اسواق جو – مديونية الجامعات الأردنية لم تعد رقمًا في ذيل تقرير مالي، ولا أزمة عابرة يمكن تجاوزها بقرارات إسعافية أو حلول مؤقتة، بل أصبحت مرآة تعكس خللًا عميقًا في طريقة التفكير والإدارة وصناعة القرار. هي أزمة تكشف أن المشكلة ليست في شحّ الموارد فقط، بل في كيفية إدارتها، وفي غياب الرؤية، وفي ثقافة الاكتفاء بتدوير الأزمة بدل مواجهتها. فالجامعات التي يفترض أن تكون بيوت خبرة وعقول دولة، تحوّلت في كثير من الأحيان إلى مؤسسات مثقلة بالديون، عاجزة عن الحركة، محكومة بالخوف من التغيير، ومقيّدة بتشريعات وأعراف عطّلت قدرتها على التجدد، حتى باتت تدفع أثمان أخطاء تراكمت عبر سنوات طويلة دون مراجعة جادة.
لقد اعتادت هذه المؤسسات التعامل مع المديونية كحالة طارئة لا كمرض مزمن، فكان الحل غالبًا مزيدًا من التأجيل، أو الاعتماد على دعم استثنائي، أو تحميل الطلبة وأسرهم أعباء إضافية، دون الاقتراب من جوهر الخلل. ومع الوقت، تحوّل العجز المالي إلى عبء نفسي وإداري، شلّ القدرة على المبادرة، وأدخل الجامعات في دائرة مغلقة من الخوف والحذر، حيث يصبح الهدف هو البقاء لا التطور، وتسديد المستحقات لا بناء المستقبل، وتفادي الصدام لا اتخاذ القرار الصائب.
وفي ظل هذا الواقع، تراجعت مكانة الجامعة بوصفها محركًا للتنمية ورافعة للاقتصاد الوطني، لتصبح في بعض الحالات عبئًا على الخزينة، بدل أن تكون شريكًا في الإنتاج. وغاب التفكير الاستثماري طويل الأمد، وحلّ مكانه منطق الإدارة اليومية، التي تنشغل بتسيير الأمور أكثر من انشغالها بصناعة الفرص. فالأراضي غير المستثمرة، والطاقات الأكاديمية غير المستغلة، والسمعة العلمية غير المسوّقة، كلها موارد مهدورة كان يمكن أن تشكّل مصادر دخل مستدامة لو أُديرت بعقل مختلف ورؤية أكثر جرأة.
كما ساهمت البيروقراطية المتراكمة، وتشابك الصلاحيات، وضعف الحوكمة، في تعميق الأزمة. فقرارات جوهرية تتأخر، وأخرى تُفرغ من مضمونها، ومسؤوليات تتوزع على الجميع فلا يتحملها أحد. ومع غياب المحاسبة، تتحول المديونية إلى رقم يُرحّل من عام إلى عام، دون أن يُسأل أحد: من أخطأ؟ ولماذا؟ وكيف يُمنع تكرار الخطأ؟
الأخطر من ذلك أن هذا الواقع يتناقض مع الدور الذي تقوم به الجامعات في التعليم والتكوين. فهي تُدرّس الإدارة الحديثة ولا تطبقها، وتشرح النظريات المالية ولا تنجح في إدارة موازناتها، وتحدّث عن الحوكمة والشفافية فيما ممارساتها الداخلية تعاني من التردد والانغلاق. هذه الفجوة بين ما يُقال في القاعات وما يُمارس في المكاتب الإدارية أضعفت الثقة المجتمعية بالجامعة، وأثرت على صورتها بوصفها نموذجًا يُحتذى.
إن استمرار هذا المسار لا يهدد الجامعات ماليًا فحسب، بل يهدد رسالتها ودورها ومكانتها الوطنية. فجامعة مثقلة بالديون، خائفة من القرار، ومشلولة بالتشريعات، لا تستطيع أن تبتكر، ولا أن تنافس، ولا أن تقود التغيير. ولهذا فإن التوسع في فهم أزمة المديونية يجب أن يقود إلى قناعة راسخة بأن الحل لا يكمن في المال وحده، بل في إعادة بناء العقل الإداري، وتجديد الرؤية، وكسر ثقافة التردد، والانتقال من إدارة الأزمة إلى إدارة المستقبل، قبل أن تتحول الجامعات من مؤسسات تعليمية إلى عبء ثقيل على الدولة والمجتمع معًا.
لقد أثبتت السنوات الماضية أن الحلول التقليدية لم تعد مجدية. رفع الرسوم أرهق الطلبة وأسرهم، وتخفيض النفقات أصاب العملية الأكاديمية في جوهرها، والاقتراض لتسديد الاقتراض لم ينتج سوى أرقام أكبر وعجز أعمق. كل ذلك جرى دون أن تُمسّ البنية الحقيقية للأزمة، ودون أن يُطرح السؤال الجريء: هل تدار جامعاتنا بعقل الدولة أم بعقل الوظيفة؟ وهل تُبنى القرارات على مصلحة التعليم والوطن أم على توازنات آنية ومجاملات مستدامة؟
إن الخروج من هذا النفق يبدأ من الإقرار بأن الجامعة ليست مبنى ولا عدد طلبة ولا كادرًا متضخمًا، بل مشروع وطني منتج، يجب أن يُدار بعقل استثماري معرفي لا بعقل إنفاقي استهلاكي. تطوير البرامج الأكاديمية لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية. لم يعد مقبولًا الإصرار على برامج مكررة ومشبعة لا يقبل عليها أحد، ولا تخدم سوق العمل، ولا تجذب طالبًا أجنبيًا. المطلوب برامج نوعية حديثة، مرتبطة بالعالم لا بالجغرافيا، وقادرة على المنافسة الإقليمية والدولية، تُدرّس بلغات متعددة، وتُصمّم بعقل السوق لا بعقل اللائحة.
كما أن الحديث عن دمج المؤسسات لم يعد من المحرمات، بل من أدوات الإصلاح. فالإبقاء على جامعات ضعيفة ماليًا وأكاديميًا بدافع الخوف أو الحساسيات المحلية لا يخدم أحدًا. الدمج المدروس يعيد توزيع الموارد، ويخفض الكلف، ويخلق كيانات أقوى وأكثر قدرة على البقاء.
