Home تقارير وتحليلاتتفوق اليورو على الدولار يحتاج إلى أكثر من تحركات ترمب

تفوق اليورو على الدولار يحتاج إلى أكثر من تحركات ترمب

العملة الأوروبية شكلت 19% فقط من إجمالي المعاملات الدولية في 2024 و20% في احتياطيات النقد الأجنبي

by sadmin
المصدر:

بلومبرغ

واجه صُناع السياسات في أوروبا العديد من المفاجآت منذ عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وكانت واحدة من أكبر هذه المفاجآت هي احتمالية أن ينافس اليورو الدولار الأميركي القوي.

ارتفعت قيمة اليورو وسط تأثر المستثمرين بالصدمات التجارية القادمة من واشنطن. وأصبح الآن مجموعة من صُناع السياسات المتحمسين يدفعون العملة الموحدة لتصبح بديلاً حقيقياً للدولار الأميركي باعتبارها أحد الأعمدة الأساسية للنظام المالي العالمي.

وفي مايو، صرحت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، أن الشكوك حول دور الدولار “تٌهيئ الفرصة أمام لحظة ‘اليورو العالمية'”.

ثم وضعت لاغارد خطة لاغتنام هذه الفرصة. كما هو المعتاد في الاتحاد الأوروبي، أُدرج الموضوع على جدول أعمال قمة عُقدت في يونيو، حيث أبدى القادة موافقتهم، قبل أن يعيدوا تفاصيل التنفيذ إلى المسؤولين في بروكسل وفرانكفورت.

لكن لينافس اليورو الدولار بشكل حقيقي، سيتعين على منطقة اليورو التغلب على خلافات داخلية وانقسامات متعددة. إن تعزيز التكامل بين أسواق رأس المال لدول التكتل سيجعلها أكثر عمقاً وسيولة، مما سيوفر حوافز أكبر للمستثمرين للاحتفاظ بالأصول المقومة باليورو. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي إصدار الديون الحكومية بشكل مشترك إلى توفير بديل لسندات الخزانة الأميركية للمستثمرين الذين يبحثون عن أصول منخفضة المخاطر.

مع ذلك، عانت مثل هذه المشاريع من صعوبة في البدء على مدار عقود، ولا يزال الشك يحيط فيما إذا كانت هذه المرة ستكون مختلفة.

مساهمة اليورو في النظام العالمي

يقول غونترام وولف، أستاذ في كلية سولفاي للاقتصاد والإدارة في بروكسل، والذي قدم استشارات متكررة لوزراء مالية منطقة اليورو: “أنا متفائل وأعتقد أن أوروبا ستتخذ خطوات في هذا الاتجاه. لكن، من وجهة نظري الواقعية، فإن هذه الخطوات لن تكون كبيرة بما يكفي لجعل اليورو منافساً حقيقياً للدولار الأميركي”.

كان التكامل الإقليمي هو الدافع الرئيسي لإنشاء عملة موحدة، إلا أن وراء ذلك تكمن غيرة فرنسا من “الامتياز الباهظ” الذي يتمتع به الدولار، وهو مصطلح صاغه وزير المالية الفرنسي في الستينيات، فاليري جيسكار ديستان (الذي أصبح لاحقاً رئيساً للبلاد).

كما أكدت لاغارد، التي كانت أيضاً وزيرة مالية سابقة في فرنسا، على المزايا الخاصة لامتلاك عملة مهيمنة على المستوى العالمي أثناء خطابها في مايو. وتشمل هذه المزايا انخفاض تكاليف الاقتراض للحكومات والشركات، إضافة إلى الحماية من تقلبات أسعار الصرف والعقوبات.

يتذكر أوتمار إيسينغ، أحد القائمين على إصدار اليورو في بداياته، كيف ظلت الطموحات الفرنسية حاضرة عندما أصبح أول كبير اقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي عام 1998. لكنه عارض آنذاك الترويج النشط لما يسمى بتدويل العملة، قائلاً: “كان هناك خطر في ذلك الوقت من إثقال كاهل البنك المركزي الأوروبي واليورو بطموحات سياسية”.

