مقالات
يعكس نمو الناتج المحلي الاجمالي للمملكة خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 2.7% مقابل 2.2% لذات الفترة من العام الماضي رغم التحديات الاقليمية والعالمية وتداعياتها على اقتصاديات المنطقة ككل قدرة الاقتصاد الوطني على التعامل مع المستجدات والظروف الطارئة وامتصاص آثارها قدر المستطاع استنادا الى ما اشتملت عليه رؤية التحديث الاقتصادي ومستهدفاتها بخاصة رفع نسب النمو بشكل تدريجي.
قطاعات أساسية رافدة للنمو الاقتصادي مثل السياحة والاستثمار والعقار والخدمات وغيرها تأثرت كثيرا بالظروف الاقليمية وعلى وجه الخصوص عدوان الاحتلال الاسرائيلي على قطاع غزة وتداعياته وما نتج عنه من اضطرابات في البحر الأحمر وباب المندب وارتفاع أجور الشحن البحري عدة أضعاف وبنسبة تجاوزت 300% وأدت الاجراءات الحكومية الى احتواء الضغوط التضخمية الناتجة عنها والحد من آثارها على الأسعار محليا.
كما أدت تلك الظروف وتوسع العدوان ليشمل سوريا ولبنان ولاحقا ايران الى تباطؤ حركة الاستثمار في المنطقة، والأردن لم يكن بمنأى عن تلك التداعيات رغم اهتمام كثير من الشركات والمستثمرين بالفرص الاستثمارية المتوفرة في المملكة والمزايا والحوافز التي وفرها قانون البيئة الاستثمارية وكون المملكة أيضا بوابة لدخول أسواق المنطقة وعمليات اعادة الاعمار في سوريا.
في المقابل ساهمت قطاعات اقتصادية أساسية أخرى مثل الزراعة والصناعات التحويلية والخدمات في تحقيق نسبة النمو الربعية وان كانت متواضعة لكنها ايجابية بالنظر الى حجم التحديات المحيطة والضغوطات على الموازنة العامة والحاجة لتنفيذ الأولويات التنموية والحد من الفقر والبطالة.
الاجراءات الحكومية الجديدة التي تستهدف مساعدة عدد من القطاعات الاقتصادية وكذلك اعادة النظر في الرسوم الجمركية والضرائب على السيارات وما سيتخد لاحقا من قرارات سيدعم تحقيق نسب نمو أعلى خلال النصف الثاني من العام الحالي مدفوعا بتوقف مرجح للعدوان على غزة واستعادة النشاط السياحي لعافيته وارتفاع الصادرات الوطنية من خلال امكانية التصدير ترانزيت من خلال الأراضي السورية الى تركيا وأوروبا الشرقية وغيرها وتعزيز القدرات التصديرية للشركات الأردنية وتقديم الحوافز اللازمة لها ماليا وفنيا.
“الدستور”
التاريخ يظهر أن التحوّلات التقنية الكبرى غالباً ما تترافق مع تعقيدات تؤخّر جني ثمارها
التجارب أثبتت أن الحماسة المفرطة تجاه الحاسوب في الستينيات كانت متعجلة
ينبغي أن يحذر المتحمسون للذكاء الاصطناعي لأن التوقعات بأن هذه التقنية سترتقي فجأة بالإنتاجية تُذكّرنا بوعود مشابهة تلت إدخال الحواسيب إلى بيئة العمل. حينذاك، قيل إن هذه الآلات الجديدة العجيبة ستؤتمت وظائف مكتبية شاسعة، وتقود العالم نحو اقتصاد رقمي رشيق.
تعود تلك النغمة بعد مضي ستة عقود. مع إطلاق “تشات جي بي تي” في 2022، قال باحثون في معهد ماساتشوستس للتقنية إن الموظفين الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي سيصبحون أكثر إنتاجية بنسبة 40% مقارنة بمن سواهم.
لكن هذه المزاعم قد لا تصمد طويلاً، تماماً كما لم تصمد التوقعات الحالمة في ستينيات القرن الماضي. فقد أظهرت دراسة معمّقة نشرها “المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية” في مايو أن إسهام الذكاء الاصطناعي في توفير الوقت لم يتعد 3%. وكشفت دراسات أخرى أن الاعتماد عليه في المهام الذهنية المتقدّمة قد يؤدي إلى تراجع تحفيز الموظفين ويعيق عملهم.