وفي المقابل، لا يجوز أن تبقى الجامعات حبيسة الدور التقليدي، فيما يمكنها أن تكون لاعبًا استثماريًا ذكيًا. دخول الجامعات الحكومية في شراكات لإنشاء جامعات خاصة، أو مؤسسات تعليمية تطبيقية، عبر صناديق استثمار تعليمية، ليس تفريطًا بالتعليم العام كما يُصوَّر، بل حماية له واستدامة لموارده. فالمعرفة حين تُدار بذكاء يمكن أن تكون مصدر دخل، لا عبئًا دائمًا على الدولة.
والأفق لا يجب أن يتوقف عند الحدود. التعليم الأردني يملك سمعة وخبرة ورأس مال بشري قادراً على التوسع خارج البلاد، سواء في الدول المجاورة أو في شرق آسيا وإفريقيا. فتح فروع، أو برامج مشتركة، أو مراكز تعليم عابر للحدود، يمكن أن يحوّل الجامعة من مؤسسة محلية مأزومة إلى لاعب إقليمي منتج، ويعيد الاعتبار لدور التعليم كرافعة اقتصادية وطنية.
لكن كل ذلك لن يتحقق دون قرار واضح. أزمة الجامعات ليست شأنًا إداريًا داخليًا، بل قضية دولة تمسّ مستقبلها وأمنها المعرفي والاجتماعي. هي بحاجة إلى تدخل من أعلى المستويات، وإلى لجنة إصلاح وطنية مستقلة، لا تُدار بالمجاملة ولا تخضع للضغوط، تمتلك الصلاحية والجرأة وتعمل وفق جدول زمني واضح ومحاسبة شفافة.
ولا يمكن لأي إصلاح أن ينجح دون إعادة النظر في التشريعات التي كبّلت الجامعات وأفرغت مفهوم العدالة والجودة من مضمونه. سياسات القبول، والاستثناءات التي تحوّلت إلى قاعدة، أضعفت المستوى الأكاديمي وعمّقت الفجوة بين الإمكانات والواقع. إعادة الاعتبار لمبدأ تكافؤ الفرص، وربط القبول بالطاقة الاستيعابية وسوق العمل، شرط أساسي لاستعادة التوازن.
ويبقى جوهر المشكلة في القيادة.. آن الأوان لتغيير فلسفة تعيين الرؤساء، وربط استمرارهم بالإنجاز الفعلي لا بالقدرة على تجنب الصدام.
مديونية الجامعات ليست قدرًا محتومًا، بل نتيجة خيارات مؤجلة وقرارات غائبة. والإنقاذ الحقيقي لا يكون بالمسكنات ولا بالشعارات، بل بجرأة الاعتراف، وشجاعة الإصلاح، وتحميل المسؤولية لمن يتولاها. فالجامعة التي تعجز عن إدارة نفسها، لا يمكنها أن تبني مستقبل الوطن..
مقالات
اسواق جو – لا يقتصر الارتفاع اللافت في الصادرات الوطنية إلى دول الاتحاد الأوروبي على كونه تحسنًا رقميًا في ميزان التجارة الخارجية، بل يحمل دلالات أعمق تمس جوهر الصناعة الأردنية وقدرتها على المنافسة محليًا وعالميًا. فالنمو الذي تجاوز 45 بالمئة خلال أشهر قليلة يعني أن المنتج الصناعي الأردني بدأ يثبت حضوره في أسواق تُعد من الأكثر صرامة من حيث المواصفات والجودة والاستدامة، وهو إنجاز لا يتحقق إلا حين تصل الصناعة إلى مستوى نضج يسمح لها بمجاراة سلاسل القيمة العالمية.
بالنسبة للصناعة المحلية، فإن هذا التوسع التصديري يعكس انتقالًا تدريجيًا من نموذج السوق المحدود إلى نموذج الإنتاج الموجه للأسواق الخارجية، وهو تحول استراتيجي يرفع كفاءة المصانع، ويدفعها إلى تحسين التكنولوجيا، وضبط الجودة، وتطوير الإدارة الصناعية. كما أن اختراق أسواق مثل إيطاليا وألمانيا داخل الاتحاد الأوروبي يمنح الصناعة الأردنية شهادة غير مباشرة على قدرتها التنافسية، ويفتح أمامها فرصًا للتوسع في أسواق أخرى ضمن المنظومة الأوروبية نفسها.
غير أن هذا المسار لا يخلو من تحديات. فارتفاع الطلب الخارجي يفرض ضغوطًا على كلفة الإنتاج، في ظل ارتفاع أسعار الطاقة والنقل والتمويل، كما يضع الصناعة أمام تحدي الامتثال المستمر للمعايير البيئية والفنية الأوروبية التي تتطور بوتيرة سريعة. وتبرز كذلك فجوة في الجاهزية التصديرية لدى شريحة واسعة من المنشآت الصغيرة والمتوسطة، التي تملك منتجًا قابلًا للتصدير لكنها تفتقر إلى أدوات النفاذ للأسواق، أو إلى القدرة على الإنتاج بالكميات والجودة المطلوبة.
تجاوز هذه التحديات يتطلب سياسة صناعية أكثر تركيزًا على التصدير، تبدأ بتخفيض كلف الإنتاج عبر حوافز ذكية للطاقة والتمويل، وتمر بتعزيز البنية التحتية اللوجستية وسلاسل التوريد، ولا تنتهي عند دعم الامتثال الفني والتسويقي للمصانع. كما أن توسيع برامج الربط بين الصناعة المحلية والشركات الأوروبية، والاستفادة من الاتفاقيات التجارية، كفيل بتحويل التصدير من نشاط محدود إلى رافعة نمو مستدامة.
الأثر الأهم لهذا المسار ينعكس على سوق العمل. فالصناعات التصديرية، بخاصة في قطاعات الألبسة والأدوية والكيماويات والأسمدة، تُعد من أكثر القطاعات كثافة في التشغيل. وكل توسع في التصدير يعني زيادة في الطاقة الإنتاجية، واستحداث فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، وتحريك قطاعات النقل والخدمات والدعم الصناعي. وعندما يرتبط التصدير بسياسات تدريب وتأهيل مهني، يتحول إلى أداة فعالة للحد من البطالة، لا سيما بين الشباب.
