عروبة الإخباري –
المتابع للسياسة الإسرائيلية منذ صناعتها على يد القوى الإستعمارية عام ١٩٤٨ تتولد لدية القناعة التامة بأنها كيان طفيلي محصن يعتمد بوجوده بشكل كامل على القوى الخارجية التي زرعته بقلب الوطن العربي على كافة الاصعدة السياسية والإقتصادية والعسكرية وما الدعم اللامحدود الذي يتلقاه من امريكا ومحورها التي مدته وتمده بكل مقومات القوة العسكرية والسياسية والإقتصادية والتكنولوجية طوال حرب الإبادة والتطهير العرقي التي يشنها بشكل وحشي غير مسبوق على مدار عدة عقود دون توقف وخاصة خلال الستة عشرة شهرا الأخيرة بحق الشعب الفلسطيني بقطاع غزة والضفة الغربية دون خوف من المساءلة والعقاب على جرائمه ورفضه تنفيذ اي من القرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية بتحد صارخ للمجتمع الدولي وللشرعة الدولية إلا العامل الوحيد الذي جعل من كيانه فوق القانون ومحصن من إيقاع اي شكل من أشكال العقوبات بل وتمكينه الإفلات منها ولو كانت صادرة عن أعلى هيئة قضائية دولية كمحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية .
كيان فوق القانون :
من الأدلة القاطعة على أن الكيان الإستعماري الإسرائيلي فوق القانون ما يلي :
اولا : إستخدام الفيتو المتكرر بمجلس الأمن من قبل الولايات المتحدة الأمريكية منفردة او مع اي من حلفائها لإجهاض اي قرار يلزم ” إسرائيل ” بتنفيذ اي من القرارات الدولية او حتى يدينها على أفعالها وجرائمها وإنتهاكاتها والامثلة لا حصر لها .
ثانيا : تولي أمريكا مسؤولية إدماجها بالوطن العربي دون إنهاء إحتلالها للاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة .
ثالثا : الإزدواجية والإنتقائية بالتعامل مع تنفيذ القرارات الدولية في حال تعلق الأمر بالكيان الإسرائيلي الإرهابي وما التعامل مع الحرب في أوكرانيا وفرض العقوبات على روسيا التي لا تقارن افعالها مع عظم وضخامة الجرائم الإسرائيلية وإنتهاكاتها لميثاق الأمم المتحدة وللقوانين والإتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية .
رابعا : قبول غالبية أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورها الشكلي عبر الإكتفاء بإصدار القرارات دون الإضطلاع بمسؤولياتها لمتابعة تنفيذها سواء مع مجلس الأمن الذي يعمل وكيلا عنها بتنفيذ سياساتها وقرارتها او عبر إتخاذ الاجراءات والعقوبات والتدابير المنصوص عليها بميثاق الأمم المتحدة بحق الدولة الرافضة لتنفيذها .
خامسا : عدم اللجوء لتشكيل جبهة عريضة تعمل إنتصارا لحقوقها ومهمامها على تعديل ميثاق الأمم المتحدة التي صاغته لمصالحها ونفوذها الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن المنتصرة بالحرب العالمية الثانية بما يكفل تجسيد مبادئ العدالة والمساواة بين الدول دونما تمييز بصغر اوكبر حجمها وقوتها مما يتطلب إلغاء الفيتو وإلغاء الصلاحيات التنفيذية المناطة حاليا حصرا بمجلس الأمن وإناطتها بالجمعية العامة بعد ثبوت فشل الميثاق الحالي بترسيخ الأمن والسلم الدوليين وإنقاذ البشرية من ويلات الحروب .
سادسا : تبرير أمريكا ومحورها الجرائم والإنتهاكات الإسرائيلية واستخدامها الأسلحة المحرمة دوليا بممارسة حقها الدفاع عن النفس خلافا للمادة ٥١ من ميثاق الأمم المتحدة التي كفلت للدول والشعوب لعدوان او إحتلال اجنبي حق الدفاع عن النفس .
سابعا : حمايتها من المساءلة على إمتلاك أسلحة نووية وتهديد قادتها بإستخدامه ضد الشعب الفلسطيني الاعزل من السلاح بقطاع غزة .
إلى متى يبقى الكيان الإسرائيلي فوق القانون :
على ضوء ما تقدم يستمر التساؤل لمتى يبقى الكيان الإستعماري الإسرائيلي محصنا ومن المستفيد من منحه الحصانة التي ادت وتؤدي إلى زعزعة الأمن والسلم الدوليين ؟
الجواب بالتأكيد إن الجهة الوحيدة المستفيدة تتمثل في أمريكا وبريطانيا وفرنسا صانعة هذا الكيان الإستعماري الإحلالي الإسرائيلي المصطنع لينوب عنها في الحفاظ على مصالحها وهيمنتها ولضمان إستمرار تقسيم الوطن العربي وإدامة إخضاعه تنفيذا لإتفاقيات سايكس بيكو وسان ريمو وبالتالي السطو على ثرواته ومقدراته الطبيعية وغير الطبيعية وبالتالي يبقى المحور الأمريكي صاحب المصلحة الأولى بإبقاء الكيان الإستعماري الإسرائيلي محصنا من المساءلة والعقاب وإخراجه من مظلة وجوب الإنصياع للشرعة الدولية بميثاقها وعهودها ومواثيقها وإتفاقياتها وقراراتها بإنتهاك صارخ لمسؤولياتها كدول عظمى دائمة العضوية بمجلس الأمن .
بعد ثبوت ان السياسة الأمريكية بالإنحياز الكامل ” لإسرائيل ” ودعمها بكل وسائل القوة وتمكينها الإفلات من المساءلة والعقاب ووضعها في مكانة دولة فوق القانون أدى إلى :
▪︎ العزلة السياسية للولايات المتحدة الأمريكية على الساحة العالمية وما القرارات التي صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومؤسساتها وهيئاتها القضائية إلا الدليل .
▪︎ تقويض الأمن والسلم الإقليمي الناجم عن تمكين إسرائيل من شن حرب إبادة وتطهير عرقي بحق الشعب الفلسطيني الذي بلغ ذروة وحشيته في قطاع غزة وما نجم عنه من توسع رقعة الصراع جغرافيا ومن رفض سلطات الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي إنهاء إحتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف تنفيذا للقرارات الدولية ذان الصلة بالقضية الفلسطينية .
▪︎ إلى إشراك أمريكا جنبا إلى جنب مع ” إسرائيل ” كمتهم بإرتكاب جرائم الإبادة والتطهير العرقي وجرائم الحرب وضد الإنسانية .
سيبقى الكيان الإستعماري الإرهابي الإسرائيلي فوق القانون طالما ان :
* المجتمع الدولي بغالبيته حاني الراس أمام التغول والغطرسة الأمريكية التي تتعامل مع العالم .
• القبول بإقصاء مبدأ الحق والنوع أمام حق القوة وما حصل مع الرئيس الاوكراني بالبيت الأبيض اكبر مثال .
* عدم إتخاذ موقف موحد يكفل إعلاء سمو ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية عبر تعديل سريع لميثاق الأمم المتحدة تحت طائلة الإنسحاب الجمعي والعمل على بناء نظام عالمي جديد بعيدا عن الدول ذات الإستراتيجية الإستعمارية .
الدعم الدولي لنضال الشعب الفلسطيني من أجل التحرر من نير المستعمر الإسرائيلي المدعوم امريكيا حتى الحرية والإستقلال وإقامة دولته المستقلة المعترف بها دوليا وعاصمتها القدس مقرونا بالعمل على إستصدار قرار عن الجمعية العامة بتجميد عضوية إسرائيل بالأمم المتحدة وعزلها دوليا عبر فرض العقوبات المنصوص عليها بميثاق الأمم المتحدة يبقى العنوان والبوصلة والبداي
عقارات
عروبة الإخباري –
في لحظة إنسانية استثنائية، احتضن قصر بعبدا، الكاتبة والإعلامية والمراسلة المخضرمة هدى شديد، في احتفال تكريمي دعا إليه وحضره رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون والسيدة اللبنانية الأولى نعمت عون، تعبيرًا عن التقدير لمسيرة إعلامية امتدت لأكثر من ثلاثين عامًا، زخرت بالمهنية، الشجاعة، والإصرار.