الحواسيب لم تحسّن الإنتاجية في البداية
نشهد اليوم فصلاً جديداً من “مفارقة الإنتاجية”، وهو المصطلح الذي صيغ لوصف الركود غير المتوقع في الإنتاجية، بل حتى تراجعها أحياناً، خلال العقود الأربعة الأولى من عصر المعلومات. الجانب المشرق أن التجربة السابقة قد تساعدنا اليوم كي نحسن إدارة توقعاتنا.
منذ ستينيات القرن الماضي، أسهمت ابتكارات مثل الترانزستور والدوائر المتكاملة ورقائق الذاكرة والمعالجات الدقيقة في إحداث قفزات نوعية في تقنية المعلومات، إذ تضاعفت قدرة الحواسيب بشكل منتظم كل عامين تقريباً بلا زيادة تُذكر في التكاليف.
في 1964، وصفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الحواسيب بأنهم “سحرة إلكترونيون” تولّت تنفيذ “عدد كبير من المهام” داخل المكاتب “بسرعة تفوق ما يمكن أن ينجزه جيش من الموظفين الإداريين وبتكلفة أقل”. لاحقاً في العام نفسه، أفادت الصحيفة بأن انتشار الحواسيب أدى إلى “تباطؤ حاد في توظيف الموظفين الإداريين”.
سادت سريعاً قناعة راسخة بأن الحواسيب ستمهّد الطريق لأتمتة واسعة النطاق وبطالة بنيوية. إذ بات في وسع موظف واحد، مزوّد بجهاز كمبيوتر، إنجاز مهام كانت تتطلب مئات العاملين. على مدى العقود الثلاثة التالية، تبنّى قطاع الخدمات الحوسبة باندفاع كامل.
لكن لم تتحقق المكاسب الموعودة. بل أظهرت دراسات في أواخر الثمانينيات أن قطاع الخدمات الذي وصفه الاقتصادي ستيفن روتش بأنه “الأكثر امتلاكاً لرأس مال تقني متقدّم”، كان في الواقع من أضعف القطاعات أداءً على صعيد الإنتاجية خلال تلك المرحلة.
وفي تعليق ساخر شهير، قال الاقتصادي روبرت سولو: “نرى الحواسيب في كل مكان… باستثناء إحصاءات الإنتاجية”.
الكهرباء أيضاً أدت إلى نتيجة مشابهة
طرح الاقتصاديون تفسيرات عدة لهذا اللغز الذي عٌرف باسم “مفارقة سولو”. ولعلّ أضعف تلك التفسيرات، وإن ظل حاضراً حتى اليوم، هو الزعم بأن ما حدث ليس أكثر من وهم ناجم عن قصور في القياس، وأن آثار الأتمتة الواسعة ببساطة لم تظهر في البيانات الاقتصادية.
في المقابل، عزا بعضهم فشل استثمارات تقنية المعلومات في تحقيق الإنجازات الموعودة، إلى المديرين. وفي هذا الرأي شيء من الصواب، إذ تُظهر دراسات حول تبني تقنية المعلومات أن مسؤولي الشركات أنفقوا بسخاء على تجهيزات تقنية جديدة، مع توظيف كوادر تتقاضى أجوراً عالية لصيانة هذه الأنظمة وتحديثها باستمرار. وبدلاً من تقليص عدد الموظفين، أدّت الحواسيب إلى تضخم في قوة العمل.
لكن التفسير الأكثر إقناعاً جاء من الاقتصادي بول إيه. ديفيد، الذي قدّم ما يُسمى “فرضية التأخّر الزمني”. بحسب رأيه، فإن التحوّلات التقنية تثير نزاعات ضارية ومعارك تنظيمية ومنافسات على الحصص السوقية. في غضون ذلك، تستمر النظم القديمة في التعايش مع الجديدة، رغم أن جزءاً كبيراً من العالم يُعاد تشكيله ليتلاءم مع التقنية الجديدة. ولا يظهر أي من ذلك في شكل مكاسب إنتاجية فورية، بل العكس صحيح.