في المحصلة، فإن نمو الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي لا يمثل نجاحًا تجاريًا فحسب، بل مؤشرًا على مسار اقتصادي قادر على إعادة تموضع الصناعة الأردنية في الخريطة العالمية. والتحدي الحقيقي اليوم لا يكمن في الحفاظ على هذا النمو فقط، بل في تعميقه وتحويله إلى محرك دائم للتنافسية الصناعية والتشغيل المستدام، بما يجعل من التصدير مشروعًا وطنيًا يتجاوز الأرقام إلى بناء اقتصاد أكثر إنتاجية وقدرة على خلق الفرص.
الدستور
اسواق جو – تيمنا بأفراح البدايات الجديدة -الميلاد المجيد ورأس السنة المباركة-، واستبشارا بالمزيد منها وديمومتها، وددت -افتراضيا وعن بعد- لو فتحت أمامنا عبر تطبيق ذكي مثلا فرصة الاستثمار بالقطاع السياحي.
تراني وكأنني أحاكي في مخيلتي هذا الحلم الافتراضي، فأطلب إلى القائمين على هذا القطاع الحيوي الواعد، أطلب إليهم وليس منهم، أن تتضمن فرص الاستثمار الوطني خيارات حول أنواعها وحجم النسب المراد استثمار أي مبلغ فيها حتى وإن كان فلسا واحدا أو «سنتا» كالذي تم إلغاؤه في بلاد العم سام مؤخرا. فلسا لا على غرار «فلس الريف» المضاف على فاتورة الكهرباء، بل مشاركة «فلس» رمزي قد يتجاوز في قيمته السوقية «دينار التلفزيون»، مرفوعا إلى أسّ عالية، تتعاظم مع كل دورة استثمارية والتي كما الزراعة، قد يكون من المفيد أن تكون حولين كاملين، حتى يتجذّر البذار، ويمتدّ الغراس، فيكثر الحصاد وتتضاعف خيراته وبركاته أكثر وأكثر.
متعددة ووافرة هي خطط الادّخار والاستثمار في «بلاد الأحلام» أمريكا، لكن من أحلاها وأعلاها مصداقية هي تلك التي لا يكون فيه المستثمر مستشارا، بل صاحب قرار قطعي وحصري. يُسأل الموظف في القطاعين العام والخاص في حال اختيار تلك الخطط عن قراره الشخصي في توزيع استثماره، ماله ومال أحبابه -أسرته- من بعده. بعضها يذهب بعيدا لدرجة عرض فرص استثمارية حتى خارج أمريكا طبعا عبر شركات أمريكية أو أقله معتمدة في البوصات الأمريكية. وكما هو الحال في أي قرار، لا بد من حسن صنع القرار قبل توقع الموفَقَيّة في اتخاذه، وذلك لا يتأتّى إلا من خلال عملية تراكمية تفاعلية ومتواصلة لحسن قراءة المؤشرات، بعد فهم وتوظيف الحقائق كما هي بموضوعية، لا رغائبية!
معايير الربح والخسارة في ذلك الادخار والاستثمار لا تكون ضربة حظ، بل حسن تحليل واتخاذ القرار المناسب في التوقيت المناسب، والأهم بالكيفية الأنسب. قطعا، التوفيق والرزق بأمره سبحانه من قبل ومن بعد، لكننا مدعوون إلى حسن الائتمان على القليل حتى يرزقنا الله الكثير.
بصرف النظر، أين احتفظ الناس بنقودهم وبطاقاتهم المصرفية في جيب خلفية أم أمامية في الصدارة أو إلى جوار القلب، فإن التاريخ الشخصي والمهني الخاص والعام في الدنيا ما زال يثبت أن ابن آدم ينفق حيث يؤمن ويعشق وينتمي، لذلك فحتى الاستثمارات خارج مملكتنا الحبيبة، مسألة من الإنصاف انتقادها مالم تكن مكملة ورديفة للإنفاق والادّخار والاستثمار في الأردن أولا..
نسمع قصائد وأغاني كثيرة وديباجات أكثر في الإعلام التقليدي والجديد من مفوّهين، من أي قطاع كانوا -خاصا أم حكوميا (عاملين أم متقاعدين) نلمس فيه الوفير والنبيل من المشاعر والمواقف، نسمع شعرا ونثرا بجبال عجلون والشراه ولا نرى استثمارا وطنيا فيها على النحو المأمول خاصة من المقتدرين خارج المملكة، وكذلك الحال في البترا والعقبة، والأهم وهذا هو ما يناسبه اليوم الخامس والعشرين من ديسمبر، هو الاستثمار الخاص الفردي والجماعي من داخل الوطن المفدى وخارجه في هذا الكنز الذي لا يضاهى من السياحة الروحية، السياحة الإيمانية، الدينية بجناحيها المسلم والمسيحي، لا بل ولأي معتقدات لحضارة ضاربة الجذور في الأردن الغالي، وعلى رأسها الحضارة النبطية.
الرؤوس كما الصدور عامرة بالأفكار الخلاقة والمشاعر الدفّاقة، الكثير منها قائم على ما عاشه الأردنيون في دنيا السياحة والغربة والهجرة. على بعد زهاء ساعة من بيتي في ضواحي واشنطن مجسم كامل «رِبْلِكا» لكنيسة القيامة، للقدس العتيقة يسير فيها الزائر على خطى الحج المسيحي المقدس. كلما زرت دير رهبان الفرنسيسكان -كخريج كلية تراسنطة الأردنية في عمّان- كلما زرته في جنوب شرق العاصمة واشنطن بصحبة أصدقاء، زدت على مرافقنا «مضيفنا في الدير» بأن خارطة الحج المسيحي تشمل أردننا الحبيب، حيث أجد هناك استمارات للراغبين بالتسجيل في زيارة خاصة من عدة ولايات أمريكية إلى الأراضي المقدسة، بمواسم الأعياد، الميلاد المجيد وعيد القيامة (الفصح المجيد).
هذا القطاع واعد للإقامة لا الزيارة فقط، ثمة -وخاصة في سن التقاعد أو مطلع الشباب الباحث عن الرياضة الروحية والراحة النفسية- ثمة من يتطلع إلى صيام أربعيني يبدأ عبر نهر الأردن من أريحا ويقضي معظم أيامه في المغطس شرقي نهر معمودية السيد المسيح، وعجلون والسلط ومادبا وجبل نيبو، هبوطا إلى القدس في الفصح، أو بيت لحم أو الناصرة في الميلاد.
