عندما يتخذ الشخص قرارًا بدراسة تخصص أو آخر، فهو يمكن أن يصنع فرصةً لنفسه لتوفر فرص العمل أمامه، أو يوقعها في ورطة لندرة الوظائف المتعلقة بمجال دراسته، أما عندما تتخذ المؤسسات الرسمية التي تعمل على إدارة ملف التعليم العالي قرارها، فليس أمامها سوى خيار واحد، وهو الموازنة بين التخصصات المطروحة وحاجات السوق، لأن وجود الوفرة أو الندرة كلاهما يشكل تشوهًا على المدى البعيد، والأفضل، ألا تتوفر أصلًا الفرص الكبيرة والواسعة لدراسة بعض التخصصات، وأن يتم توجيه الطلبة بوصفهم ثروة وطنية إلى تخصصات توجد حاجة فعلية لها في الأردن أو خارجه.
ما نعتبره اليوم ضغطًا على الدولة والمجتمع من خلال وجود أعداد كبيرة من الشباب الجامعي المتعطل عن العمل، يمثل فرصةً مستقبلية تندرج تحت مفهوم أوسع وهو الفرصة السكانية، خاصةً أن عديدًا من الدول المتقدمة، في أوروبا وآسيا، تعاني من ظاهرة تفشي الشيخوخة بما يهدد قدراتها الإنتاجية في المستقبل، وفي أوروبا يستثمر الاتحاد الأوروبي لمناقلة العمالة من دول مثل رومانيا وبلغاريا والبرتغال، إلى هولندا وألمانيا، والبريطانيون بخروجهم من الاتحاد الأوروبي فقدوا كثيرًا من المزايا المتعلقة بالعمالة، وبطبيعة الهيكل الإنتاجي القائم لديهم.
قابلت قبل فترة مجموعة من الشباب المصريين الذين يدرسون في الأردن، في تخصص العلاج الطبيعي تحديدًا، وهو التخصص الذي يشهد إقبالًا كبيرًا في مصر الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدلات القبول بصورة كبيرة، فكان للأردن أن يتيح لهم فرصة الدراسة، وهذا التخصص مثلًا له أفق واسع مستقبلًا، ويرتبط بتصدير العمالة إلى الخارج، فلماذا لا تتم توعية الطلبة بخصوصه وأنه ليس كما تذهب الفكرة الشائعة مجرد (تدليك)، ويمكن حتى أن تتم برمجة مسارات دراسية مخصصة للمهن الطبية ومهن الرعاية الصحية المختلفة لا تبقى مرتبطة بكابوس الثانوية العامة على الطلبة والأهالي.
المرجو من ورشات التحديث الاقتصادي أن تكون فرصة لأن يجتمع الفاعلون في مختلف القطاعات، وأن يبنوا استراتيجيات متكاملة بحيث يكون التعاون ضمن الأطر الواضحة هو الأساس للتخطيط، والتعليم والعمل من المجالات التي يجب أن تحظى بحلول مبتكرة ومتعددة وخيارات واسعة ومعقولة.