تقف منطقة ماركا، شاهد عصر على ولادة الصناعة الأردنية، منذ فجر الاستقلال المجيد، حتى غدت نموذجا وطنيا في مسيرة المملكة الاقتصادية، يقودها اليوم الجيل الثالث والرابع من الصناع، متسلحين بإرث ومخزون كبير من خبرات الأجداد والآباء، والمعرفة والعلم والتكنولوجيا الحديثة.
وتعد منطقة ماركا أم الصناعة الأردنية والقلب النابض، لمناطق شرق عمان الصناعية، التي باتت تتبع لها، حيث تم تأسيس أول مصنع فيها منذ خمسينيات القرن الماضي واكب مسيرة البناء التي بدأها الأردن بقيادته الهاشمية وأبنائه المخلصين.
ومن منشآت صغيرة، نمت شركات منطقة شرق عمان الصناعية لتصبح مجمعات صناعية ضخمة تشغل مئات الآف من الأيدي العاملة المحلية وتنتج مئات السلع ذات الطابع الاستهلاكي اليومي سنويا وتغطي احتياجات السوق المحلية، وتصدّر لأسواق خارجية.
وفي ظل الأمن والاستقرار والرعاية الملكية السامية، ترعرعت الصناعة الأردنية في شرق عمان، وتطورت معاول الإنتاج لدى الصناعيين الذين حفروا بالصخر لبناء صناعة محلية تحقق الاعتماد على الذات، وتحول التحديات والصعوبات إلى فرص حقيقية، رغم شح الإمكانيات والموارد.
وتتميز منطقة شرق عمان الصناعية، اليوم بتنوع القطاعات الصناعية المتواجدة بها والتي تتوزع على الطباعة والتعبئة والتغليف وصناعات بلاستيكية وكيماوية وغذائية وإنشائية وخشبية وألبسة ومنسوجات، بالإضافة إلى الصناعات الهندسية المختلفة، بحجم استثمارات تقدر بمئات الملايين؛ مما يعكس الثقة العالية بالبيئة الصناعية والبنية التحتية المهيأة لاستقطاب وتنمية الأعمال.
وقال رئيس جمعية مستثمري شرق عمان الصناعية الدكتور إياد أبو حلتم لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إن القطاع الصناعي في منطقة شرق عمان يُجسد عملياً مفاهيم الاستقلال الاقتصادي والسيادة الوطنية على الموارد “فكل منشأة صناعية تُنتج وتُوظف وتُصدّر، هي رواية استقلال، ومصنع أمل، وقصة نجاح أردنية”.
وأضاف أن ذكرى الاستقلال المجيد تدفعنا نحن الصناعيين للمزيد من العمل والإنتاج وتجاوز الظروف والصعوبات للنهوض بالاقتصاد الوطني ودفع عجلة النمو من خلال تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي، مؤكدا أن الصناعة الأردنية قادرة على تلبية احتياجات المملكة من السلع والمنتجات وتصدير الفائض.
وعبر الدكتور أبو حلتم عن فخره واعتزازه بمناسبة الاستقلال، مستذكرا الإنجازات التي تحققت عبر مسيرة وطنية حافلة بالجهد والعطاء والانتماء لتراب الوطن وقيادته الهاشمية الحكيمة التي انطلقت منذ بواكير نيل الاستقلال المجيد وتواصلت على مر العقود الماضية بالتطور والتقدم حتى غدا الأردن بلدا عصريا ذا مكانة عالية بالعالم، ومستقرا للأعمال والتجارة.
وأكد أن جلالة الملك عبد الله الثاني، ومنذ تسلمه سلطاته الدستورية، كان الداعم الأول للقطاع الصناعي، ووجّه باستمرار لتوفير التسهيلات والحوافز للمستثمرين، وركز في خطابات العرش الملكي على أهمية الاعتماد على الذات، والتوسع في الإنتاج، وتحفيز الابتكار الصناعي، وتوفير بيئة تنظيمية مرنة.
وأشار إلى أن القطاع الصناعي يشكل ربع الاقتصاد الوطني، ويمتلك قدرات إنتاجية ضخمة، تصل الى نحو 17 مليار دينار، من خلال إنتاج ما يزيد على 1500 سلعة متنوعة من مختلف الأنشطة والقطاعات الصناعية الفرعية، تستحوذ على ما نسبته 45 بالمئة من إجمالي حصة استهلاك السوق المحلية.