ما عنيت الاستثمار بفلس أو دينار، سنت أو دولار، بل بالروح التي تؤوب ولا تفنى، بالنفس المطمئنة التي لا تريحها إلا تلك السياحة، ولا تربح معها سوى تلك التجارة.
من الآخر، أردننا الهاشمي المفدى زاخر بالفرص الواعدة وأثمنها المستقبل على اتساع آفاقه، فهلموا يا مستثمرين وأقبلوا، ويا «مار حبا» بالجميع.. وكل عام والمحتفلين بميلاد «سيد المحبة» بألف خير، والناس أجمعين.
الدستور
اسواق جو – يشهد العالم تحوّلًا تكنولوجيًا غير مسبوق بفضل الانتشار السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، التي أصبحت جزءًا أساسيًا من مختلف العمليات الاقتصادية والإدارية والخدمية. فقد امتدت تطبيقاتها إلى العديد من المجالات، بدءًا من الصناعة والإنتاج، مرورًا بالخدمات المالية والتجارية، وصولًا إلى التعليم والرعاية الصحية والنقل. ورغم المكاسب الكبيرة المتوقعة من حيث رفع الكفاءة والإنتاجية وخفض التكاليف
التشغيلية وتحسين جودة الخدمات، إلا أن هذا التطور يثير في الوقت ذاته مخاوف متزايدة تتعلق بتأثيراته على سوق العمل نتيجة إحلال الآلات والأنظمة الذكية محلّ العنصر البشري في العديد من الوظائف التقليدية، حيث يمسّ هذا الموضوع أحد التحديات المتمثلة في تحقيق التوازن بين تبنّي التكنولوجيا المتطورة والمتقدمة وتعزيز النمو الاقتصادي من جهة، والحفاظ على استقرار سوق العمل والحدّ من الفجوات الاجتماعية من جهة أخرى.
فالذكاء الاصطناعي لا يمثّل مجرد ثورة تقنية، بل هو عامل محوري يعيد تشكيل البنية الاقتصادية والاجتماعية على حدّ سواء، أي إن هناك تأثيرًا مباشرًا للذكاء الاصطناعي على فرص العمل، حيث إن عددًا كبيرًا من القطاعات سيتعرّض للخطر، ويكون لها تداعيات سلبية. وبالمقابل، على الجهات المعنية، حكومة وقطاعًا خاصًا، استحداث مراكز وكليات ومعاهد لإعادة تأهيل وتدريب تقني ومهني عالي المستوى لمواجهة التعامل مع ذلك، ودعم الابتكار وريادة الأعمال، وتطوير التشريعات ذات الصلة بما يضمن تحقيق أقصى استفادة من الذكاء الاصطناعي مع تقليل آثاره السلبية على التوظيف.
بعد أن أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي سائدة في العديد من تطبيقات الأعمال لرفع مستوى الإنتاجية، أحدثت تغيّرات هيكلية، حيث ستتأثر شرائح العمال ذوي المهارات المتدنية، إذ إن الذكاء الاصطناعي يساعد في تحسين دقة العمل وتقليل الأخطاء البشرية، مثل إدخال البيانات أو تحديث الأنظمة تلقائيًا، إضافة إلى دمج السجلات الرقمية والمكتوبة بخط اليد، كما في أنظمة السجلات الصحية الإلكترونية، وكذلك تحليل البيانات وتحديث الأنظمة والتنبؤ في سلوك السوق والعملاء، وتعزيز التخطيط الاستراتيجي وتقييم المخاطر.
يسهم الذكاء الاصطناعي في رفع الكفاءة التشغيلية داخل الشركات والمؤسسات، حيث يُنجز العمليات المعقّدة التي تحتاج إلى وقت طويل وجهد بشري مضاعف، وإجراء تحليلات كانت تحتاج إلى وقت طويل، وكل ذلك يعزّز جودة النتائج. كذلك يساهم الذكاء الاصطناعي في تطوير قدرات الكشف المبكر عن حالات الاحتيال والمخالفات والانتهاكات المختلفة، الأمر الذي يقلّل من الخسائر المحتملة ويحافظ على استقرار الأنشطة المؤسسية.
فهناك أخطاء بشرية عند تنفيذها يدويًا، ويساعد المسؤولين على اتخاذ قرارات جماعية أكثر دقة وموضوعية، ويعزّز مناخ الابتكار لرفع مستوى الإنتاجية داخل بيئة العمل، فهناك من هم متشائمون من التطورات التكنولوجية، حيث يرون أن هذه قد تؤدي إلى حالة من الفوضى مدفوعة بالبطالة الجماعية وانعدام فرص العمل التقليدية، بينما يرى آخرون أن الاستفادة من هذه التقنية ستحسّن الخدمات الحكومية وتنمية القطاع الرقمي، وستكون أداة للتنمية، ولا بدّ من بناء المبادرات العالية.
وهنا لا بدّ من الاعتراف أنه لا يزال توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لدينا محدودًا، ولم يصل إلى المستوى الواسع لتغيير أنماط التشغيل القائمة، كما يعتمد سوق العمل لدينا بدرجة كبيرة على قطاعات تقليدية مثل الزراعة والبناء والخدمات منخفضة المهارة، إضافة إلى ضعف البنية التكنولوجية في كثير من القطاعات والمحافظات، وتواضع الاستثمارات الموجّهة نحو الذكاء الاصطناعي، مما جعل أثره لغاية الآن محدودًا ومؤجّلًا، لذلك فهو لغاية الآن لا يشكّل دورًا بديلًا للعمالة، لكون التحديات المستقبلية ستكون أكبر وأخطر على فرص العمل التقليدية.
ما هي الأداة الأفضل للخروج من حالة تراجع اقتصادي؟ السياسة النقدية أم السياسة المالية؟ وما أهمية إيجاد مشاريع كبرى بدلاً من الإنفاق على مشاريع صغرى لتحفيز الاقتصاد؟ في حال التراجع الاقتصادي لا توجد أداة واحدة “أفضل” على الإطلاق؛ بل يعتمد الاختيار على طبيعة الركود، وحيّز السياسات المتاح، وسرعة الأثر.