هدى شديد، التي لم تعرف الاستسلام لا في عملها ولا في مواجهة أقسى تحديات الحياة، تجسد اليوم قصة كفاح حية، تُروى صفحاتها بإرادة لا تهزم وإيمان لا يتزعزع. فمسيرتها لم تكن مجرد رحلة مهنية، بل كانت انعكاسًا لروح مثابرة لم تضعف أمام الأزمات، سواء في ساحات الإعلام الصعبة أو في صراعها الشرس مع المرض.
التكريم كان احتفاءً بنموذج نادر من العطاء والتفاني، ففي كل خطوة خطتها شديد، كان هناك أمل متجدد، وفي كل مواجهة خاضتها، كانت هناك عزيمة لا تلين. هذا ما عبّر عنه الرئيس اللبناني جوزاف عون في كلمته المؤثرة، حيث قال لها: “أنحني أمام قوَّتك يا هدى، وما تعيشينه وتمرِّين به بكلِّ إيمان ورجاء. لا يمكن لأيِّ كلام، أو شهادة، أو تكريم، أن يسمو إلى اختبار أوجاعك بصبر المؤمنين. تقديري لكِ بلا حدود، وأسأل ابن الله شفيعك وشفيعي، أن يرافقك في هذه المرحلة الصعبة، ويمسك بيدك بمحبته اللامحدودة.”
كلمات الرئيس عون، حملت رسالة دعم معنوية وإنسانية، لم تكن مجرد تكريم رسمي، بل كانت شهادة صادقة على قيمة القوة الداخلية التي تتحلى بها شديد، والتي ألهمت الكثيرين من المرضى والمكافحين.
هدى، التي وثقت تجربتها في كتابها “ليس بالدواء وحده”، لم تكتب عن المرض فقط، بل كتبت عن الصمود، عن النور الذي ينبثق من أعماق الألم، عن الإيمان الذي يساند الإنسان في أشد لحظات ضعفه. لقد أثبتت أن القوة الحقيقية ليست في الجسد فحسب، بل في الروح التي تتحدى، وتؤمن، وتنتصر.
اليوم، يقف لبنان الرسمي والشعبي احترامًا لامرأة لم تتراجع أمام التحديات، ولم تستسلم للآلام. تكريم هدى شديد هو تكريم لكل شخص يؤمن بأن الحياة، مهما اشتدت قسوتها، تستحق أن تعاش بإصرار وأمل. وهو أيضًا دعوة لتقدير كل من وهبوا حياتهم لخدمة الحقيقة، بصدقٍ وتفانٍ، رغم كل العواصف.
عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب –
هذه ذراع ممتدة لأكثر الأعمال خيراً وثواباً وعليها فليتنافس المتنافسون، فبعد أن وقعت شركة مناجم الفوسفات مذكرة تفاهم مع مؤسسة الحسين للسرطان في شهر نيسان ابريل 2024، ها هي تحضر احتفال قطف الثمرة بحضور جلالة الملك عبد الله الثاني في احتفال في المبنى المخصص وهو مبنى مركز الحسين للسرطان بالعقبة والذي حمل اسم الملك عبد الله الثاني وبحضور سمو الأميرة غيداء طلال، ذات اليد البيضاء في دعم وادارة ورعاية مركز الحسين للسرطان، المركز الأم الرئيسي في عمان وايضا بحضور مدير مؤسسة الحسين للسرطان، السيدة النابهة نسرين قطامش.
نعم الفوسفات جعلت مع دعائها مالا اندت به مركز الحسين للسرطان في العقبة، إذ جهزت قسم المختبرات الطبية لمبنى الملك عبد الله الثاني وبأحدث الاجهزة والمعدات ، وقد كان التبرع سخياً استحقت الشركة عليه ان يسمى المختبر باسمها.
كنت في مقالة سابقة قد كتبت أن الناس على هذه الأرض المباركة التي اسمها الأردن، قد انجزوا عبر تاريخهم الطويل معلمين عظيمين هما، مدينة البترا النبطية منذ الآف السنين ومركز الحسين للسرطان في عمان الآن، وهما معلمان يعتز الناس بهما ويمثلان بصمات حضارية وقدرة على التفوق والتعامل مع التحديات المختلفة.
لم أجد البرفيسور محمد الذنيبات، مبتهجاً كما كان وهو يتحدث عن حضوره الاحتفالية في العقبة وقد جرى تدشين انطلاقة المركز حيث تبرع الشركة بدأ يسري، وحيث لم يعد أهل العقبة يتكبدون السفر والمسافات وينفقون الوقت الطويل حين يأتون الى عمان. فقد ذهب المستشفى اليهم، وهذه ذروة الخدمة واحترام المواطن.
أعتز شخصياً أن لدينا مركز الحسين للسرطان في عمان، وهو جسم صحي نابض بالتطور ومعلم على قدرة الأردني على اللحاق بالعالم والدخول في التنافس بعد أن ثبت أنه المركز الأفضل في المنطقة كلها بشهادات عالمية.
تستحق إدارته المخلصة الثناء، فقد ظل مركز الحسين للسرطان في عمان يحتل الصدارة والتقدير ويمثل نموذجاً بارعاً على الإدارة وتقديم الخدمة والتواصل مع عالم الطب الحديث في مجال السرطان.
لقد خبرت عمل المستشفى من خلال تجربة شخصية، لأجده مختلفاً تماما عن كل مستشفياتنا العامة والخاصة، وكيف أن المرضى الذين يملكون القدرة على العلاج في الخارج يعودون إليه ويشهدون أنه الأفضل والأكثر استجابة لحاجات المرضى وعلاجهم.
سيكون المستشفى في العقبة مميز، كما هو في عمان، وسيكون إضافة نوعية ملموسة، فقد جرى تسليم إدارته لواحد من أفضل اطباء الاختصاص في مجال الأورام واكثرهم دماثة وحباً لعمله، أنه الباشا الطبيب أحمد طلفاح، الذي انتقل لإدارة هذا المستشفى الوليد مع نخبة من الأطباء.
سمو الأميرة التي رعت وما زالت ترعى العمل ببعديه الإداري والانساني والتمويلي لمؤسسة الحسين للسرطان، ظل وجودها ضمانة لاستقرار مستوى الخدمة وارتقائه، فقد عبرت أمام الحضور عن أهمية ما قدمته شركة مناجم الفوسفات من دعم يساهم في رفع مستوى العلاج والرعاية المقدمة للمرضى.
هكذا اذن تمكين للشركات الوطنية كالفوسفات، التي هي نموذج لشركات اخرى، أن تعزز بمسؤوليتها الوطنية والاجتماعية، وما جاء على لسان رئيس مجلس ادارتها في الاحتفال، حيث بدأ المستشفى يعمل الآن، “ان هذا الدعم يأتي انطلاقه من المسؤولية الوطنية للشركة، وإيمانا منها بالدور الريادي الانساني الذي يقوم به مركز الحسين للسرطان في تقديم الرعاية الشمولية لهذا الفئة من المرضى.
يد الفوسفات الأردنية الخضراء ممتدة في ارجاء عديدة من الوطن في الشمال وفي الوسط حيث مشروع الرصيفة الذي كلف ملايين الدنانير وافتتح بحضور جلالة الملك، ليعيد المكان الى حالة مناسبة بعد أن كانت المناجم في الرصيفة قد تركت جبالاً من الخرام الذي أعيد تصديره وجرى الانتفاع من الموقع في ساحات وملاعب للمدينة.