وبين الدكتور أبو حلتم أن منطقة ماركا الصناعية كانت شاهدا على التحول التدريجي في أسلوب الإنتاج الصناعي بالمملكة، من الحرف البسيطة إلى الصناعات المتقدمة، حيث برزت فيها قطاعات الصناعات البلاستيكية والمعدنية والنسيجية والجلدية والبطاريات والأسلاك والغذائية والدوائية والإنشائية والكهربائية.
وحسب رئيس الجمعية يبلغ عدد المنشآت الصناعية العاملة في شرق عمان الصناعية 1900 منشأة، تشغل ما يقارب 35 ألف عامل وعاملة غالبيتهم من الأيدي العاملة المحلية، بينما تغطي المنشآت مساحات واسعة، محورها الرئيسي منطقة ماركا الصناعية وتمتد لمناطق الحزام الدائري وصولاً إلى مناطق القويسمة والجويدة وأبو علندا الصناعية ومناطق أحد والعبدلي وطارق.
ولفت إلى أن المنشآت العاملة بمنطقة شرق عمان الصناعية لا تقتصر على الإنتاج المحلي، بل تتوسع نحو التصدير، حيث تسهم بشكل مباشر في الناتج المحلي الإجمالي، وتُغذي السوق المحلية بمنتجات ذات جودة عالية، وتفتح أبواب التوظيف والتدريب المستمر أمام الشباب ضمن بيئة داعمة للنمو والتطوير.
وأشار إلى أن صادرات منطقة شرق عمان الصناعية بلغت العام الماضي 255 مليون دينار توزعت على مجموعة متنوعة من القطاعات الصناعية، ما يعكس ثراء القاعدة الإنتاجية في المنطقة ومرونتها في الاستجابة لمتطلبات الأسواق المحلية والخارجية.
وذكر الدكتور أبو حلتم إن هذه الأرقام تؤكد أن منطقة شرق عمان الصناعية تتمتع بتنوع صناعي واسع، وتسهم بشكل فعّال في دعم الاقتصاد الوطني وتوليد فرص العمل للأردنيين وأبناء المنطقة، إلى جانب تعزيز الصادرات الأردنية نحو أسواق متعددة.
وبين أن جمعية مستثمري شرق عمان الصناعية تأسست عام 2010، بهدف تعزيز تنافسية الشركات الصناعية والتمثيل لدى الجهات الرسمية وتوفير الترابطات الصناعية وترويج المنتجات وفتح أسواق تصدرية جديدة بالإضافة إلى تأمين الشركات الصناعية بالأيدي العاملة المؤهلة والمدربة، ودعم المجتمع المحلي.
وأكد أن الجمعية تعمل على تطوير الموارد البشرية، آخذة على عاتقها تقديم الخدمات المتنوعة الشاملة للشركات الصناعية الأعضاء والشركات المتواجدة في مناطق شرق عمان الصناعية، من حيث تقديم الدعم، والاستشارات، والتدريب وتطوير الموارد البشرية ورفع كفاءة العاملين، لافتا إلى أن وحدة دعم التشغيل بالجمعية أسهمت في تدريب أكثر من الفي متدرب ومتدربة، ووفرت ما يقارب 4 الآلف فرصة عمل فعلية بالمصانع.
وشدد الدكتور أبو حلتم أن مناطق شرق عمان الصناعية ستبقى حاضنة للفرص ومحطة للإنجاز وجزءاً لا يتجزأ من رواية الأردن الحديث في ظل القيادة الهاشمية الحكيمة، مستشهدا بما يؤكده دائما جلالة الملك أن الصناعة الوطنية تمثل خط الدفاع الأول عن الاقتصاد الوطني، وأن تمكين المصانع الأردنية يعني خلق فرص عمل، وزيادة الصادرات، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي.
–(بترا)
news
ينسج قطاع الصناعات الجلدية والمحيكات، قصة تجسد روح الاعتماد على الذات، في خيوط استثنائية، تعتلي صدارة التصدير والإنتاج الوطني.
ويصطف القطاع، شاهداً على قصة تحويل الخيط إلى رافعة اقتصادية، كنموذج رائد للتحول والابتكار، نحو اقتصاد مستدام، مستثمراً في الأيدي العاملة الوطنية، لا سيما الشباب والمرأة، ممكناً في المحافظات والفروع الإنتاجية، والمناطق الصناعية في عموم المملكة.