مع ذلك، ازدادت أهمية اليورو إلى أن اندلعت الأزمة المالية العالمية وما تبعها، حيث بدأ اليورو وقتها في التراجع مجدداً.

وأظهر تقرير حديث من البنك المركزي الأوروبي أن الاستخدام الدولي للعملة بقي ثابتاً عند 19% من المعاملات في 2024، مع حصة 20% في احتياطيات النقد الأجنبي. وهذه الأرقام تُمثل تقريباً ثُلث أرقام الدولار.

تأثير سياسات ترمب على اليورو

تسببت تدابير ترمب الجمركية وهجماته على بنك الاحتياطي الفيدرالي في تغير الأوضاع. فلم تعد السندات الأميركية تُعتبر الملاذ الآمن كما كانت في السابق، حيث ذكر استراتيجيون في استطلاع حديث أجراه بنك الاستثمار الفرنسي “ناتيكسيس” (Natixis) أن “الاضطراب في سوق الخزانة” يُعد أكبر خطر يهدد الأسواق المالية.

في الوقت نفسه، مع تحول ألمانيا نحو سياسة مالية أكثر مرونة، ما أثار آمالًا في النمو، بدأ الاهتمام باليورو في الارتفاع.

يقول فريدريك دوكروزيت، رئيس قسم أبحاث الاقتصاد الكلي لدى “بيكيت ويلث مانجمنت” (Pictet Wealth Management): “عندما يبدأ العملاء وزملاء العمل، من النمسا وألمانيا وسويسرا، بالقلق الشديد بشأن الدولار ويتجهون نحو التأييد لأوروبا، فإنك تعرف أن هناك تغييراً قد حدث”.

تحذر لاغارد من الاستهانة بصعود اليورو، فقد قالت في خطابها: “علينا أن نستفيد من هذه الفرصة”. وأضافت أن البنك المركزي الأوروبي يقوم بدوره من خلال العمل على إنشاء يورو رقمي، مشددة على ضرورة تحرك القادة السياسيين في أوروبا أيضاً لتحقيق هذا الهدف.

وأكدت على ثلاثة أسس حاسمة لتصبح العملة أكثر هيمنة، وهي: الالتزام الراسخ بالتجارة الحرة بدعم من القوة العسكرية، وتعميق أسواق رأس المال، والحفاظ على سيادة القانون.

في العديد من المجالات، يمتلك الاتحاد الأوروبي الكثير ليقدمه. فالتجارة الحرة الداخلية موجودة بالفعل، وباعتباره مُصدراً صافياً، فإنه يدعم التجارة المفتوحة. كما أن الالتزام بسيادة القانون يعد من الشروط الأساسية للعضوية.

كما كانت خطوات أوروبا لإعادة تسليح نفسها، بتشجيع من ترمب، ذات مغزى. لكن الاتحاد تأخر في مجال التمويل.

تقول لينا كوميليفا، كبيرة الاقتصاديين في “جي بلس إيكونوميكس” (G Plus Economics)، إن “أكبر العوائق أمام قيادة اليورو، في ظل بيئة دولية مجزأة وطلب عالمي متزايد من المستثمرين على الملاذات الآمنة البديلة للدولار، هي تجزئة السوق الأوروبية نفسها ونقص السيولة في أسواق الديون المقومة باليورو”.

عوائق تعرقل أسواق رأس المال الأوروبية

تُشكل أسواق السندات داخل الاتحاد الأوروبي مجتمعةً ثلث حجم السوق الأميركية، كما أن رأس المال الاستثماري يتأخر بشكل كبير أيضاً. ومن شأن سوق رأس مال موحد أن يوفر للشركات مصدر تمويل إضافي، بجانب القروض المصرفية السائدة، ويسمح باستثمارات عابرة للحدود بأسعار معقولة وآمنة، كما يمكن أن يجذب رأس المال الأجنبي.

لكن “المصالح الوطنية”، كما أشارت لاغارد في نوفمبر الماضي، تشكل عقبة كبيرة. لذا، يجب توحيد قواعد الرقابة على الأسواق وأنظمة الضرائب وقوانين الإفلاس. وأوضحت لاغارد أن أكثر من 100 محاولة للتقدم في أسواق رأس المال قد باءت بالفشل منذ عام 2015. ولا يوجد سبب واحد لذلك، بل إن الدول الصغيرة ذات المراكز المالية الكبرى مثل أيرلندا ولوكسمبورغ لها مصالح واضحة تسعى لحمايتها، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من جماعات الضغط التي تعمل أيضاً.