وفي الجنوب تبدع الفوسفات في القيام بمسؤوليتها الاجتماعية وتفعل كذلك البوتاس.
ان المستشفى هذا في العقبة يعطي العقبة بعداً حضارياً وتنموياً ومميزا للقطاع الصحى في هذه المحافظة ويدعمه ويختصر المسافات ويعظم مفهوم اللامركزية والاستثمار في الأطراف، ويعلي من شأن العقبة والاستثمار فيها واستقطاب رؤوس الأموال لها خاصة ان الاضافات المحتفى بها تقدم الكشف المبكر وهي أصل العلاج والاستدلالة على المرض وكذلك الأشعة.
مبروك للعقبه هذا الإنجاز الكبير والشكر لقائد الوطن الذي يرعى ترجمة الأفكار الريادية ويحث عليها ويجعل الانجاز هو أوراق الاعتماد، وشكرا للفوسفات التي حلقت في السنوات الأخيرة لتصبح وارفة جذورها راسخة وفرعها في السماء، تؤتي أكلها مشاريح ناجحة لصالح المواطن أولا وأخيراً.
عروبة الإخباري –
كتب عضو لجنة الشؤون الخارجية والبرلمانية في المجلس الوطني الفلسطيني، رئيس جمعية جذور لحقوق المواطن، د. فوزي السمهوري، على صفحته الخاصة بموقع اكس، ناقض ترامب ونائبه حول تحقيق السلام:
ترامب: السلام يأتي من خلال القوة
فانس :السلام يأتي من خلال الدبلوماسية
الأول يعمل لإخضاع المنطقة العربية لصالح إسرائيل.
الثاني يريد إخضاع أوربا لصالح تقاسم نفوذ عالمي جديد بتغييب لدور اوربي فاعل!
مطلبهما:الإستسلام لا السلام؟
هل من متصدي؟
https://x.com/samhourif/status/1895817231621353582?t=leoTj3cCzxbojCDNPUFWGQ&s=08
سكوت أتران؛ وأنخيل غوميز* – (إندبندنت عربية)
على الرغم من تراجع شعبية “حماس” في غزة بعد الحرب المدمرة مع إسرائيل، ما يزال البديل عنها غير واضح. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن سكان غزة يعلقون آمالاً كبيرة على القيم الأساسية لهويتهم الفلسطينية، مثل تطبيق الشريعة وحق العودة والسيادة الوطنية، وهم على استعداد للتضحية من أجل هذه القيم.
***
في الأسابيع التي تلت بدء وقف إطلاق النار الهش الذي اتفقت عليه إسرائيل و”حماس” في 19 كانون الثاني (يناير) واتفاق تبادل الأسرى، برزت إلى الواجهة مسألة مستقبل غزة وسكانها البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة. وقد أدت الحرب إلى تحويل جزء كبير من غزة إلى خراب، فدمرت مدارسها ومستشفياتها وبنيتها التحتية المدنية وبيئتها إلى حد كبير، وأصبح عدد هائل من سكانها بلا مأوى مناسب. كما أن التهديد المستمر بانهيار وقف إطلاق النار أجج الهلع اليومي من وقوع مزيد من الدمار. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب طرح أفكاراً خيالية حول “استيلاء” الولايات المتحدة في نهاية المطاف على غزة وترحيل سكانها بصورة دائمة، فإن القوى الخارجية لم تحرز تقدماً كبيراً في وضع استراتيجية للحكم والأمن في القطاع حالياً.
من الغريب أن أهل غزة أنفسهم غائبون عن هذا النقاش، مع أنه من المنطقي افتراض أن أكثر من 15 شهراً من الصراع المدمر غيرت تصورات المدنيين العاديين في القطاع حول مستقبلهم، ورؤيتهم لأرضهم، ومن يجب أن يحكمهم، وما يعتبرونها المسارات الأكثر معقولية وترجيحاً لتحقيق السلام. وبالنظر إلى الثمن الباهظ الذي دفعوه نتيجة هجوم “حماس” في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، قد يتوقع المرء أن يرفض أهل غزة أن تقودهم الحركة، مفضلين قيادة بديلة. وعلى نحو مماثل، قد يتوقع المراقبون الخارجيون أنه بعد كل هذه المعاناة، سيكون سكان غزة أكثر استعداداً لتقديم تنازلات بشأن تطلعاتهم السياسية الكبرى في مقابل تلبية احتياجاتهم الإنسانية الأكثر إلحاحاً.
ولكن في الواقع، أظهر استطلاع أجريناه في غزة في أوائل كانون الثاني (يناير)، قبل فترة وجيزة من سريان وقف إطلاق النار، صورة أكثر تعقيداً. وأعدت مؤسسة “آرتيس إنترناشيونال” البحثية Artis International ومركز “الطابع المتغير للحرب” بجامعة أكسفورد Oxford University’s Changing Character of War Centre هذا الاستطلاع، ثم نفذه “المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية Palestinian Center for Policy and Survey Research (PSR). ومن خلال استخدام بيانات إحصائية وجمع معلومات من عينة من الأشخاص في الملاجئ بناء على مواقع منازلهم الأصلية من أجل ضمان التنوع الجغرافي، شمل الاستطلاع 500 مقابلة أجريت وجهاً لوجه مع أهل غزة، من بينهم 248 امرأة و252 رجلاً، تتراوح أعمارهم بين 18 و83 سنة، وكان هامش الخطأ أربع نقاط مئوية.
وجد الاستطلاع أنه على الرغم من تراجع شعبية “حماس” بصورة حادة منذ الأشهر الأولى للحرب، فإن البدائل الحالية للحركة تحظى بدعم أقل، مما يفتح المجال أمام “حماس” لاستعادة نفوذها في غزة مجدداً. وبالإضافة إلى ذلك، عززت الحرب التزام أهل غزة بالأهداف السياسية المتطرفة بدلاً من أن تضعفه، في حين أدت إلى تراجع التأييد لحل الدولتين. وربما كان الأمر الأكثر لفتاً للنظر هو أن الاستطلاع أظهر أن أهل غزة ما يزالون يحتفظون بقيم أساسية قوية مرتبطة بهويتهم الفلسطينية والدينية وتعلقهم بأرضهم، وهي قيم يعتزمون التمسك بها حتى لو تطلب ذلك تضحيات شخصية كبيرة. وبينما تواجه الولايات المتحدة وشركاؤها الإقليميون والدوليون واقع غزة ما بعد الحرب، فإن نتائج الاستطلاع تتحدى الافتراض القائل إن أي تحرك نحو السلام مع إسرائيل يمكن أن يتحقق من دون تلبية بعض هذه القيم الأساسية، أو الاعتراف بها رمزياً على الأقل.
ثغرات الحوكمة
طلب أحد الأسئلة الرئيسة في الاستطلاع من المشاركين اختيار الحل الذي يرونه مقبولاً وواقعياً من بين الحلول المحتملة للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. قبل اندلاع الحرب في غزة، أظهرت البحوث أن غالبية واضحة من الفلسطينيين في غزة كانت تؤيد حل الدولتين، بينما فضل 20 في المائة فحسب الحل العسكري الذي قد يؤدي إلى تدمير دولة إسرائيل. وفي استطلاع كانون الثاني (يناير)، انخفضت نسبة المؤيدين لحل الدولتين إلى أقل من النصف، فبلغت 48 في المائة، بينما فضلت نسبة مماثلة تقريباً، تبلغ 47 في المائة، حلاً قائماً على زوال دولة إسرائيل. أما الخيار الثالث، وهو إقامة دولة ديمقراطية ثنائية القومية يتمتع فيها العرب واليهود بحقوق متساوية، فاعتبره 5 في المائة فقط مقبولاً وواقعياً.