تقوم السياسة النقدية على خفض أسعار الفائدة، التيسير الكمي، ضخ السيولة تكون فعّالة إذا كان الركود دوريًا ناتجًا عن ضعف الطلب الكلي أو عندما تكون أسعار الفائدة أعلى من الصفر ولدى البنك المركزي حيّز للمناورة. وتتميز بأنها سريعة التنفيذ ولا تتطلب قرارات تشريعية معقدة. ومن ناحية أخرى تعاني هذه من ضعف انتقال الأثر إلى الاقتصاد الحقيقي، خاصة عند ارتفاع المديونية أو ضعف الثقة، وتفقد فعاليتها قرب الحد الصفري للفائدة، وقد تغذّي فقاعات للأصول بدلا من تحفيز الاستثمار المنتج.
بالمقابل تتكون السياسة المالية من زيادة الإنفاق العام أو خفض الضرائب، وتستخدم في حالات الركود العميق أو “فخ السيولة” (عندما يفضّل الأفراد والشركات الاحتفاظ بالنقد بدل استثماره أو إنفاقه، لأنهم يتوقعون ضعف النمو أو مخاطر عالية، فلا يؤدي خفض الفائدة إلى زيادة الطلب أو الاستثمار)، أو عندما يعاني القطاع الخاص من عزوف عن الاستثمار. لهذه السياسة تأثير مباشر على الطلب والتوظيف، كما أن المضاعف المالي أعلى (المضاعف المالي هو قيمة توضح كم يزداد عدد الوحدات في الناتج المحلي الإجمالي نتيجة زيادة وحدة واحدة من الإنفاق الحكومي أو خفض الضرائب)، خاصة في مشاريع البنية التحتية. ومن ناحية أخرى هناك قيود على السياسة المالية مثل العجز وحجم الدين العام، كما يمكن لأثر السياسة المالية أن يضعف إذا ما حصل تباطؤ في التنفيذ للمشاريع (كما حدث في مشروع الباص السريع). ولكن، القاعدة المتعارف عليها أن السياسة المالية هي الأفضل والأكثر كفاءة في التعامل مع الركود الحاد تساندها السياسة النقدية. أي ألا تقوم الحكومة بعمل مشاريع بينما يقوم البنك المركزي برفع سعر الفائدة.
أيضا، يجب الاخذ بعين الاعتبار أن المشاريع الكبرى أفضل من الصغرى حيث ان الأثر المضاعف للمشاريع الكبرى (طاقة، نقل، مياه، ورقمنة)، يشمل سلاسل توريد واسعة، وظائف مباشرة وغير مباشرة، واستثمارات لاحقة (مكملة ومساعدة) من القطاع الخاص قد تفوق أضعاف الاستثمار الرئيسي، كما ترفع المشاريع الكبرى
الطاقة الإنتاجية للاقتصاد، تخفض كلف الأعمال، تحسّن تنافسية الصادرات، وتزيد من الثقة خصوصا إذا كان المشروع مشروعا وطنيا كبيرا وواضح الرؤية مثل مشاريع مدينة عمرة وناقل البحرين واستخراج الغاز حيث يعطي إشارة ثقة قوية وإعادة تنشيط توقعات المستثمرين. بينما، في الغالب تكون المشاريع الصغيرة المتفرقة استهلاكية الطابع، لا تترك أصولًا اقتصادية دائمة، وذات أثر قصير الأجل لا يغيّر البنية الإنتاجية للبلد، كما ينتج عن التشتت في الإنفاق على مشاريع صغيرة متفرقة إضعاف للرسالة الاقتصادية، واستمرارٌ للمزاج الاستثماري المتنحي.
الأولوية في الأردن يجب أن تكون، وحسب ما أعلنته الحكومة، لـمشاريع كبيرة في الطاقة (تخفيض كلف الكهرباء على الصناعة)، والمياه (الأمن المائي وتقليل الفاقد)، والنقل واللوجستيات، والتحول الرقمي والبنية التحتية الذكية، لما لهذه المشاريع من أثر إيجابي في رفع معدلات النمو الاقتصادي، وتخفيض كلف الإنتاج، وتحسين تنافسية الصادرات. أي يجب اعتماد أسلوب إنفاق ذكي يؤدي الى نمو نوعي وأعلى دون توسّع كبير في العجز من خلال مزاولات منتظمة مثل مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
“الرأي”
صدرت بداية هذا الاسبوع الإرادة الملكية السامية بالموافقة على قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2026.
وبذلك يدخل هذا القانون حيز التنفيذ ليتيح بدء مرحلة تنفيذ الموازنة اعتباراً من بداية السنة المالية.
وهذا يضع الحكومة أمام استحقاقات تشمل جوانب عدة من أهمها ما تم التعهد به من انفاق كافة مخصصات النفقات والمشاريع الرأسمالية والتي قدرت بمبلغ 1.6 مليار دينار، حيث يعول عليها تنشيط مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية ورفع نسبة النمو الاقتصادي وتحسين مستوى الطلب الداخلي وتوليد مزيد من فرص العمل وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين.
يضاف لذلك تمويل البدء بالمشاريع الاستراتيجية الكبرى والتي تصل قيمتها الاستثمارية لأكثر من عشر مليارات دولار، باعتبار أن هذه المشاريع تشكل أولوية وطنية، وتسعى الحكومة لإنجاز المراحل النهائية من توقيع الاتفاقيات والإغلاق المالي لبعضها لتبدأ بطرح عطاءات الجزء الأكبر منها قبل نهاية العام المقبل؛ ليتم إنجازها واستكمالها خلال الأعوام 2028 – 2030.
واذا أخذنا كل ذلك في الاعتبار فنحن أمام امتحان حقيقي نستطيع من خلاله تأكيد السير قدماً في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي وتحقيق نقلة نوعية من التخطيط الى التنفيذ مما يكفل احداث أثر ايجابي مباشر ليس على مختلف قطاعات الاقتصاد الكلي فحسب بل أيضاً على مستوى ونوعية حياة المواطنين.
ولغايات النجاح في تحقيق هذه الغاية لا بد من التأكد من جاهزية المؤسسات الرسمية وقدرتها على تنفيذ المشاريع الرأسمالية ضمن جداول زمنية تتناسب مع المصادر التمويلية المتاحة مع التأكيد على عدم تأخير أو تأجيل المستحقات المالية للمقاولين وشركات القطاع الخاص.
