Home الاقتصاد العالميكيف أدّت سياسات ترامب التجارية إلى تهميش روسيا وأوكرانيا؟

كيف أدّت سياسات ترامب التجارية إلى تهميش روسيا وأوكرانيا؟

by sadmin

في خضمّ الأوقات المتسارعة، ومع هيمنة الحروب التجارية على عناوين الأخبار، يكاد يُنسى أن الجنود الروس والأوكرانيين ما زالوا يخوضون معارك شرسة على كل شبر من الخطوط الأمامية في أوكرانيا.

وتتراجع الحرب في أوكرانيا تدريجياً عن صدارة الاهتمام الدولي، مع تصدّر ملفات مثل النزاع في غزة، وحالة الضبابية الاقتصادية المستمرة في أوروبا وأميركا، وتحوّلات المشهد الجيوسياسي مع تصاعد ما يشبه «محاور قوى» متعارضة ومتصارعة.

وبات من الواضح بشكل متزايد أن روسيا وأوكرانيا تُتركان خارج دائرة الأولويات، حتى إن محادثات هذا الأسبوع في إسطنبول، التي ضمّت وفدين تفاوضيين من البلدين، لم تحظَ سوى بتغطية إعلامية محدودة. وفي ظل الوضع الراهن، يسود شعور بعدم اليقين حيال مسار الحرب وفرص التوصّل إلى سلام.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد بدا فاقداً لصبره حين صرّح في 14 يوليو تموز بأن أوكرانيا يمكن أن تحصل على مزيد من الأسلحة الأميركية الصنع، لكن بشرط أن تتحمّل دول «الناتو» تكلفة تلك الأسلحة. كما منح روسيا مهلة مدتها 50 يوماً للتوصّل إلى اتفاق سلام مع أوكرانيا، مهدّداً بأنه إذا لم يتم ذلك، فإن موسكو ستواجه «عقوبات شديدة جداً» ورسومًا «ثانوية» قد تصل إلى 100%.

وهو ما من شأنه أن يوجّه ضربة قاسية للاقتصاد الروسي، وكذلك للدول التي لا تزال ترتبط بعلاقات تجارية معه، وعلى رأسها الصين والهند اللتان تستوردان النفط والغاز الروسيين، إلى جانب سلع أساسية أخرى.

 

ورقة روسيا غير المحسوبة

 

وبموجب هذه المهلة، فإن أمام روسيا حتى 2 سبتمبر أيلول لإثبات جديّتها في التوصّل إلى وقف لإطلاق النار وخطة سلام، وهي خطوات لم تُحرز فيها أي تقدّم يُذكر حتى الآن، باستثناء بعض التفاهمات المتعلقة بتبادل الأسرى.

ويرى محللون أن التهديد بمزيد من العقوبات قد لا يكون كافياً لدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طاولة التفاوض بنية صادقة، فضلاً عن استعداده للحديث المباشر مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

وفي هذا السياق، قال ميكولا بيلييسكوف، الباحث في المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية في أوكرانيا، إن «هناك فجوة كبيرة بين مطلب ترامب التوصّل إلى اتفاق سلام، وبين فرض عقوبات جديدة».

وأضاف في تصريح لشبكة NBC News في وقت سابق من الشهر الجاري: «الكرملين يراهن، في الأساس، على أن الولايات المتحدة في عهد ترامب غير قادرة على اتباع سياسة منهجية لدعم أوكرانيا وممارسة ضغط فعّال على روسيا».

قال بيلييسكوف: «إن فرض عقوبات ثانوية جادّة يتطلّب استعداداً للدخول في مواجهة مع دول مثل الصين والهند، اللتين تشتريان المواد الخام من روسيا».

وأضاف: «وبالمثل، عندما يتعلّق الأمر بالأسلحة، فإن سرعة وكميات الإمدادات في الوقت الراهن هي العامل الحاسم. لذا هناك كثير من الأمور المجهولة المعروفة، وأعتقد أن روسيا قد تراهن على أن الولايات المتحدة لن تجرؤ على فرض عقوبات ثانوية على شركائها التجاريين».