استشهد ديفيد في دعمه لفرضية “التأخر الزمني” بمرحلة دخول الكهرباء إلى قطاع الصناعة، باعتبارها مصدر طاقة أسرع وأكثر كفاءة من البخار الذي كان مصدر الطاقة السائد. لكن رغم هذا التقدّم، استغرق الأمر نحو 40 عاماً حتى تُترجم الكهرباء إلى زيادة فعلية في إنتاجية العمال، وسط صراعات على المعايير الصناعية واندماجات متلاحقة ومعارك تنظيمية وحاجة لإعادة تصميم كل مصنع من الصفر. كانت عملية بطيئة ومكلفة وفوضوية.
استبعاد تحسن فوري بالإنتاجية
لقد تكررت التجربة مع الحواسيب. في 1966، وبعد عامين فقط منذ احتفت صحيفة “وول ستريت جورنال” بالحواسيب، عادت ونشرت تقريراً أشارت في إلى أن هذه الأجهزة ذات القدرات الهائلة في تخزين البيانات واسترجاعها، بدأت تُغرق المديرين التنفيذيين بتقارير مفرطة التفاصيل. وقدّرت الصحيفة حينها أن “نحو 25 ألف كمبيوتر في البلاد تنتج يومياً ما يعادل 7300 ميل من الورق”، ما يظهر، بمصطلحات اليوم، حالة إغراق معلوماتي لدى الشركات.
لم تختفِ هذه الشكاوى، لكن في أواخر تسعينيات القرن الماضي، بدأ أخيراً التحسن الملحوظ في إنتاجية الاقتصاد الأمريكي. وعزا بعض الاقتصاديين السبب إلى التبني الواسع لتقنية المعلومات، ولو جاء ذلك متأخراً. لكن هذا الزخم لم يدم طويلاً، إذ سرعان ما تراجعت الكفاءة مجدداً، رغم- أو ربما بسبب- انتشار الإنترنت وكل الابتكارات الأخرى التي ظهرت في تلك الفترة.
الذكاء الاصطناعي ليس استثناءً من ذلك. ستجلب التقنية الجديدة تداعيات غير متوقعة، قد تحدّ من كفاءتها المتوقعة، بل وقد تقوّضها بالكامل. لكن ذلك لا يعني أن الذكاء الاصطناعي بلا جدوى أو أن ذلك سيمنع الشركات من تبنّيه بحماسة. لكن من يعلّق آمالاً على طفرة في الإنتاجية بين ليلة وضحاها، سيجد نفسه أمام خيبة أمل كبيرة.
لأن الإنفاق الجاري بقرة مقدسة، رواتب وتقاعد وكلف تشغيل وتأمين صحي لا يمكن المساس بها يسهل على الحكومات التضحية بالنفقات الرأسمالية بتحويلها إلى جارية لسد العجز في مواجهة تراجع الإيرادات.
غالباً ما يتم التركيز على ضبط الانفاق الجاري وهو في حدود ضيقة بينما ان شطب الانفاق الرأسمالي او تقليصه او تحويله هو حاصل تحصيل في نهاية كل حساب ختامي خصوصا ان تعرضت الايرادات الى اهتزازات.
لكن هذه الحكومة مصرة على الالتزام بالنفقات الرأسمالية كما ورت في الموازنة حتى آخر دينار ولو كان لديها المزيد لأنفقت اكثر.
على العكس تماما ما يجب فعله هو تشجيع الإنفاق الرأسمالي اما لحاجة الاقتصاد وضخ سيولة في السوق وإما لاستكمال تنفيذ مشاريع قائمة وأخرى جديدة.
يقول البعض ان على الحكومة ان تتحوط بتجميد غير معلن للنفقات الرأسمالية لدرء مخاطر تراجع الإيرادات تحت ضغط الاحداث الإقليمية السائدة.
قلنا ونقول ان خير وسيلة للدفاع هي الهجوم ومع ان الحذر ضروري لكن لكل مخاطرة ثمن لكن ذلك لا يعد مخاطرة إذا كان يهدف إلى حفز النمو وتحريك السوق.
في مشروع موازنة 2025، تم رصد (1.469 مليار دينار) للنفقات الرأسمالية، وهي «مخصصات حقيقية» اولا لان المشاريع المرتبطة بها محددة وثانيا لان تقدير الانفاق الراسمالي ارتبط بما يتوفر من مال وهو في اتجاهين الاول ما توفره الخزينة اما الثاني فهو ما يعتمد على حجم المساعدات والمنح الفعلي اضافة الى بند القروض الميسرة.