أضافة لذلك لا بد من الالتفات الى أن المشاريع المنوي تنفيذها وخاصة الاستراتيجية منها تتطلب تفعيل الشراكة مع القطاع الخاص والارتقاء بمستوى التنسيق لضمان التنفيذ الكفؤ ضمن المهل الزمنية المحددة.
ومن الواضح أن الحكومة في اطار سعيها لتحفيز النمو الاقتصادي وتشجيع الاستثمار وتعزيز الاستقرار المالي واعية أيضاً للتحديات التي تواجه المالية العامة التي تتطلب خطوات واجراءات حازمة محددة ومؤطرة زمنياً لتعزيز الكفاءة المالية والادارة الرشيدة للانفاق.
مع مراعاة العمل على توفير مختلف الظروف والامكانيات الكفيلة بتحسين بيئة الاعمال وفق نهج مستدام يتميز بالوضوح والشفافية والمصارحة ويستثمر الافكار البناءة التي تخدم الوطن والمواطن ويساهم في توفير ظروف ملائمة وسياسات مرنة واجراءات فعالة تمكن من التأقلم مع المستجدات والتطورات المستقبلية، ولتكن موازنة 2026 بداية نهج لتحقيق مزيد من الطموحات والانجازات.
“الرأي”
لم يكن عام 2025 عامًا عاديًا في مسار الاقتصاد العالمي، بل شكّل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدول على الصمود في وجه صدمات مركبة شملت النزاعات الجيوسياسية، وتباطؤ النمو، وأزمات الديون، والاضطرابات المناخية. ورغم سوداوية المشهد في بدايات العام، أظهرت الاقتصادات – ولا سيما النامية منها – قدرة لافتة على التكيف تجاوزت توقعات معظم المحللين.
شهد الاقتصاد العالمي تقلبات حادة، إذ سرعان ما تحوّل التفاؤل الأولي إلى تشاؤم مع تصاعد التوترات التجارية، واستمرار عدم اليقين بشأن السياسات الاقتصادية، وتفاقم أزمة الديون في الدول النامية. وللعام الثالث على التوالي، تجاوزت مدفوعات خدمة الديون الخارجية ما حصلت عليه هذه الدول من تمويل جديد، في ظاهرة غير مسبوقة منذ نصف قرن. ومع ذلك، لم ينهَر النمو العالمي كما كان متوقعًا.
بل على العكس، سجّل الاقتصاد العالمي أداءً أفضل من التقديرات، مع توقعات بنمو يقارب 2.7% في عام 2025، وهو مستوى يتماشى مع التوقعات الأولية رغم الضغوط القائمة. وأسهم في ذلك تراجع أسعار الفائدة نسبيًا، وإعادة فتح أسواق السندات، واستقرار أسواق الطاقة، إضافة إلى قدرة الاقتصادات على إعادة تشكيل سلاسل الإمداد والاستفادة السريعة من التحول الرقمي، خصوصًا تطبيقات الذكاء الاصطناعي. لكن الدرس الأهم الذي حمله عام 2025 لم يكن في أرقام النمو وحدها، بل في إدراك متزايد بأن خلق الوظائف هو حجر الزاوية لأي مسار تنموي مستدام. ففي هذا السياق، برز توجه عالمي واضح لجعل الوظائف محورًا رئيسيًا لكل تدخل إنمائي، بحيث أصبح عام 2025 فعليًا “عام الوظائف”.
فالوظائف لا تقتصر على كونها مصدر دخل، بل تمثل طريقًا للخروج من الفقر، وأداة لتعزيز الاستقرار الاجتماعي، ومحركًا للاكتفاء الذاتي وتقليص الاعتماد على المساعدات. ويكتسب هذا التوجه أهمية خاصة في ظل التحول الديموغرافي الأكبر في تاريخ البشرية، حيث من المتوقع أن يدخل نحو 1.2 مليار شاب في البلدان النامية إلى سوق العمل خلال العقد المقبل. ويعني الفشل في استيعاب هذه الطاقات خطرًا حقيقيًا يتمثل في اتساع رقعة الاضطرابات والهجرة وعدم الاستقرار. وانطلاقًا من ذلك، ركّزت الجهود التنموية على خمسة قطاعات رئيسية ذات قدرة عالية على خلق الوظائف وتحفيز النمو المحلي: الطاقة والبنية التحتية، والصناعات الزراعية، والرعاية الصحية، والسياحة، والتصنيع.
في قطاع الطاقة، لا تزال فجوة الكهرباء في أفريقيا جنوب الصحراء من أبرز معوقات التنمية، حيث يعاني مئات الملايين من غياب الإمدادات الموثوقة. وقد جاءت مبادرة “المهمة 300” كاستجابة طموحة تهدف إلى إيصال الكهرباء إلى 300 مليون شخص بحلول عام 2030، بما ينعكس مباشرة على الإنتاجية وخلق فرص العمل.
أما الزراعة، التي توفّر نحو 40% من الوظائف في البلدان النامية، فلا تزال تعاني من ضعف التمويل والتكنولوجيا، لا سيما لدى صغار المزارعين. ومن هنا، برزت مبادرة تحويل القطاع الزراعي التي تستهدف نقل هؤلاء المزارعين من زراعة الكفاف إلى الإنتاج التجاري، عبر توسيع التمويل، وربطهم بالأسواق، واستخدام أدوات رقمية حديثة، بما يعزز الأمن الغذائي العالمي ويخلق ملايين الوظائف.
وفي قطاع الرعاية الصحية، يتجاوز الأثر الاقتصادي حدود تحسين الصحة العامة، إذ يساهم الاستثمار في الرعاية الأولية في رفع الإنتاجية وخلق فرص عمل عبر سلاسل قيمة تمتد من الخدمات الطبية إلى الصناعات الدوائية والتكنولوجيا. ويعكس الهدف الطموح بتوفير رعاية صحية ميسورة لنحو 1.5 مليار شخص بحلول 2030 هذا الفهم الشامل لدور الصحة في التنمية.
كما يبرز قطاع السياحة كأحد أكثر القطاعات كثافة في خلق الوظائف، لا سيما للنساء والشباب، مع مساهمته الكبيرة في الناتج المحلي العالمي. وتؤكد التجارب أن الاستثمار في السياحة المستدامة يمكن أن يدعم النمو المحلي ويحافظ في الوقت نفسه على الأصول الثقافية والطبيعية.