وعلى الرغم من أن 48 في المائة رأوا أن التقسيم هو حل مقبول وواقعي، فإن 20 في المائة فقط أيدوا حل الدولتين وفقاً لقرارات الأمم المتحدة على أساس حدود العام 1967. أما بقية المؤيدين لحل التقسيم، ففضلوا حلول الدولتين التي تشمل “حق العودة” لذرية اللاجئين الفلسطينيين إلى منازلهم داخل إسرائيل (17 في المائة)، أو العودة إلى خطة تقسيم فلسطين التي وضعتها الأمم المتحدة في العام 1947 (11 في المائة). ومن بين الذين أيدوا إنهاء دولة إسرائيل، البالغة نسبتهم 47 في المائة، فضلت غالبية واضحة إقامة دولة موحدة تخضع للشريعة الإسلامية وتسمح بوجود اليهود، ولكن من دون منحهم حقوقاً كاملة (27 في المائة)، بينما دعت مجموعة أصغر إلى ترحيل المهاجرين اليهود وأحفادهم من إسرائيل والأراضي الفلسطينية (20 في المائة)، ولكن ليس اليهود الذين عاش أسلافهم في المنطقة قبل الصهيونية.
علاوة على ذلك، أظهر الاستطلاع كيف تغيرت آراء أهل غزة تجاه “حماس”. قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، أظهرت استطلاعات الرأي أن شعبية “حماس” كانت في تراجع مستمر منذ فترة. وكان هذا التراجع نتيجة عوامل عدة، من بينها تدهور الظروف المعيشية وعدم إحراز تقدم في وعود الحركة بالمقاومة المسلحة ضد إسرائيل والسعي إلى إقامة دولة فلسطينية. وكما قال مدير “المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية” خليل الشقاقي، فإن الهجوم الذي شنته حركة “حماس” في تشرين الأول (أكتوبر) ربما كان محاولة للخروج من الوضع السياسي القائم الذي بات لا يطاق بالنسبة لها.
خلال الأشهر الأولى من الحرب، تحسنت مواقف أهل غزة تجاه “حماس”. في آذار (مارس) 2024، أظهر استطلاع بين سكان غزة أجراه “المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية” أن دعم سيطرة “حماس” على القطاع ارتفع إلى أكثر من 50 في المائة، بزيادة قدرها 14 نقطة مئوية مقارنة بفترة ما قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023. في ذلك الوقت، كان معظم سكان غزة يعتقدون أن “حماس” ستستمر في السيطرة على القطاع وأنها تحقق انتصاراً في الحرب ضد إسرائيل. ولكن بحلول كانون الثاني (يناير) 2025، وبعد تصفية القيادة العليا لـ”حماس” واستمرار الدمار في غزة، تراجع هذا الدعم مرة أخرى.
أظهر استطلاعنا في كانون الثاني (يناير) أن “حماس” لم تعد تحظى إلا بدعم خمس سكان غزة، وهو انخفاض حاد مقارنة باستطلاع آذار (مارس). ومع ذلك، كان الدعم للفصائل السياسية الأخرى، بما فيها “منظمة التحرير الفلسطينية”، أقل حتى من ذلك. في الواقع، عندما طُلب من سكان غزة اختيار قيادة فلسطينية من بين الخيارات الحالية المتاحة، كان ردهم الأكثر شيوعاً هو أن أياً من هذه القيادات لا يمثل الشعب تمثيلاً حقيقياً. ويعتقد أهل غزة أن القيادة الإسرائيلية تمثل الإسرائيليين بصورة أفضل بكثير مما تمثل القيادة الفلسطينية شعبها.
باختصار، يكشف الاستطلاع عن فراغ في القيادة الفلسطينية تسعى “حماس” إلى ملئه بسرعة، على الرغم من ضعفها. وكما أشار بعض المحللين، فإن عملية إعادة ترسيخ “حماس” لنفوذها تعززت بسبب غياب خطة بديلة لحكم الفلسطينيين قابلة للتطبيق من إسرائيل أو الولايات المتحدة، إضافة إلى حديث إدارة ترامب عن اقتراح كثيراً ما دافعت عنه الأوساط اليمينية المتطرفة في إسرائيل، وهو “الترانسفير”، أو “ترحيل السكان”. وبحسب الشقاقي، فإن معظم سكان غزة يعتقدون أن “حماس” لم تنتصر في الحرب. ويضيف: “مع ذلك، يبدو أنهم لا يجدون بديلاً أفضل”.
القوة الداخلية
قد يخفي غياب الدعم القوي لـ”حماس” حقيقة أعمق تتعلق بالدور الذي تلعبه الحركة في غزة. وفق نتائج استطلاعنا، فإنه على الرغم من إدراك سكان غزة للأزمة في القيادة السياسية الفلسطينية، إلا أن غالبية السكان ما تزال ملتزمة بالمبادئ السياسية لـ”حماس”، مثل تطبيق الشريعة باعتبارها القانون السائد في البلاد، وحق اللاجئين الفلسطينيين وذريتهم في العودة إلى ديارهم التي فقدوها عند قيام إسرائيل في العام 1948، والسعي إلى تحقيق السيادة الوطنية للفلسطينيين.
في الواقع، قمنا بقياس هذا الالتزام من خلال الطلب من المشاركين في الاستطلاع تحريك دائرة صغيرة (تحمل علامة “أنا”) إلى موضع يؤكد بصورة أفضل علاقتهم بدائرة كبيرة تمثل قيمًا أو مجموعة، بحيث يعتبرون “منصهرين” مع تلك القيم أو المجموعة عندما يضعون أنفسهم في مركز الدائرة الكبيرة تماماً. وتشير النتائج من الدراسات السابقة، سواء في ساحات القتال في ليبيا وأوكرانيا أو في الحروب الثقافية في الولايات المتحدة، إلى أن أولئك الذين يظهرون اندماجاً كاملاً يعتبرون تلك القيم أو المجموعة جزءاً لا يتجزأ من هويتهم.
يعد الاندماج مؤشراً موثوقاً على الاستعداد للتضحية من أجل مجموعة أو قضية أكبر، وهناك مؤشر آخر للتضحية بالنفس، وهو عندما تصبح القضية الجماعية “قيمة مقدسة”. وسواء كانت القيم المقدسة دينية أم علمانية، مثل الله أو الوطن، فإنها تكون غير قابلة للمساومة، بصرف النظر عن الأخطار المادية أو المكاسب أو التكاليف أو العواقب. وعندما يجتمع الاندماج مع القيم المقدسة، ينتج من ذلك ما يعرف بـ”الفاعلين المتفانين” المستعدين للتضحية بكل شيء، بما في ذلك حياتهم وأحباؤهم والتخلي عن مصالحهم الشخصية بالكامل.
على سبيل المثال، بين العامين 2015 و2017، أجرينا سلسلة من الدراسات في العراق حول مجموعات مثل تنظيم “داعش”، والمسلحين الأكراد الانفصاليين التابعين لـ”حزب العمال الكردستاني”، والبيشمركة الكردية، أو القوات العسكرية التابعة لكردستان العراق، التي واصلت القتال على الرغم من تكبدها خسائر كبيرة. ووجدنا أن الأعضاء المندمجين في هذه المجموعات يميلون إلى إظهار درجة عالية من الاستعداد للتضحية بأنفسهم من أجل القيم التي يعتبرونها مقدسة، وهي سمة منحت هذه الجماعات قوة روحية تفوقت بصورة كبيرة على مواردها المادية، مثل الأسلحة أو القوى البشرية أو الدعم اللوجستي أو مدة التدريب العسكري.
ينطبق هذا الأمر أيضاً على سكان غزة بعد 15 شهراً من الحرب. فقد كشفت نتائج استطلاع كانون الثاني (يناير) عن أن سكان القطاع يظهرون درجة عالية من الانتماء الجماعي إلى الهوية الفلسطينية، ويعرب الكثيرون منهم عن استعدادهم لتقديم تضحيات شخصية مكلفة من أجل تحقيق أهداف محددة مثل تطبيق الشريعة الإسلامية باعتبارها القانون السائد، وحق اللاجئين وذريتهم في العودة إلى ديارهم التي فقدوها عند قيام إسرائيل في العام 1948، والسعي إلى تمتع الفلسطينيين بالسيادة الوطنية. وبالنسبة لكل من هذه القيم الأساسية، كلما زاد استعداد المشاركين لتقديم تضحيات مكلفة من أجلها، قل استعدادهم لصنع السلام مع إسرائيل.
