقد، ويأخذ ما هو أصحّ وأسلم.

 

الدستور

You may also like