الاعتقاد السائد أن أعمال التقشف في الموازنة العامة يجب أن يختص بالنفقات الرأسمالية باعتبار ان مساحة الإنفاق الجاري محدودة يجب ان يتغير لأن النفقات الرأسمالية تعتبر استثماراً ذا مردود مستقبلي ومحركا فعالاً للنمو الاقتصادي.
هل يمكن وقف الاستثمارات الحكومية الحقيقية في الماء او الكهرباء أو السدود والطرق أو بناء المدارس والمستشفيات، ذلك أن جهة خارجية تراقب أو تشرف على اختيار المشاريع وتنفيذها؟.
من المبكر رصد تأثير الأحداث الأخيرة على النشاط الاقتصادي ومنه الإيرادات، لكن ذلك لا يعني تعليق تنفيذ المشاريع الفعلية بانتظار مخاوف ربما لا تتحقق.
الحكومة أعلنت عن خطط لحفز النمو الاقتصادي عبر خطة التحديث الاقتصادي باعتباره أولوية، صحيح ان ذلك يواجه محددات كثيرة، مالية وربما ادارية وبعض التخوفات، لكنها يجب ان تعمل وفقا للموارد المتاحة.
“الرأي”
لقرار الذي اتخذته الحكومة بتعديل نظام الضريبة الخاصة على المركبات لعام 2025 ليس مجرد تغيير في نسب، بل خطوة حاسمة، واضحة، ونهائية لإغلاق ملف المركبات، بالشكل الذي يحمي المواطن ويعيد التوازن إلى سوق ظل لسنوات يعاني من تشوهات في الأسعار والمواصفات.
التخفيضات الجديدة على الضريبة الخاصة والعامة تعكس توجهاً اقتصادياً إصلاحياً واضحاً، يستند إلى واقع السوق واحتياجات المواطن، لا إلى الحسابات النظرية، فالضريبة على سيارات البنزين انخفضت من 71 % إلى 51 %، ما يعادل تخفيضاً بنسبة 28 %، اما سيارات الهايبرد فقد شهدت انخفاضاً أكبر، من 60 % إلى 39 %، أي 35 %، أما السيارات الكهربائية، فتم توحيد شريحتها بنسبة ضريبة موحدة تبلغ 27 % بعد أن كانت موزعة على فئات مختلفة، حتى الدراجات النارية والسكوترات شملها القرار، بنسبة تخفيض وصلت إلى 26 %.
هذا ليس مجرد قرار ضريبي، بل جزء من سياسة إصلاح شاملة تهدف إلى تخفيف الأعباء على المواطنين، وتنشيط القطاعات المرتبطة بسوق السيارات، من بيع وصيانة وتأمين وتمويل، وهو أيضاً رسالة واضحة بأن الدولة تعمل على تنظيم هذا الملف الحيوي وفق معايير أكثر عدلاً وكفاءة.
في السياق ذاته، جاء القرار بمنع استيراد المركبات المعروفة بـ”السالفج” – وهي المركبات التي تعرضت لحوادث وتم إصلاحها– ليعزز من ثقة المواطن بالسوق ويمنع تداول مركبات قد تشكل خطراً على السلامة العامة، كما تم وقف الاستثناءات التي سمحت سابقاً بدخول المركبات دون التزام بالمواصفات المعتمدة، ما يُعد إجراءً إصلاحياً يحمي السوق وينظم المنافسة.
كل مركبة تدخل السوق الأردنية بعد الآن ستكون خاضعة لمواصفات أوروبية أو أميركية أو خليجية، وهو ما يرفع من جودة المعروض في السوق المحلي ويمنح المواطن قيمة حقيقية مقابل ما يدفعه، ومن المهم الإشارة إلى أن هذه الخطوة تأخذ بعين الاعتبار بلد المنشأ وجودة التصنيع، لا الاسم التجاري فقط.