أما التصنيع، فيبقى محركًا أساسيًا للتحديث الاقتصادي، إذ يخلق وظائف رسمية، ويعزز الصادرات، ويقلل الاعتماد على الواردات، ويدعم سلاسل الإمداد المحلية، خاصة في الاقتصادات الصاعدة. وفي السنوات الست الماضية، ضاعفت مؤسسة التمويل الدولية تمويلها طويل الأجل لقطاع التصنيع والصناعات التحويلية، ليصل إلى 4.1 مليارات دولار أمريكي في السنة المالية الأخيرة. وتركز مشاريعنا على قطاعات رئيسية تشمل الكيماويات والأسمدة ومواد البناء والإلكترونيات والآلات. وحتى يونيو/حزيران 2025، دعمت مشاريعنا الصناعية نحو 520 ألف وظيفة، منها 180 ألف وظيفة للنساء. وأسهمت هذه المشاريع في تحقيق مشتريات محلية بلغت قيمتها 18.3 مليار دولار أمريكي، وإجراء مدفوعات للحكومات بقيمة 3.3 مليارات دولار.
أظهر عام 2025 أن الصمود الاقتصادي ليس صدفة، بل يجب أن يكون نتاج إصلاحات واستثمارات وشراكات طويلة الأمد. ومع التطلع إلى عام 2026، يتزايد الرهان على “التنمية الذكية” التي تضع الوظائف في قلب السياسات الاقتصادية، باعتبارها الضامن الحقيقي لمستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا. فالاستثمار في الإنسان والعمل اليوم هو الاستثمار الأجدى في أمن العالم ونموه غدًا.
الراي
اسواق جو – لم يعد الحديث عن التحول الرقمي في الأردن مجرّد طرحٍ نظري أو شعارٍ عابر، بل غدا مسارًا مؤسسيًا واضح المعالم، تُقاس نتائجه بمؤشرات دولية محايدة، كان آخرها تقرير البنك الدولي لعام 2025، الذي صنّف الأردن ضمن الفئة (A) الأعلى نضجًا في الحكومة الرقمية، محتلاً المرتبة الحادية والعشرين عالميًا والرابعة عربيًا. وهذا التقدّم لا يُقرأ بوصفه رقمًا منفصلًا، ولا يُختزل في ترتيبٍ عابر، بل يعكس مسارًا تراكميًا من العمل الهادئ والمنهجي، بدأ يترجم نفسه إلى نتائج ملموسة.
وتكمن أهمية هذا الإنجاز في التحوّل الذي طال فلسفة العمل الحكومي ذاتها، إذ انتقلت الرقمنة من كونها أداة لتحويل الإجراءات الورقية إلى إلكترونية، إلى مقاربة أعمق تعيد تصميم الخدمة العامة من منظور المواطن. فالفرق جوهري بين خدمة إلكترونية معقّدة، وخدمة رقمية ذكية تُنجز المعاملة بسلاسة، وتختصر الوقت والجهد، وتحدّ من الكلف والاحتكاك الإداري. وهذا التحول النوعي هو ما التقطه المؤشر الدولي عند تقييمه لمستوى تكامل الخدمات وجودتها، ومدى إشراك المواطنين فيها.
وتتميّز التجربة الأردنية بقدرٍ لافت من التوازن بين الطموح والواقعية. فالتحديات لا تزال قائمة، سواء على صعيد توحيد الجهود بين المؤسسات، أو بناء القدرات البشرية، أو تضييق الفجوة بين التخطيط والتنفيذ. غير أن الفارق الجوهري يتمثل في أن هذه التحديات لم تعد تُدار بصمت، بل باتت مطروحة في النقاش العام، ومُدرجة ضمن أولويات التطوير، وهو ما يُعد بحد ذاته مؤشرًا على نضج مؤسسي وإداري متقدّم.
وفي هذا السياق، يبرز الدور الريادي الذي يقوم به سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، من خلال رئاسته لمجلس تكنولوجيا المستقبل، بما يحمله ذلك من دلالات استراتيجية. فقد أسهم وضع هذا الملف في صدارة الاهتمام الوطني في تسريع وتيرة الإنجاز، وربط التحول الرقمي بأولويات الشباب والتعليم والاقتصاد وفرص العمل، باعتباره أداة لبناء المستقبل لا مجرد مشروع تقني. هذا الزخم القيادي منح مسار الرقمنة بُعدًا مستدامًا، ورسّخ القناعة بأنه خيار دولة طويل الأمد.
وما يبعث على الطمأنينة أن التحول الرقمي لم يعد شأنًا إداريًا داخليًا، بل أصبح جزءًا من التجربة اليومية للمواطن. فكل خدمة تُبسّط، وكل إجراء يُختصر، وكل معاملة تُنجز بيسر، تمثل مكسبًا حقيقيًا يشعر به الناس مباشرة، بعيدًا عن لغة التقارير والمؤشرات. صحيح أن الطريق لا يزال طويلًا، غير أن الاتجاه بات واضحًا، والخطوات أصبحت أكثر ثباتًا واتساقًا.
أما المرحلة المقبلة، فتتطلب الانتقال من التركيز على الكم إلى تعميق الأثر، بحيث تصبح الرقمنة أداة لتعزيز الشفافية، ورفع كفاءة الإنفاق العام، وتحقيق العدالة في الوصول إلى الخدمات. كما تستلزم بناء ثقة رقمية مستدامة، يشعر معها المواطن بأن بياناته مصونة، وأن الخدمة الرقمية ليست أسرع فحسب، بل أوضح وأكثر إنصافًا.
موجز القول إن ما تحقق يُعد إنجازًا وطنيًا جديرًا بالتقدير، غير أنه في الوقت ذاته يشكّل مسؤولية متجددة. فالمؤشرات الدولية لا تُحافَظ على مكانتها بذاتها، بل تُصان بالاستمرار في الإصلاح، وتعميق الربط بين التكنولوجيا والإنسان. والأردن اليوم يمضي في مسار واثق، تقوده رؤية ملكية حكيمة وواعية، ويُنفَّذ وفق خطوات مدروسة، بما يعزّز الثقة بأن مشروع الحكومة الرقمية يسير في الاتجاه الصحيح، نحو مزيد من الكفاءة والعمل المتواصل، ليبقى المواطن في قلب منظومة التغيير، لا بوصفه هدفًا مرحليًا، بل ركيزة أساسية ضمن إطار الاستدامة المؤسسية.