لقياس نظرة أهل غزة إلى قوتهم الجسدية والروحية مقارنة بمجموعات وطنية أخرى، استخدم الاستطلاع نهجاً سبق أن طبق في دراسات استقصائية على العراقيين والأوكرانيين والقوات المسلحة الأميركية، ومجموعات أخرى. وعُرض على المشاركين في الاستطلاع جسدان متجاوران شبه عاريين وُضع على رأس كل منهما علم وطني، ويمكن تكبير أو تصغير حجم الجسدين وعضلاتهما باستخدام شريط تمرير (أداة ضبط وتحكم يسمح تحريكها بتغيير حجم الأجساد والعضلات). ثم طلب منهم تحريك شريط التمرير لتقييم “القوة الجسدية” و”القوة الروحية” النسبية لكل مجموعة وطنية. وفي استطلاعنا، طُلب من أهل غزة مقارنة أنفسهم بالإسرائيليين والأميركيين والإيرانيين. واعتبر المشاركون أن الفلسطينيين أقوى بكثير روحياً مما هم عليه جسدياً، وكان ذلك يتناقض مع الطريقة التي ينظرون بها إلى إسرائيل والولايات المتحدة -وحتى حليفتهم المفترضة، إيران، إذ اعتبروا أن قوتهم الجسدية تفوق قوتهم الروحية.
يظهر سكان غزة ميلاً واضحاً إلى النظر إلى الصراع مع إسرائيل من منظور ديني أكثر منه سياسيًا -باعتباره صراعاً لتحرير المسلمين من الاضطهاد اليهودي. لكن معتقد الفلسطينيين الديني لا يعني بالضرورة عدم التسامح مع المجموعات الأخرى. على سبيل المثال، في استطلاع أجري في العام 2016 بين الشباب المسلمين الفلسطينيين، وجدنا نحن وزملاؤنا أن كثيرين منهم كانوا يميلون إلى إعطاء قيمة أكبر لحياة الفلسطينيين مقارنة بحياة اليهود الإسرائيليين. ومع ذلك، عندما طُلب منهم مقاربة الموضوع من منظور العدل الإلهي، قيموا حياة الفئتين بصورة أكثر تساوياً. بدا أن إيمانهم بالله يعزز رؤية أوسع وأكثر شمولية للحياة البشرية، مع الاعتراف بالقيمة الأخلاقية للمسلمين وغير المسلمين على حد سواء حتى وسط صراع طويل الأمد.
مع ذلك، عندما يصبح الدين مرتبطاً بأجندة اجتماعية وسياسية حازمة يفترض أنها مقدسة عند الله أو “حزبه” يصبح المعارضون لهذه الأجندة والحزب أعداء لله، مما يجعل من الأسهل شيطنتهم وقتلهم. في استطلاع كانون الثاني (يناير)، اعتبر أقل من 1 في المائة من سكان غزة أنفسهم “غير متدينين”، بينما صنف 67 في المائة أنفسهم على أنهم “متدينون إلى حد ما”، و31 في المائة على أنهم “متدينون حقاً”. وكان ما يقرب من ثلث المشاركين الذين صنفوا أنفسهم على أنهم “متدينون حقاً” الأكثر التزاماً بسيادة فلسطين وحق العودة، والأكثر استعداداً لتقديم تضحيات كبرى، بما في ذلك القتال والموت، من أجل تحقيق هذه الأهداف. وكانت هذه الفئة أيضاً الأكثر دعماً لتطبيق الشريعة وقيادة “حماس” لغزة والفلسطينيين بصورة عامة.
واعتبر “المتدينون حقاً” و”المتدينون إلى حد ما”، على حد سواء، أن الإسرائيليين أقل إنسانية بصورة ملاحظة من الفلسطينيين، واختبر الاستطلاع ذلك من خلال مطالبة المشاركين بتحديد مكان الفلسطينيين والإسرائيليين على سلم قياس بصري يتراوح من شكل يشبه القرد، إلى جسم منحن لا يسير بصورة منتصبة، وصولاً إلى شكل إنسان يقف في وضعية مستقيمة تماماً. وتشير دراسات من الصين وأوروبا والهند وأميركا الشمالية وغيرها إلى أنه كلما كان الشكل المختار أقل إنسانية، ربط المشاركون الخصم بالانحطاط الأخلاقي والتهديدات والأفعال العنيفة، وزادت بالتالي رغبتهم في استخدام العنف ضده.
ثمن السلام
من المهم الإشارة إلى أن الالتزامات الدينية والسياسية ليست العامل الحاسم بالنسبة لمعظم سكان غزة. وعلى الرغم من أن الغزيين بغالبيتهم يعتبرون أن القيم الأساسية المرتبطة بكونهم فلسطينيين تشكل جوهر هويتهم، إلا أن أقلية صغيرة تعتبر هذه القيم غير قابلة للتفاوض. على سبيل المثال، يرى 30 في المائة فقط من سكان غزة أن حق العودة يشكل جزءاً من هويتهم غير قابل للتفاوض، بينما ينظر 20 في المائة فقط إلى الشريعة الإسلامية بهذه الطريقة، و15 في المائة فقط يعتقدون الشيء نفسه عن السيادة الوطنية. ومع ذلك، رأى المشاركون في الاستطلاع أنه حتى قضية السيادة الوطنية كانت أكثر أهمية بكثير من الحفاظ على سلامة الأسرة وأمنها، وهي نتيجة تتماشى مع نتائج استطلاعات سابقة أجريت على المقاتلين الأكثر التزاماً من مؤيدي “داعش” ومعارضيها خلال فترة سيطرتها القصوى في العراق بين العامين 2015 و2016.
وقد يكون هناك استنتاج أوسع يمكن استخلاصه من هذه النتائج حول التزام الغزيين العميق روحانياً بالقيم الأساسية الفلسطينية. ففي دراسات مماثلة أجريت في أماكن أخرى، تميل الجماعات التي ترى نفسها ضعيفة جسدياً ولكن قوية روحياً إلى أن تكون أكثر عدوانية أو تطرفاً وأكثر استعداداً لمواصلة القتال، حتى في مواجهة عدو أقوى منها بكثير. وهي تعتبر استعدادها للتضحية بالنفس بمثابة ميزة تجعلها تتفوق على خصومها. وهذه السمة مشتركة بين الجماعات المتطرفة، مثل مقاتلي ومؤيدي “داعش” أو “حزب العمال الكردستاني”، لكنها موجودة أيضاً لدى آخرين قد يكونون على الدرجة نفسها من التفاني وعلى استعداد للتضحية بأنفسهم من أجل الديمقراطية أو السلام (كما هو الحال لدى نسبة أصغر بكثير من السكان في غزة).
بالنسبة للغزيين بصورة عامة، فإن الاستعداد للتضحية بأنفسهم من أجل تحقيق أهداف مشتركة على الرغم من المدى الذي بلغته هذه الحرب القاسية، يشير بقوة إلى أنه من المستبعد أن يتخلوا عن نضالهم في مقابل مجرد الحصول على الأمن الشخصي والعائلي. وهذا يثير تساؤلات حول الخطط الدولية المختلفة “لليوم التالي” في قطاع غزة، التي تفترض على ما يبدو أن توفير السلامة الشخصية وسبل العيش، من خلال وقف الأعمال العدائية وتسليم المساعدات والخيام والاحتياجات الأساسية، من شأنه أن يحقق الاستقرار في القطاع حتى في غياب حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
ولتقييم نظرة سكان غزة إلى فرص تحقيق السلام في المستقبل، قيم الاستطلاع توقعاتهم بشأن السيناريوهات التي أيدها قادة فلسطينيون في الماضي، بمن فيهم مسؤولو “حماس”. قبل سنوات من هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، أجرى أحدنا (أتران) مقابلات عدة مع قادة “حماس”، شملت في العام 2006 لقاءً مع رئيس الوزراء في غزة آنذاك، إسماعيل هنية، الذي شغل في ما بعد منصب رئيس المكتب السياسي إلى أن اغتالته إسرائيل العام الماضي، وفي العام 2009 مع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي آنذاك في دمشق، وفي العام 2013 مع موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي، في القاهرة. وفي كل من هذه اللقاءات، أبدى القادة استعداداً لقبول هدنة طويلة الأمد -أو حتى سلام مع إسرائيل.