وتبقى أوكرانيا، التي تعتمد بشكل كبير على سخاء أميركا وأوروبا في ما يخصّ تزويدها بالأسلحة، أكثر ميلاً في الأشهر الأخيرة إلى التفاوض، إذ دعت، بالتوازي مع ترامب، إلى وقف إطلاق النار مع روسيا — لكن دون أن تتلقّى أي ردّ.

كما أبدت كييف استعداداً لتقديم تنازلات حتى في ما يتعلّق بالتخلّي عن بعض الأراضي الأوكرانية التي تحتلّها روسيا، مقابل الحصول على ما تعتبره «الكأس المقدّسة» بالنسبة لها: عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو).

لكن لا توجد مؤشرات تُذكر على أن روسيا —التي تحقّق مكاسب ميدانية صغيرة لكن متواصلة بفضل تفوّقها العددي من حيث الجنود المجنّدين، وحملات الطائرات المسيّرة المكثّفة— ستكون مستعدة لقبول أي شكل من الضمانات الأمنية التي تعهّد بها الغرب لأوكرانيا.

 

خيبة أمل من أوكرانيا

 

وما يزيد الطين بلّة بالنسبة لكييف هو تنامي الاستياء على المستوى الداخلي، وسط تذمّر متزايد من استمرار العمل بالأحكام العرفية، وتعليق الانتخابات، وأسلوب القيادة الذي يتبعه الرئيس زيلينسكي في زمن الحرب.

وقد اندلعت احتجاجات في العاصمة الأوكرانية الأسبوع الماضي عقب موجة غضب شعبية بسبب تحرّكات الحكومة لتقليص استقلالية هيئتين لمكافحة الفساد. وعبّر عدد من كبار الساسة الأوروبيين عن قلقهم من هذا التوجّه في تصريحات لموقع «بوليتيكو»، مشيرين إلى أنّه يعكس ضعف التزام كييف بالقيم الديمقراطية الأوروبية.

ويُعتبر التصدّي للفساد المستشري منذ سنوات في أوكرانيا شرطاً أساسياً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو الهدف الذي تسعى إليه كييف بإصرار.

أثار التعديل الوزاري الذي أُجري في منتصف يوليو تموز مزيداً من الاتهامات للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالسعي لتركيز السلطة في أيدي المقرّبين منه، الأمر الذي قد يُثير بدوره مخاوف لدى داعمي أوكرانيا الدوليين ومموليها.

وقالت تاتيانا ستانوفايا، الباحثة البارزة في مركز كارنيغي لروسيا وأوراسيا ومؤسسة شركة التحليل السياسي «آر. بوليتيك»، إن «أوكرانيا تدخل مرحلة حرجة من إعادة التماسك الداخلي وسط تصاعد حالة الضبابية على المستوى الخارجي».

وأضافت في تصريحات مكتوبة هذا الأسبوع: «تتزامن التطورات الميدانية الأخيرة مع نهج أميركي جديد؛ إذ اختار دونالد ترامب التريّث التكتيكي بدلاً من الانخراط الحاسم، متراجعاً عملياً مع نقل الأعباء المالية والسياسية إلى أوروبا».

وتابعت: «من جهتها، تستغل كييف هذا الفراغ لإعادة ترتيب أوراقها داخلياً. ويعكس التعديل الوزاري الأخير بوضوح نية إدارة زيلينسكي تعزيز السيطرة السياسية والحفاظ على التماسك في ظل تفاقم التشاؤم، والجمود المؤسسي، وتفاقم أزمة سوق العمل».

ورغم تنامي القلق الغربي حيال المسار الداخلي لأوكرانيا، أشارت ستانوفايا إلى أنّ «الدعم الدولي بات أكثر انضباطاً وانتهاجاً لمنطق المعاملات، ويركّز بالدرجة الأولى على الحفاظ على الجبهة القتالية، أكثر من الدفع قدماً بإصلاحات ديمقراطية».

You may also like