اسواق جو – إن العقل هو القاسم المشترك بين أفراد الإنسانية، ويتميّز بتماسكه وحذره من الوقوع في تناقض مع ذاته، فهو يتحرّك وفق نظام دقيق يحكمه، وقواعد وأسس تضبطه. وعلينا أن نعرف ونفهم أسس وقواعد هذه الأنظمة التي نخاطب بها الآخرين حتى نكون في مأمن من الوقوع في التناقض والأخطاء. حيث إن قواعد المنطق تحرّر الفكر من قيود العاطفة، حيث إنه يعلّمنا ترتيب أفكارنا وتأسيسها في صورة منطقية سليمة. فخطابنا السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي لن يكون مفهوماً إلا إذا كان مؤسساً ومهندساً بشكل منطقي ومعقول وواقعي، ويعطينا القدرة على استدلالات الآخرين وردّها أو قيادها، وينبّهنا إلى الأخطاء الشائعة لدى الكثيرين مسؤولين أو مواطنين.
والعقل يحتوي على مبادئ تسمّى مبادئ العقل تساعده على التحليل والتقييم والاستنتاج. وبما أن العقل مشترك بين جميع البشر، فإن ما يصل إليه من معرفة وحقيقة يؤمن به أن يتحقق على أرض الواقع، حيث يتفق حولها كافة العقول، وأن انطباق الفكر المطروح مع الواقع هو الذي يضمن اتفاق العقول، وأن نتائج الطرح غير مشكوك في صحتها بدليل البرهنة التجريبية.
وكل طرح يواجه انتقادات، والطرح لأي مشروع أو فكرة مشروع إذا لم يصمد أمام الانتقادات التي يوجّهها إليه الطرف الآخر يعتبر طرحاً خاطئاً ويفقد قيمته. والمنطق هو ما يجب أن تكون عليه الأمور على أتم وجه في أي مشروع أو مجال كان؛ أي الطريقة السويّة والمثلى والمخطّط لها بكل دراية ومعرفة من قبل المختصين مسبقاً، والتي يتم الإجماع على أنها المثلى.
والمنطق الصحيح هو طريقة تفكير تؤدي لأحكام العقلانية التي لا يختلف حولها الكثيرون. وهذا يقودنا إلى ما طرحه كثير من المسؤولين سابقاً عن العديد من المشاريع الكبرى، سواء كانت مدناً سكنية في مواقع وأماكن متفرّقة أدت إلى هجوم كثير من المواطنين لشراء الأراضي حولها واستنزفوا أموالهم هناك، ومن ثم تم نقل هذه المشاريع إلى أماكن أخرى بكل سهولة، على اعتبار أنه طرح ليس أكثر من مجرد فكرة. وهذا أدى إلى فقدان ثقة الناس بهذه الطروحات. فأين المنطق في ذلك؟
عندما قامت فكرة تنفيذ مشروع مدينة أبو نصير، قامت مؤسسة الإسكان والتطوير الحضري باختيار المنطقة القابلة للتوسعة، وأُعدّت من قبل مكاتب هندسية عالمية الدراسات حول طبيعة ونمط السكان الذين سيعيشون فيها. ومن ثم تم إعداد المخططات اللازمة لذلك، وتم تنفيذ المشروع من قبل شركات عالمية ومحلية على أكمل وجه، وكانت الفكرة قد تحوّلت إلى واقع حقيقي، وهي الآن تعتبر مدينة سكنية متكاملة الخدمات وفي ازدياد رغم مرور سنوات طويلة على إنشائها، وأصبحت معلماً حضارياً متكامل الأركان. هذا ما قامت به مؤسسة الإسكان التابعة لوزارة الأشغال العامة وبكفاءة مهندسينا مع الشركات العالمية، ولم يأخذ حينها المشروع كل هذه الضجة الإعلامية والنقاشات والانتقادات وغيرها.
فلماذا لا نُوكل مثل هذه المشاريع (المدن السكنية)، وبما تحتاجه من متطلبات حضارية وتكنولوجية، إلى وزاراتنا ذات الاختصاص وبالتنسيق مع كبرى الشركات العالمية بأساليب البناء الحديثة وبشكل متكامل حسب حاجة كل قطاع من القطاعات من أنواع السكن الذي يلائم موظفيه؟ بينما نجد عند نقاش مشروع مدينة عمرة أن كثيراً من الجهات بدأت تتقاسمه، فكل جهة ستأخذ مساحة خاصة بها لتنفيذ مشاريعها حسبما تراه مناسباً لها استثمارياً أو غيره.
مثل هذه المدن تحتاج إلى جهة مسؤولة عنها من البداية إلى النهاية كمشروع متكامل وليس مقسّماً، كذلك ليكون ما حولها مشاريع صناعية وزراعية وغيرها تشغّل أبناء هذه المدينة وترفدها بكل احتياجاتها المعيشية. هذه هي المدن الذكية المتكاملة الحضارية. وهنا: من هم أصحاب الاختصاص بذلك؟
الدستور
