Home مقالاتبين السوق المحلّي والعالمي .. المعادلة الذكيّة تبدأ من الأردن

بين السوق المحلّي والعالمي .. المعادلة الذكيّة تبدأ من الأردن

لؤي عازر

by sadmin

حين تتسارع المتغيّرات الاقتصادية من حولنا، ومع جميع ما تفرضه من ضغوط وتحديات على الأفراد والمجتمعات، تبرز الحاجة إلى أن نعيد النظر في أساليب التخطيط المالي، وأن نتبنّى استراتيجيّات استثماريّة قادرة على توفير فرص الاستقرار والنمو، ولكن ضمن وعي وإدراك لطبيعة المخاطر التي لا تنفصل عن أي استثمار، مهما بدا قريبًا أو مألوفًا.

واليوم، لم يعد البحث عن الفرص الاستثماريّة مقتصرًا على الأسواق العالميّة وحدها، بل تعزّز الإدراك بأهميّة ما يحمله السوق الأردني المحلّي في طيّاته من فرص ملموسة وقريبة. فهو سوق يعرفه الأردنيّون جيّدًا، ويفهمون آليّاته، ويدركون قدرته على أن يكون  جزءًا أساسيًّا من أي محفظة استثمارية مدروسة، لا سيما بعد ارتفاع حجم التداول فيه بنسبة 71% خلال النصف الأول من عام 2025، والنمو الذي سجّله المؤشر العام لبورصة عمّان بنسبة 11.6% في الفترة نفسها، ليبلغ حاليًا مستويات تقترب من 2900 نقطة، وهو أعلى مستوى يتم تسجيله منذ عام 2009. ومع ذلك، لا بد أن نتذكّر أن القرب الجغرافي أو الإداري لا يعني بالضرورة خلوّه من التحديات، مما يقتضي التعامل معه بذات الحصافة والانتباه المطلوبين في أي سوق عالمي.

والسوق الأردني لا يقتصر على كونه مساحة للتداول، بل هو بوابة استثمارية واعدة تُدار بمنظومة رقابية قوية، وتستند إلى أساس اقتصادي متين، وتُتيح للمستثمر الأردني، فردًا كان أو شركة، أن يكون شريكًا فاعلًا في النهضة الاقتصادية المستدامة، اذا توفّر لديه الوعي والالتزام اللازمَين لهذا الدور.

السوق الأردني: فرصة محليّة وتأثير وطني

سوق الأسهم الأردني ليس فقط الأقرب جغرافيًا، بل هو الأقرب فهمًا وثقة. وهو يمتلك جميع المقومات التي تجعله من الخيارات الاستثمارية البارزة حاليًا؛ من بيئة رقابية منظمة، وبنية تحتية متطورة، إلى شفافية وتحديثات تشريعية داعمة. ولقد أصبح اليوم أكثر جاهزية لاستقبال استثمارات نوعية، وأكثر قدرة على استقطاب رؤوس الأموال وتحقيق النمو الشامل،  بفضل قانون الاستثمار الجديد، الذي يقدّم حوافز استثنائيّة، لا تقتصر على التسهيلات الضريبية والتنظيمية فحسب، بل تشمل أيضًا منح الجنسية الأردنية للمستثمرين من مختلف الجنسيات وفق شروط محددة.

 

وتشير الإحصاءات الأخيرة في شهر أيلول من هذا العام، إلى أن نسبة ملكية غير الأردنيّين في الشركات المدرجة بلغت 47.7%، وهي نسبة تعكس ثقة متزايدة من المستثمرين الأجانب في الاقتصاد الأردني، ومكانة بورصة عمّان كمساحة استثماريّة واعدة في المنطقة.

كما أن الاستثمار في السوق الأردني لا يعزّز فقط التنويع في المحافظ الاستثمارية، بل يحدث أثرًا مباشرًا على الاقتصاد الوطني من خلال دعم الشركات المحليّة، وتحفيز دوران رأس المال، وتوفير فرص عمل جديدة.

العقلية الاستثمارية أولاً: المعرفة هي رأس المال الحقيقي

من أكثر ما يواجه المستثمرين والمتداولين اليوم هو كمّ المبالغات التي تُجمّل الموضوع  وتجعله يبدو كطريق سريع نحو تحقيق الأرباح. لكن أولى خطوات الاستثمار الذكي تبدأ بالوعي، بالشك في المبالغات، وبفهم المخاطر قبل الأرباح. الاستثمار الناجح هو مسار طويل يتطلب فكرًا ناقدًا، وخطة مدروسة، وانضباطًا في السلوك المالي. والأهم، تبنّي عقليّة استثماريّة واعية ومسؤولة ترى في السوق فرصة للتعلّم والتحسين المستمر. إنها عقلية تتسم بالصبر، والقدرة على التمييز بين الفرص الحقيقية والوعود المضلّلة. عقلية تدرك أن الأسواق ليست ساحة للربح السريع، بل بيئة تحتاج إلى دراسة وتحليل واستعداد للمخاطرة المدروسة.

لذا، من لا يجد في نفسه القدرة على الصبر، والانضباط في اتخاذ القرارات المالية، التفكير مجددًا قبل دخول السوق. فالتداول ليس مناسبًا للجميع، بل هو خيار مُجدٍ لمن يرى فيه التزامًا طويل الأمد، ومسؤولية تجاه نفسه وقراراته، قبل أن يكون وسيلة لتحقيق الأرباح.

المعادلة الذكية: توازن بين المحلي والعالمي

أمّا تنويع المحافظ الاستثمارية، فيعدّ ضرورة استراتيجية، تمنح المستثمر مظلّة حماية تقلّل من أثر الصدمات الاقتصاديّة المفاجئة. فبينما يوفّر الاستثمار في السوق المحلي فهمًا أعمق وارتباطًا بالواقع الاقتصاديّ، تتيح الأسواق العالمية آفاقًا جديدة وفرصًا متنوعة. لذا، فإن التنويع الذكي بينهما يمكّن المستثمر من توزيع المخاطر بفعاليّة، وحماية محفظته من تقلبات أي سوق على حدة، مما يعزّز فرص الاستمرارية والثبات على المدى الطويل. ومع تطوّر السوق الأردني وتزايد جاذبيّته، واتساع قاعدة الشركات المدرجة فيه إلى 161 شركة مع بداية العام الحالي، تبرز أهمية إدماجه ضمن استراتيجيّة استثماريّة شاملة تجمع بين العمق المحلي والامتداد العالمي.

وفي الختام، تبقى الخطوة الأهم أن نُعيد النظر في إمكانياتنا القريبة، وأن نؤمن بأنّنا في هذا الوطن نمتلك القدرة، والمعرفة، والأدوات لتحقيق عوائد مستدامة، لمن هو مستعد لها فعلًا، وإحداث فرق اقتصادي حقيقي. فالرؤية المالية الواعية لا تتبع التيارات، بل ترسم مسارها بوضوح، وتنطلق بثقة من مكان نعرفه جيدًا… من هنا، من الأردن.

“التداول ينطوي على مخاطر عالية. استعلم قبل المباشرة”

*الرئيس التنفيذي الإقليمي لمنطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في سي أف أي( CFI)

 

 

 

You may also like