أما من حيث الأثر الاقتصادي، فالحكومة تنظر إلى هذه الخطوة كجزء من حزمة أوسع تشمل خفض الضرائب على العقارات، التسويات الضريبية، والتسهيلات الجمركية، فالنمو الاقتصادي الذي تجاوز التوقعات في الربع الأخير – بنسبة 2.7 % مقابل توقعات بـ2.3 % – يعزز من منطقية هذا التوجه، ويعطي مؤشراً على أن هذه الإجراءات بدأت تؤتي ثمارها.
ببساطة، ما يحدث اليوم هو إغلاق نهائي وفعلي لملف المركبات كما عرفناه سابقاً، وفتح صفحة جديدة أكثر تنظيماً، عدلاً، واستقراراً، فالمواطن سيكون أول المستفيدين، والسوق ستنضبط على أسس أوضح، وهذا ما تحتاجه مرحلة التعافي الاقتصادي: قرارات مدروسة، تضع مصلحة المواطن والاقتصاد في المقام الأول.
أما بالنسبة لتداعيات القرار وأثره على الحاصلات الجمركية والخزينة بشكل عام، فمن الطبيعي ألا تظهر نتائجه الكاملة بشكل فوري، لكن من المؤكد أن التوسع في الاستيراد ضمن بيئة ضريبية مشجعة، وارتفاع الطلب على المركبات الحديثة والمطابقة للمواصفات، سيخلق حالة من التنشيط الاقتصادي المتدرج، تعوّض الأثر الأولي لانخفاض النسب الضريبية.
التنظيم الجديد، والانتقال إلى هيكل ضريبي أوضح وأكثر عدالة، لن ينعكس فقط على حجم الإيرادات، بل على جودة السوق ككل، اذ ان بناء سوق مركبات أكثر شفافية، يرتكز على معايير معتمدة وخالية من الاستثناءات، يفتح الباب أمام دورة اقتصادية أكثر استقراراً واستدامة.(الغد)
مهمة جدا قرارات تخفيض الضريبة الإجمالية (العامة والخاصة) على المركبات ولا شك أنها تمثل حزمة إصلاح هيكلي وشمولي تسهم بشكلٍ كبير في تخفيف الكلف على المواطنين.
لكن ما هو اهم بظني في جملة القرارات هو المواصفات، فهي التي توفر الحماية للمستهلك وتفرض على التجار جلب سيارات ذات مواصفات كفوءة وبحد عال من التقيد بالسلامة العامة.
كانت ولا تزال مشكلة الوكالات التجارية عموما هي المنافسة التي تواجهها من قبل مستوردين أفراد وقد تجلت هذه المشكلة بوضوح في قطاع السيارات غير المكفولة او تلك ذات الكفالات الناقصة.
لا يجب ان ينظر إلى القرار باعتباره تخفيضا جمركيا واسعا او تنزيلات هائلة فقط بل باعتباره سيزيل التشوهات الجمركية والضريبية بين مختلف فئات السيارات ومن ذات النوع احياناً ولأنه ايضا سيوفر في السوق سيارات ذات مواصفات تضاهي تلك التي تسير في شوارع أوروبا واميركا لناحية السباك العامة والتكنولوجيا وما تتضمنه من إضافات كان يجري ازالتها لتصريف البضاعة.
هذه الإشكالية لا تنطبق على السيارات فقط بل تشمل جميع السلع الكهربائية وغيرها التي تتجاوز المواصفات والتي لا توفر اية كفالات لما بعد البيع.
كما ان الحكومة فكرت في حل الإشكالية المتعلقة بقطاع السيارات فيتعين عليها ان تتصدى لذات الإشكالية في السلع الأخرى.
القرار خفض إجمالي الضرائب المفروضة على سيارات البنزين من 71% إلى 51% أي بنسبة تخفيض تصل إلى 28%، وتخفيض إجمالي الضرائب على السيارات الهجينة (الهايبرد) من 60% إلى 39% أي بنسبة تخفيض تصل إلى 35%، وتثبيت الضريبة الخاصة على سيارات الكهرباء وتوحيدها لتصبح 27% لجميع الفئات بغض النظر عن قيمة السيارة أو فئتها، بالإضافة إلى تخفيض الرسوم الجمركية على السكوترز والدراجات من 45% إلى 33%.