ذكّر استطلاعنا في كانون الثاني (يناير) المشاركين بهذه التصريحات، مشيراً إلى أن هؤلاء القادة ربطوا عموماً هدنة أو سلاماً أطول أمداً بعودة إسرائيل إلى حدود العام 1967، وإقامة “توازن قوى” مع إسرائيل يكون مدعوماً دولياً، والاعتراف بحق العودة. ثم طرح الاستطلاع سؤالاً حول أي من السيناريوهات الثلاثة؛ الهدنة أو السلام أو مزيد من الحروب، يبدو الأكثر ترجيحاً للجيل القادم من الفلسطينيين.
قال نحو نصف المشاركين إنهم يتوقعون السلام، في حين توقع 44 في المائة منهم هدنة طويلة الأمد، ورأى 7 في المائة منهم أن مزيداً من الحروب هو السيناريو الأكثر ترجيحاً. ومع ذلك، من بين نصف عدد المشاركين الذين توقعوا السلام، برزت مجموعتان متساويتان تقريباً في الحجم، الأولى تتوقع السلام كنتيجة للمفاوضات (24 في المائة)، والثانية تتوقع السلام كنتيجة لانهيار دولة إسرائيل (25 في المائة). أما المشاركون الذين توقعوا هدنة مؤقتة أو حرباً، فكانوا يعتقدون أن الإسرائيليين والفلسطينيين لن يتمكنوا من التوصل إلى سلام دائم، إما بسبب رفض الطرف الآخر للتنازلات المطلوبة أو لأن هذه التنازلات مؤلمة جداً بالنسبة إلى أحد الجانبين أو كليهما.
لماذا يقاتلون
من المفارقات أن صلابة تمسك سكان غزة بالقضية الفلسطينية قد تفتح المجال أمام تسويات لم تحظ بالاهتمام حتى الآن. على سبيل المثال، ليس سراً أن “حماس” ملتزمة بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وحق العودة وتطبيق الشريعة الإسلامية، وهي جميعها أهداف يمكن تحقيقها من خلال إنهاء دولة إسرائيل. ومع ذلك، ألمح قادة “حماس” في الماضي إلى أنهم لا يعتبرون أن دولة فلسطين ذات سيادة “من النهر إلى البحر” وزوال دولة إسرائيل هما قيمتان مقدستان غير قابلتين للتفاوض. وتشير دراسات أجريناها من العام 2006 إلى العام 2013 إلى أنه حتى حق العودة، على الرغم من اعتباره مقدساً، يمكن إعادة صياغته بحيث يظل غير قابل للتفاوض من حيث المبدأ وقابلاً للتفاوض من حيث التطبيق.
قد تتطلب مثل هذه التسوية، على سبيل المثال، مبادرات رمزية ذات مغزى من الجانب الآخر، مثل اعتذار إسرائيلي صادق عن طرد الفلسطينيين من منازلهم وأراضيهم، وقبول إسرائيل بعودة عدد محدود من اللاجئين وذريتهم، وتقديم صورة من صور “الدية” أو التعويض المالي للضحايا أو ورثتهم، كنوع من التعويض التاريخي عن النكبة التي عناها التهجير الجماعي للفلسطينيين أثناء تأسيس إسرائيل في العام 1948. لكن بحوثنا تظهر أيضاً أن الحوافز الاقتصادية أو العقوبات التي تهدف إلى إجبار الفلسطينيين (أو الإسرائيليين) على التخلي عن قيمهم الأساسية تأتي بنتائج عكسية على المجتمع ككل، مما يزيد من مقاومة اتفاقات السلام ودعم العنف.
من الممكن، بالطبع، أن يكون قادة “حماس” الذين أدلوا بمثل هذه التصريحات قد انخرطوا في مناورة غير صادقة تهدف إلى تخفيف الضغط العسكري الإسرائيلي، مثلما زعم القادة الإسرائيليون. ومع ذلك، في استطلاعنا الأخير، أشار سكان غزة إلى أنهم مستعدون للنظر في تسوية لا تحقق بالكامل ما يعتبرونه الخيار الأكثر قبولاً وواقعية. ويشكل إنشاء توازن قوى يكفل عدم قدرة إسرائيل على نشر قوة عسكرية كافية للهيمنة على الأراضي الفلسطينية المعترف بها دولياً، هدفًا ماديًا قابلًا للتفاوض من شأنه أن يضمن الأمن المادي للفلسطينيين. وبالنسبة لسكان غزة الذين يعتبرون حق العودة قيمة مقدسة غير قابلة للتفاوض، لكنهم مع ذلك منفتحون على إعادة تأويله، فإن الاعتراف الإسرائيلي بهذا الحق، حتى لو كان رمزياً إلى حد كبير، قد يوفر إحساساً بالأمان للشعب الفلسطيني، من خلال الحفاظ على ما يعتبره الفلسطينيون غالباً القضية الجوهرية في الصراع، أي “الأرض والكرامة”. ومثل هذه البادرة، على الرغم من أنها لن تكون كافية بمفردها، قد تكون نقطة انطلاق نحو التفكير في السلام.
وعلى النقيض من ذلك، يعتقد سكان غزة أن التخلي عن أرضهم، كما اقترح ترامب، يعني التوقف عن كونهم فلسطينيين. ومن دون استعداد إسرائيلي لتقديم بعض التنازلات بشأن القيم الفلسطينية الأساسية، واستعداد أميركي لفرض شروط اتفاق من هذا النوع، يشير الاستطلاع إلى أن سكان غزة سيواصلون القتال، على الأقل ما دامت الأقلية الملتزمة من المتحمسين ما تزال قادرة على إلهام الناس لمواجهة صعاب هائلة تفوق التصور سعياً إلى إزالة دولة إسرائيل من الوجود، وسيرد الإسرائيليون حتماً بقوة تدميرية لا تضاهى.
بعد شنها 15 شهراً من “الحرب الشاملة” وتحقيق عدد من أهدافها المادية المعلنة، قد تكون إسرائيل اليوم أبعد من أي وقت مضى عن إحلال الهدوء في غزة. ولا يعود ذلك فقط إلى فشل تل أبيب في تقديم أي استراتيجية سياسية أو خطة قابلة للتطبيق لمستقبل فلسطيني، ودفعها الفلسطينيين إلى مزيد من التطرف سعياً إلى الانتقام لمقتل أقاربهم ودمار منازلهم. (يظهر استطلاعنا وجود ارتباط مؤكد بين التعرض للتهجير العائلي، وتفضيل إنهاء النزاع عسكرياً لا دبلوماسياً). في الواقع يعود ذلك أيضاً إلى أن سكان غزة، على الأقل الأكثر التزاماً بينهم، يعتقدون أن هويتهم ومكانتهم في العالم أصبحتا مهددتين أكثر من أي وقت مضى: وهو شعور لا يختلف كثيراً عن ذاك الذي ألهم تأسيس الدولة اليهودية، وعزز الإرادة القتالية الشديدة لدى شعبها.
*سكوت أتران: الشريك المؤسس لـ”آرتيس إنترناشيونال”، وزميل باحث مميز في مركز “الطابع المتغير للحرب” بجامعة أكسفورد.