وقال ممثل قطاع الصناعات الجلدية والمحيكات في غرفة صناعة الأردن، المهندس إيهاب قادري، إن القطاع من الصناعات الوطنية التي تتربع في صدارة التصدير والإنتاج؛ بفضل الإرادة السياسية الداعمة والإصلاحات الاقتصادية المتواصلة.
وأضاف قادري في تصريح لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إن القطاع أصبح أحد الركائز الرئيسة للصناعة الأردنية؛ إذ يحتل المرتبة الأولى في قائمة الصناعات التحويلية التصديرية، فتجاوزت قيمة صادراته 2.5 مليار دولار أميركي في عام 2024، مشكّلة ما نسبته 26 بالمئة من إجمالي الصادرات الصناعية، إلى جانب إنتاج كلي بلغ أكثر من 3.2 مليار دولار.
وأشار إلى أن الأردن يعد اليوم، بفضل هذه الصناعة؛ قاعدة صناعية إستراتيجية لتصدير المنتجات إلى الأسواق العالمية، لا سيما الولايات المتحدة، في إطار اتفاقيات التجارة الحرة التي عقدتها المملكة.
ولفت إلى أنه يندرج ضمن المحركات الأساسية لرؤية التحديث الاقتصادي التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني عام 2022، والهادفة إلى رفع إسهام الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي، وتوليد مئات الآلاف من فرص العمل النوعية بحلول عام 2033.
وأكد سعي شركات القطاع حاليًا إلى التحوّل نحو صناعات ذات قيمة مضافة أعلى، من خلال تعزيز التصميم، والابتكار، وتطوير العلامات التجارية الوطنية، بالإضافة إلى التوجه نحو إنتاج مستدام يراعي الأبعاد البيئية والاجتماعية.
وفي إطار الشراكات، أشار قادري إلى توقيع مذكرة تفاهم مع مؤسسة التمويل الدولية (IFC)، تهدف إلى رفع الإنتاجية، وتبني تقنيات تصنيع متقدمة، من خلال إنشاء تجمّع عنقودي يشمل الصناعات التكميلية، الأفقية منها والعمودية، بما يسهم في تمكين المنشآت العاملة في القطاع، خصوصًا الصغيرة والمتوسطة.
وأوضح أن هذه الشراكة تشمل مبادرات لبناء القدرات المؤسسية، وتطوير سلاسل القيمة، وتعزيز الامتثال للمعايير الدولية، بما يعزز من مكانة الأردن كمركز إقليمي لصناعات النسيج والجلود المتقدمة.
ويعد القطاع بحسب قادري، صناعة تقود التنمية البشرية؛ إذ يوفر أكثر من 90 ألف فرصة عمل مباشرة، وتُشكل النساء أكثر من 67 بالمئة من القوى العاملة فيه؛ ما يجعله من أكثر القطاعات دعمًا لتمكين المرأة اقتصاديًا، خاصةً في المحافظات والفروع الإنتاجية والمناطق الصناعية المنتشرة في مختلف أنحاء المملكة.
كما يستقطب القطاع، الشباب الأردني من خلال برامج تدريب وتوظيف متخصصة، تسهم في تمكينهم اقتصاديًا ورفع مهاراتهم بما يتلاءم مع متطلبات سوق العمل الحديث، بحسب قادري.
وأوضح أنه وتماشيًا مع الاتجاه العالمي نحو الاقتصاد الأخضر، تتبنى كبرى المصانع الأردنية في هذا القطاع معايير الاستدامة البيئية والاجتماعية، بما في ذلك استخدام الطاقة الشمسية، وتقنيات معالجة المياه، والالتزام بممارسات الإنتاج المسؤول؛ مما عزز من قدرة المنتج الأردني على المنافسة في الأسواق الأوروبية والأميركية.
وأكد أن قطاع الصناعات الجلدية والمحيكات، يعد نموذجًا حيًا لتكامل الرؤية الاقتصادية الوطنية مع التمكين المجتمعي، والتعاون الدولي، والابتكار الصناعي. وفي عيد الاستقلال الـ79، تؤكد هذه الصناعة أن الاستقلال ليس فقط مناسبة وطنية، بل حافز دائم لمواصلة البناء، وتحقيق الاعتماد على الذات، وترجمة رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني نحو مستقبل مشرق مزدهر للأردن.