فعلى سبيل المثال، ترغب بنوك “سباركايسن” الألمانية، والتي تعمل في الغالب كمؤسسات ادخار محلية، في حماية أعمال الإقراض الخاصة بها من التحولات نحو تمويل أسواق رأس المال، الذي غالباً ما تهيمن عليه البنوك الكبيرة.

ويقول يوهانس ليندنر، المدير المشارك في مركز “جاك ديلورز”، وهو مركز أبحاث مقره برلين: “هذه مسألة صعبة الحل، لأن القضايا الوطنية والأوروبية متشابكة، وهناك العديد من المصالح المختلفة التي تلعب دوراً في هذا”.

من جانبه، يقول مسؤول كبير في منطقة اليورو، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، إن إحدى الأفكار الجذرية التي طرحتها لاغارد، تتمثل في تجاوز التنسيق بين القواعد للدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي من خلال إنشاء ولاية قضائية افتراضية رقم 28 يمكن للشركات اختيار الانضمام إليها، قد تحدث “تغييراً جذرياً”. لكنه أضاف أن هذه الفكرة ليست مدرجة على الأجندة السياسية.

التحديات المالية أمام هيمنة اليورو

يُعد التمويل المشترك للسندات الحكومية مسألة مثيرة للجدل، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى أن الدول الغنية مثل ألمانيا لا ترغب في تمويل نظرائها المثقلين بالديون مثل إيطاليا. وهذا يجعل المستثمرين يقيمون كل مُصدر وطني على حدة، مع وجود بعض سندات اليورو فقط التي تُعتبر أصولاً فائقة الأمان.

وأشارت لاغارد مؤخراً إلى أن السندات السيادية التي تحمل تصنيفاً لا يقل عن “أيه أيه” (AA) تشكل أقل من 50% من الناتج المحلي الإجمالي في أوروبا، مقارنةً بأكثر من 100% في الولايات المتحدة.

إيزابيل شنابل، زميلة لاغارد في المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، تعتقد أن تنمية سوق السندات الأوروبية شرطاً أساسياً حتى يلعب اليورو دوراً أكبر على الساحة العالمية. ودعت إلى إحياء النقاش حول زيادة تمويل الاتحاد الأوروبي للسلع العامة المشتركة مثل الدفاع. ويستند ذلك إلى سابقة أنشأها الاتحاد الأوروبي في عام 2020 لإنشاء صندوق تعافي مشترك بقيمة 750 مليار يورو (870 مليار دولار) للمساعدة في إصلاح الأضرار الناجمة عن الجائحة.

قد يأتي الزخم السياسي أيضاً من خطة الاتحاد الأوروبي لإعادة تسليح أوروبا، التي تهدف إلى تعبئة ما يصل إلى 800 مليار يورو للاستثمار العسكري.

يقول ماسيميليانو كاستيلي، رئيس الأسواق السيادية العالمية لدى “يو بي إس أسيت مانجمنت” (UBS Asset Management): “إذا زاد إصدار السندات على المستوى الأوروبي بدلاً من المستوى الوطني، فإن ذلك سيخلق سوقاً أكثر سيولة لليورو وللسندات الحكومية لمنطقة اليورو، لكن هذا لا يزال مجرد سيناريو، لأن أوروبا غالباً ما تعد، ثم تخل بوعودها”.

وفي هذا الصدد، يبدي إيسينغ استياءه من فكرة الديون المشتركة، بما يتماشى مع الفكر المالي الألماني المحافظ. ولا يزال يشكك في سعي البنك المركزي الأوروبي لتعزيز دور اليورو عالمياً. ويقول إن “قرار استخدام اليورو كعملة دولية يعود إلى الأجانب أو البنوك المركزية أو الجهات الفاعلة الخاصة”.

واختتم: “بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي، من المهم إقناع المستثمرين الدوليين بإمكانية الاعتماد على استقرار اليورو إلى أجل غير مسمى”.

 

You may also like