*أنخيل غوميز: زميل بارز في “آرتيس إنترناشيونال” وأستاذ علم النفس في الجامعة الوطنية للتعليم عن بعد في مدريد. المقال مترجم عن “فورين أفيرز”، حيث نشر في 14 شباط (فبراير) 2025.
قطاع السياحة في الأردن: حلول مقترحة لأبرز التحديات (2-2)* د. رعد محمود التل
يُعد القطاع السياحي أحد الخيارات الاستراتيجية التي يمكن أن تساهم بشكل كبير في النمو الاقتصادي، وتنويع الصادرات، واستحداث فرص العمل، وفي دراسة أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأردنية، الدكتور سعيد الطراونة، التي تناولت دور السياحة في الاقتصاد الأردني، تم تقييم تأثير السياحة على القطاعات الأخرى. أظهرت النتائج أن كل دينار يُنفق في السياحة يسهم في زيادة الناتج الاقتصادي بمقدار 1.55 دينار، وزيادة القيمة المضافة بـ 0.74 دينار، وخلق 0.069 فرصة عمل، وزيادة المستوردات بـ 0.22 دينار. لكن، عند مقارنة هذه النتائج مع دول أخرى مثل تركيا وتنزانيا ورومانيا، تبين أن دور السياحة في الاقتصاد الأردني ما يزال محدودًا. يعود ذلك إلى أن الإنفاق السياحي يتركز أساسًا في القطاع نفسه مع تأثير ضعيف على القطاعات الأخرى.
لاشك بأن العدوان على غزة قد أثَّر سلبًا على أداء السياحة في الأردن، فقد أظهر تقرير وزارة السياحة انخفاضًا في أعداد الزوار الأجانب، خصوصًا من أوروبا وأمريكا الشمالية. لكن تأثير الحرب على غزة لم يكن متساويًا عبر مختلف قطاعات السياحة، حيث تأثرت بعض المناطق والمنشآت بشكل أكبر من غيرها. فعلى سبيل المثال، كانت التأثيرات أكبر في المواقع السياحية مثل العقبة والبتراء ووادي رم ومادبا، بينما تأثرت المنشآت التي تعتمد على الزوار الأجانب، مثل وكالات السياحة والفنادق الفاخرة، بشكل ملحوظ. تأثير للحرب على غزة على السياحة الأجنبية، حيث انخفض عدد الزوار الأجانب في عام 2024 بحوالي 600 ألف زائر، مما أدى إلى فقدان 194 مليون دينار أردني من الدخل السياحي، بحسب تقرير وزارة السياحة.
وسط هذه التحديات لا بد من المسؤولين الرسميين عن القطاع اتخاذ خطوات عملية وفورية لمعالجة الأعباء المالية التي تواجه المستثمرين والعاملين في هذا القطاع. ومن أهم الحلول المقترحة في هذا السياق هي: أولًا: مقترحات لتخفيف الاعباء المالية، من المهم إعادة جدولة ديون المستثمرين في قطاع السياحة (خاصة التي ترتتب عليها خلال حرب غزة) من خلال منحهم فرصة لتعديل شروط القروض المستحقة، مع تمديد فترات السداد دون فرض فوائد إضافية أو غرامات تأخير. يمكن أن تساهم تخفيضات نسب الفائدة في تخفيف الآثار المالية الناتجة عن حرب غزة، فمن خلال خفض نسب الفائدة على القروض الخاصة بالمشاريع السياحية، وتقديم قروض مدعومة، وإنشاء برامج تمويل مدعومة أو مخفضة للمستثمرين في السياحة، يمكن إعادة تشغيل المنشآت السياحية وتحفيز الاستثمارات الجديدة.
ثانياً: مقترحات لتحفيز النشاط الاقتصادي السياحي، من الهم النظر بتخفيض ضريبة العبىء الضريبي على المستثمرين في السياحة مراعاة للظروف الحالية (ولو مؤقتاً- تخفيض النسبة المفروضة عليهم لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات مثلاً). والنظر بجدولة الضرائب المستحقة على المستثمرين دون فرض فوائد تأخير. يمكن أن يتم تقديم إعفاءات ضريبية جزئية أو كاملة على المبيعات والخدمات السياحية لفترة زمنية محددة لتحفيز النشاط الاقتصادي.
ثالثاً: مقترحات لتعزيز الاردن كوجهة سياحية، إن تعزيز جهود التسويق السياحي من خلال حملات ترويجية موجهة إلى أسواق جديدة، بما في ذلك عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعيسيكون له الاثر الكبير في جذب المزيد من السياح. ويمكن للمؤسسات السياحية والحكومة التعاون لإطلاق حملات دولية تبرز الوجهات السياحية الأردنية، بما في ذلك السياحة العلاجية والتعليمية، لجذب مزيد من الزوار من دول المنطقة والأسواق العالمية.
رابعاً: مقترحات إجرائية حكومية، من المهم جداً إنشاء صندوق طوارئ لدعم السياحة، لتخصيص دعم للمستثمرين والعاملين في هذا القطاع لتعويضهم عن الخسائر. كما يمكن إعفاء أو تخفيض رسوم المياه والكهرباء على المنشآت السياحية، أسوة بالمصانع، لضمان استمراريتها. يجب أن يتم تأجيل أي قرارات تؤدي إلى إغلاق المنشآت السياحية المتعثرة، ومنحها الفرصة لتصحيح أوضاعها بدلًا من إغلاق نشاطها نهائيًا.
رغم التحديات التي واجهها القطاع السياحي في الأردن نتيجة الأزمات الإقليمية، إلا أن التوجه نحو تعزيز السياحة الداخلية والسياحة العلاجية والتعليمية قد ساعد في التخفيف من حدة الأضرار. وهذا ما أكدت عليه رؤية التحديث الاقتصادي، فزيادة أعداد الزوار من دول الخليج والمغتربين الأردنيين أظهرت قدرة القطاع على التكيف مع الأوضاع الراهنة. ولكن، يبقى القطاع بحاجة إلى استراتيجيات طويلة المدى تدعم التنوع في مصادر السياحة وتحسن من البنية التحتية والخدمات لجذب المزيد من الزوار الأجانب. وبالتالي، لا تزال السياحة الأردنية قادرة على التعافي والنمو إذا تم التعامل مع التحديات بشكل مدروس.
رئيس قسم الاقتصاد – الجامعة الاردنية
عروبة الإخباري –
في الأول من مارس عام 1956، اتخذ الملك الحسين بن طلال، رحمه الله، قرارًا مفصليًا في تاريخ الأردن والمنطقة العربية، تمثل في تعريب قيادة الجيش العربي الأردني، وإعفاء الجنرال البريطاني (المعروف بـ”غلوب باشا”) من منصبه كقائد عام للجيش. شكّل هذا القرار لحظة فارقة في مسيرة الاستقلال الوطني الأردني، ورسّخ السيادة الكاملة للدولة على جيشها.
بعد استقلال الأردن رسميًا عام 1946، ظل النفوذ البريطاني حاضرًا في شؤون الدولة، خاصة في الجيش، حيث كان غلوب باشا يشغل منصب القائد العام منذ عام 1939. ورغم ما قدمه من خبرة عسكرية، إلا أن وجوده كان يمثل امتدادًا للسيطرة البريطانية على القوات المسلحة الأردنية، مما حدّ من قدرة القيادة الوطنية على اتخاذ قراراتها بشكل مستقل.
مع تصاعد الوعي القومي العربي في الخمسينيات، وشعور الملك الحسين بأهمية تمكين الضباط الأردنيين من قيادة جيشهم، جاء القرار الشجاع بتعريب قيادة الجيش، ليؤكد على الاستقلال العسكري والسياسي للأردن.
وقد شكّل تعريب قيادة الجيش خطوة حاسمة في تأكيد استقلال القرار الأردني، ووضع حدٍّ لأي تدخل خارجي في شؤون القوات المسلحة.