هذه القرارات التي تأخرت كثيرا لكن اتخاذها اليوم كان ضرورة ستسهم في تحريك هذا القطاع لكنها ستسهم اكثر في ترتيب أوضاعه بعد مسار تاريخي من القرارات المتضاربة والمتناقضة وغير العادلة والتعقيدات غير المفهومةً في كثير من الأحيان.
بقي ان القرارات لن ترضي جميع الأطراف لكن في ميزان القوائم الاقتصادية فان المنفعة العامة ستغلب.( الراي)
حينما تتجاوز المديونية العالمية للقطاعين العام والخاص ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي العالمي، لتصل مع بداية العام الحالي إلى نحو 327% من الناتج العالمي، وحينما تصبح المديونية العامة، أي مديونية حكومات العالم، ما يقرب من حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي، يصبح الصمت على هذه المديونية خطيئة. ولعلَّ فريضة عدم الصمت هي ما أفرزت التقرير الأممي العالمي النوعي، الذي صدر عن مجموعة الخبراء المعنية بالديون، والتي شكّلها الأمين العام للأمم المتحدة برئاسة الخبير العالمي والصديق الأستاذ الدكتور محمود محي الدين. التقرير سيكون محلَّ نقاش عالمي خلال الأيام الثلاثة المقبلة ضمن المؤتمر الرابع «التمويل من أجل التنمية»، الذي سينعقد في مدينة إشبيلية الإسبانية. أزمة الديون لم تَعُد صامتة بالنسبة لدول الجنوب النامية، بل باتت تهدِّد حاضرها الاقتصادي ومستقبل مسارها التنموي بشكل مباشر؛ فهي اليوم أزمة تَطال أكثر من ثلثي الدول منخفضة الدخل، حيث تتجاوز خدمة الدين في بعضها 10% من الإيرادات الحكومية، مقابل تراجع حاد في الإنفاق على التعليم والصحة والبنية التحتية.
ما يبوح به التقرير من تشخيص للأزمة، وما يطرحه من محاور ثلاثة تضمُّ 11 إجراءً نوعياً وعملياً يُعَدُّ السبيل الحقيقي نحو معالجة جذور المشكلة. فلم يَعُد يكفي أن نعرض للمشكلة أو أن نبوح بمثالبها، ولهذا جاء التقرير ليتحدث عن محاور ذات إجراءات هدفها تأكيد الحاجة إلى إصلاحات على مستوى النظام المالي العالمي، وتعزيز التعاون بين الدول، وتوصيات للسياسات الوطنية. ففي المحور الأول جاء التركيز على إصلاح نظام التمويل متعدد الأطراف، بما يكفل معالجة أي اختلالات هيكلية في مصادر التمويل والسيولة العالمية. أمّا المحور الثاني فيركِّز على أهمية التعاون الإقليمي والدولي بهدف وضع سياسات واستراتيجيات، ويسهم في خلقِ التنسيق المناسب والتحالفات المطلوبة بين المقترضين، وقد يؤدي ذلك إلى نوع من أنواع نوادي أو مراكز الضغط، ويسهم أيضاً في توفير الدعم في مجالات برامج المساعدات الفنية وبناء القدرات.
والمحور الثالث يتناول أهمية تشجيع الدول المُقترِضة على اعتماد سياسات وإصلاحات وطنية بما يكفل تعزيز منعتها، ومرونتها الاقتصادية، ويُحدِث تحسُّناً في إدارتها للديون، ويوفِّر الظروف للحصول على تمويل أكثر استدامة. ولعلَّ المحور الثالث هو المحور الأساس في البوح بما يجب عمله للخروج عن الصمت المتعمد الذي يمارسه طرفا المعادلة، الدائنون والمَدينون، في نشوة انتفاعهما المؤقت من عوائد المديونية عليهما اقتصادياً وسياسياً، بل واجتماعياً. إنَّ نجاح الإجراءات التي وضعها التقرير ضمن محاوره الثلاثة لا يعتمد فقط على ما يمكن أن تقدِّمه المؤسسات الدولية من مساعدات فنية، أو مراجعات دورية، أو شهادات حُسنِ سيرٍ وسلوكٍ للاقتصادات المدينة، بل يتطلَّب أيضاً جهداً وطنياً من الدول المدينة لإصلاح سياساتها، وتحسين إدارتها للديون، وبناء مشاريع استثمارية قابلة للتمويل.