الدستور
اسواق جو – تدخل أسواق النفط العالمية العام 2026 وهي مثقلة بفائض إنتاجي متواصل، حيث تشير تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية إلى أن المعروض من النفط والسوائل البترولية الأخرى سيتجاوز الطلب بقدار 2.26 مليون برميل يومياً، وهذا الفائض يأتي امتداداً لما شهده العام 2025 حين بلغ الفارق بين الإنتاج والاستهلاك 2.24 مليون برميل يومياً، ما يعكس اتجاهاً هيكلياً نحو تخمة في السوق العالمية.
الإنتاج العالمي سيصل في المتوسط إلى 107.43 مليون برميل يومياً، مقابل طلب يبلغ 105.17 مليون برميل يومياً، وهو ما يضع الأسعار تحت ضغط مستمر، ورغم أن الاستهلاك العالمي سيحقق نمواً بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً، مدفوعاً أساساً بالدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن وتيرة هذا النمو تبقى أبطأ من التوسع في المعروض، فمثلا الصين وحدها ستضيف 300 ألف برميل يومياً إلى استهلاكها، فيما ستسجل الهند زيادة قدرها 170 ألف برميل يومياً، إلى جانب زيادات متفرقة في الشرق الأوسط وأفريقيا، إلا أن هذه الزيادات لا تكفي لمعادلة الطفرة الإنتاجية.
على الجانب الآخر، يقود النمو في المعروض كل من الولايات المتحدة والبرازيل وغيانا وكندا، حيث تساهم هذه الدول مجتمعة بنحو 60 % من الزيادة العالمية في الإنتاج، وهذا الامر يبرز الدور المتنامي لأميركا الجنوبية مع دخول مشاريع بحرية جديدة في البرازيل وغيانا الخدمة قبل hلموعد المقرر، ما يعزز قدرة هذه المنطقة على ضخ المزيد من البراميل إلى السوق العالمية.
المقدمة السابقة، تظهر بأن التوازن المختل بين العرض والطلب سينعكس مباشرة على الأسعار، إذ تراجع متوسط سعر خام برنت في تشرين ثاني 2025 إلى 64 دولارًا للبرميل، أي أقل بنحو 11 دولاراً عن العام السابق. ومع استمرار الفائض في 2026، من المرجح أن تبقى الأسعار في نطاق يتراوح بين 60 و70 دولارًا للبرميل، ما لم تتدخل عوامل جيوسياسية أو قرارات إنتاجية من أوبك+ لتغيير المسار.
في المحصلة، تبدو الأسواق مقبلة على عام تتسم فيه المعادلة النفطية بوفرة المعروض وتباطؤ نمو الطلب، وهو ما يمنح المستهلكين فرصة الاستفادة من أسعار أقل، غير أن استمرار هذا الوضع قد يعيد تشكيل ديناميكيات السوق العالمية، ويضع ضغوطاً إضافية على السياسات الاقتصادية للدول المصدرة، في وقت يتزايد فيه الطلب من آسيا والشرق الأوسط بوتيرة لا تزال غير كافية لمعادلة فائض الإنتاج.
الدستور
اسواق جو – وفقا لما التزمت به سابقا تمكنت الحكومة من إنجاز قانون الموازنة العامة للدولة مبكرا وقبل حلول العام المقبل، بعد إقراره من قبل مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب، وتوشيحه بالإرادة الملكية السامية، ومن ثم وضع البرنامج المالي قيد التنفيذ مع اليوم الأول من عام 2026، وتجاوز حالات التأخير التي كانت قد تحدث في السنوات السابقة وتغطية بعض مجالات الإنفاق الأساسية «الجارية» بموجب أوامر صرف يصدرها وزير المالية حسب المقتضيات القانونية اللازمة ما كان يتسبب في إرباك الأداء العام وعدم القدرة على مباشرة تنفيذ الأولويات التنموية والاستراتيجية التي ترتبط بتطوير الوضع الاقتصادي وتحسين البنى التحتية والارتقاء بالخدمات العامة ونحوها.
إنجاز الموازنة مبكرا بعد مناقشات مطولة من قبل مجلس النواب يعطي أهمية كبيرة للبدء بتنفيذ الخطط والبرامج الحكومية التي تستهدف زيادة النمو والحد من الفقر والبطالة وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي وصرف المستحقات الواجبة خاصة للقطاع الخاص كالمقاولين والموردين؛ الأمر الذي يساهم بتوفير سيولة كافية في السوق المحلي وتنشيط بيئة الأعمال.
تستطيع الحكومة المباشرة بتنفيذ المشاريع الرأسمالية المدرجة في الموازنة مباشرة ووفق أجندة الأولويات والخطط، حيث خصص لهذا البند 1600 مليون دينار مقابل 1370 مليون دينار للعام 2025 موزعة على عدة مجالات من بينها مشاريع رؤية التحديث الاقتصادي بحجم 396 مليون دينار، مشروع الناقل الوطني للمياه 60 مليون دينار، التنقيب عن غاز الريشة بقيمة 35 مليون دينار وزيادة دعم تنمية وتطوير البلديات إلى 210 ملايين دينار بدلاً من 180 مليوناً، إضافة الى البدء بتسديد أقساط وفوائد الدين دون تأخير.
كما يتيح إقرار الموازنة قبل بدء العام الجديد مساحة زمنية كافية ومريحة للحكومة لإنجاز المشاريع ضمن المستهدفات المحددة وجدولتها على 12 شهرا بحيث لا تكون في حيز زمني ضيق تتداخل فيها المشروعات وعدم المواءمة بين الإيرادات المحلية المقدرة والمنح الخارجية المتوقع الحصول عليها من جهة وبين متطلبات الإنفاق الجاري والرأسمالي المحدد.
النفقات الرأسمالية هي الأكثر تأثيرا في الأداء الاقتصادي وتنعكس مباشرة على الواقع الاستثماري وتوفير فرص العمل وتحريك العديد من القطاعات بعكس النفقات الجارية التي تستأثر على غالبية مجالات الانفاق والموازنة بشكل عام.
الدستور