وفتح القرار المجال أمام الضباط الأردنيين لتولي مناصب قيادية عليا، مما عزز الشعور بالمسؤولية والانتماء الوطني، وأسهم في بناء جيش أكثر ارتباطًا بالهوية الوطنية.
وقد لاقى القرار ترحيبًا واسعًا في الأوساط العربية، إذ اعتُبر خطوة جريئة في مواجهة النفوذ الاستعماري، ورسالة واضحة بأن الأردن ماضٍ في تحقيق استقلاله التام.
الأول من آذار 1956: يومٌ سُطّر فيه قرار تاريخي بتعريب قيادة الجيش العربي* عليا العنبر
عروبة الإخباري –
في تاريخ الأمم والشعوب، هناك أيامٌ تبقى محفورة في الذاكرة، تُشكّل محطات مفصلية تعكس إرادة الشعوب وتُعبر عن تطلعاتها نحو الاستقلال والحرية. ومن بين هذه الأيام الخالدة، يأتي الأول من آذار عام 1956، اليوم الذي أعلن فيه جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، قرار تعريب قيادة الجيش العربي الأردني، منهياً بذلك عقودًا من الهيمنة الأجنبية على المؤسسة العسكرية الأردنية، ومؤسسًا لمرحلة جديدة من الاستقلال الوطني الكامل.
خلفية القرار: من الاستقلال السياسي إلى الاستقلال العسكري
تأسس الجيش العربي الأردني عام 1921، وكانت قيادته منذ نشأته تحت إشراف ضباط بريطانيين، وعلى رأسهم الجنرال جون باغوت كلوب (كلوب باشا)، الذي شغل منصب القائد العام للجيش العربي لمدة تقارب 25 عامًا. وعلى الرغم من حصول الأردن على استقلاله السياسي عام 1946، إلا أن بقاء قيادة الجيش في يد البريطانيين كان يمثل قيدًا على القرار الوطني المستقل.
كان الملك الحسين، الذي تولى سلطاته الدستورية عام 1953، مدركًا تمامًا أن السيادة الوطنية لا تكتمل إلا عندما تكون قيادة الجيش بأيدي أبناء الوطن. ومع تصاعد الوعي القومي وتزايد الضغوط الشعبية بضرورة إنهاء النفوذ البريطاني على الجيش، جاء القرار الجريء في عام 1956 ليُجسد طموحات الأردنيين في التحرر الكامل.
إعلان القرار وردود الفعل
في الأول من آذار 1956، أعلن جلالة الملك الحسين قرار تعريب قيادة الجيش العربي في خطاب تاريخي وجهه إلى الأمة، حيث قال:
“أحييكم أينما كنتم وحيثما وجدتم، ضباطًا وحرسًا وجنودًا، وأزفّ إليكم بشرى تعريب قيادة جيشنا العربي، الذي نعتز به ونفاخر الدنيا بأمجاده وبطولاته.”
لقد كان لهذا القرار أثر بالغ في الأردن وخارجه، فقد مثّل ضربة قوية للنفوذ البريطاني في المنطقة، ورسّخ سيادة الدولة الأردنية على مؤسساتها العسكرية، ما جعله واحدًا من أهم القرارات الاستراتيجية في تاريخ المملكة.
أسباب اتخاذ القرار
تعزيز السيادة الوطنية
ظل الجيش العربي الأردني مرتبطًا إداريًا وعسكريًا بالقيادة البريطانية لفترة طويلة، ما جعل اتخاذ القرارات العسكرية يخضع للتوجيهات الأجنبية، وهو أمر كان يتعارض مع مفهوم الاستقلال الكامل.
التأثيرات القومية والاستقلالية
مع صعود المد القومي العربي في الخمسينيات، وتنامي الشعور بضرورة التخلص من الهيمنة الاستعمارية، أصبح مطلب تعريب قيادة الجيش ضرورة وطنية تواكب المرحلة التاريخية التي تمر بها الأمة العربية.
التحديات الإقليمية
كانت منطقة الشرق الأوسط تعيش ظروفًا سياسية حساسة، خاصة مع تصاعد الصراع العربي-الإسرائيلي ووجود قواعد عسكرية بريطانية في المنطقة. وكان من الضروري أن يكون القرار العسكري الأردني مستقلًا لحماية الأمن القومي.
رؤية الملك الحسين الثاقبة
كان الملك الحسين مدركًا أن بناء دولة قوية يتطلب جيشًا وطنيًا مستقلًا في قراراته، وهو ما دفعه لاتخاذ هذا القرار رغم كل الضغوط التي واجهها من بريطانيا.
الضغوط والتحديات التي واجهت القرار
لم يكن قرار التعريب خطوة سهلة، فقد واجه معارضة شديدة من بريطانيا التي رأت فيه تحديًا مباشرًا لنفوذها في الأردن والمنطقة. كما كانت هناك مخاوف من تداعيات القرار على العلاقات الأردنية-البريطانية، خاصة أن بريطانيا كانت تقدم مساعدات مالية وعسكرية للأردن.
إلا أن الملك الحسين أظهر شجاعة وإصرارًا، وعمل بحكمة على احتواء الموقف داخليًا وخارجيًا، مؤكدًا أن القرار نابع من **إرادة وطنية مستقلة** وليس موجّهًا ضد أي جهة بعينها.
آثار القرار على الأردن والمنطقة
توطيد الاستقلال الوطني
شكّل تعريب قيادة الجيش الخطوة النهائية نحو الاستقلال التام، حيث أصبحت جميع مؤسسات الدولة الأردنية تحت سيطرة القيادة الوطنية، مما عزّز سيادة الأردن.
تطوير القوات المسلحة الأردنية
بعد التعريب، بدأت مرحلة جديدة من بناء الجيش على أسس حديثة، حيث تولى الضباط الأردنيون مسؤولياتهم القيادية، وتم التركيز على التدريب والتحديث، ما جعل القوات المسلحة الأردنية من أقوى الجيوش العربية وأكثرها كفاءة.
تعزيز الهوية الوطنية
أعاد القرار الثقة للضباط والجنود الأردنيين، الذين أصبحوا مسؤولين بشكل كامل عن الدفاع عن وطنهم، مما عزّز الروح الوطنية والانتماء لدى أفراد الجيش والشعب.
انعكاسات على المستوى العربي
ألهم القرار الأردني العديد من الدول العربية التي كانت لا تزال تحت النفوذ الأجنبي، مما عزز موجة التحرر الوطني في المنطقة.
الجيش العربي الأردني بعد التعريب: مسيرة بناء وتطوير
بعد مرور عقود على قرار التعريب، أصبح الجيش العربي الأردني نموذجًا في الاحترافية والانضباط. وقد شهد تطورًا كبيرًا على صعيد التسليح والتدريب، كما لعب دورًا محوريًا في حفظ الأمن والاستقرار، ليس فقط داخل الأردن، بل أيضًا في عمليات حفظ السلام الدولية.
ومنذ ذلك الحين، شارك الجيش الأردني في العديد من المهام الوطنية والإقليمية والدولية، وساهم في حماية حدود المملكة، والتصدي للأخطار التي تواجه الأمن القومي، كما برز بدوره الإنساني في تقديم المساعدات وإغاثة الشعوب المنكوبة.
إرث القرار وإرادة الاستقلال
يُعتبر الأول من آذار 1956 يومًا مجيدًا في تاريخ الأردن، حيث جسّد قرار تعريب قيادة الجيش العربي شجاعة الملك الحسين وحكمته، وإصراره على تحقيق السيادة الوطنية الكاملة. لقد كان هذا القرار تتويجًا لمسيرة الاستقلال الأردني، وأسّس لجيش قوي قادر على حماية الوطن وصون مقدراته.
واليوم، لا يزال الجيش العربي الأردني يواصل مسيرته في ظل قيادة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، مستندًا إلى إرث من العزة والكرامة، ليبقى كما كان دائمًا، درع الوطن وسيفه، وحامي أمنه واستقراره.