فبين ضغط خدمة الدين، وتقلُّص المساعدات، وتراجع النمو، لا خيار أمام دول الجنوب المدينة سوى إعادة بناء مقاربتها للطريقة التي تستخدم بها ديونها، وللطريقة التي تديرها بها، وللمصادر التي وفَّرت لها الديون، ولهيكلية الديون من حيث الفترة، والتكلفة، والاستخدام. كل ذلك لا مندوحة عن مراجعته للوصول إلى تمويل تنموي على أسس أكثر عدالة وواقعية.
أكّد مركز الدراسات الإستراتيجية في ورقته البحثية الصادرة مؤخراً على القناعة الراسخة للعديد من المختصين؛ بأن قطاع الطاقة هو أحد أبرز الأمثلة على التداخل بين هشاشة السياسات الإقتصادية وديمومة الأنظمة الفنية، وما يترتب على هذا التداخل من أعباء مالية وإخفاقات هيكلية، وضياع فرص استراتيجية.
فمنذ أكثر من عقد يراوح هذا القطاع مكانه بين الإصلاح المؤجل والقرارات الارتجالية، بينما تتراكم المديونية وتتراجع التنافسية، ويتعمق الخلل بين كلف الإنتاج وأسعار البيع. وبات من الواضح أن معالجة هذا الملف لم تعد ترفاً، بل ضرورة وطنية ملحّة.
لقد بدأت أزمة قطاع الكهرباء في الأردن مع انقطاع الغاز المصري في أعقاب أحداث الربيع العربي، الأمر الذي دفع المملكة إلى الإعتماد على الوقود التقليدي عالي الكلفة. ورغم أن الحكومة قررت حينها عدم عكس تلك الكلف على المستهلكين، فإن الثمن كان باهظًا، فقد تراكمت ديون شركة الكهرباء الوطنية إلى أكثر من 6 مليار دينار في عام 2024 مرشحة للزيادة، وهو ما يعادل 14.5% من إجمالي الدين العام ونحو 16.7% من الناتج المحلي الإجمالي.
ومع عودة إمدادات الغاز وتوقيع اتفاقيات جديدة، شهدت الكلفة التشغيلية بعض الانخفاض، لكن الأزمة البنيوية ظلت قائمة، بل وتعقدت مع دخول الأردن في التزامات طويلة الأجل في مشاريع الطاقة المتجددة والصخر الزيتي، ضمن عقود “Take or Pay”، التي تُجبر الحكومة على الدفع مقابل طاقة غير مستهلكة، مما عمّق العجز وأبقى الكلف مرتفعة رغم تراجع الطلب.
حالياً تعتمد الحكومة اليوم على رفع التعرفة الكهربائية لتعويض العجز، لكنها بذلك تُقصي الشريحة الأكبر من المستهلكين، وتدفع كبارهم إلى (الإنفصال) عن الشبكة أو (تقليص) استهلاكاتهم، مما يقلل من الإيرادات المحصّلة، ويزيد من عبء رسوم القدرة التي تُدفع مقابل كميات طاقة غير مستهلكة.
المطلوب اليوم هو إعادة صياغة فلسفة إدارة قطاع الطاقة، من خلال تبنّي تعرفة مرنة ومحفّزة لا تثقل الفئات المنتجة وتشغيل الفائض الإنتاجي عبر تصدير الكهرباء إلى دول الجوار، بدلاً من تحمل كلفته محلياً دون استهلاك. ودعم المركبات الكهربائية كرافعة اقتصادية، وليس فقط كأداة حافظة للبيئة.
خلاصة القول فإن قطاع الطاقة في الأردن يمثل واقعاً لهشاشة السياسات الإقتصادية التي تفتقر إلى المرونة، وتقابلها أنظمة فنية مستدامة تُدار بعقود طويلة لا تستجيب للطلب أو التحولات الفنية. وأن بقاء القطاع على هذا الواقع سيؤدي إلى تآكل القدرة الإنتاجية، وإضعاف فاعلية المالية العامة وتراجع رفاه المواطنين. أما التحول نحو منظومة مرنة وعادلة واستباقية، فسيجعل من قطاع الطاقة رافعة حقيقية للنمو، بدلاً من كونه عبئاً مزمناً على الموازنة.