يتّسع الانقسام داخل الاقتصاد الأميركي، إذ تُظهر كبرى البنوك وشركات التكنولوجيا مرونة كبيرة في مواجهة الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب، محققةً أرباحاً ضخمة في الربع الثاني، بينما تعاني الشركات المعنية بالمستهلكين من ضغوط ارتفاع التكاليف.
فقد كشفت نتائج أعمال شركات التكنولوجيا العملاقة —مثل «آبل» و«ميتا» و«مايكروسوفت»— بالإضافة إلى بنوك «جي بي مورغان» و«غولدمان ساكس» التي تتصدر مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، عن أداء قوي يعكس ازدهاراً اقتصادياً واسعاً، في تأييد ضمني لتصريحات الرئيس هذا الأسبوع التي قال فيها إن «أميركا هي الدولة الأكثر ازدهاراً في العالم حالياً».
لكن تحت هذا السطح المتوهّج، تواجه قطاعات واسعة من الشركات الأميركية تباطؤاً في الأرباح وتقلّبات حادة نتيجة الحرب التجارية التي أطلقها ترامب.
وبحسب بيانات «فاكت ست»، فإن أرباح شركات السلع الاستهلاكية الأساسية وشركات المواد الخام —ومع اقتراب إعلان نتائج ثلثي شركات مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»— قد تراجعت بنسبة 0.1% و5% على التوالي مقارنةً بالعام الماضي.
ووفقاً لتقرير «سوسيتيه جنرال»، فإن 52% من الشركات التي أعلنت نتائجها حتى الآن سجّلت انخفاضاً في هوامش الربح.
وقال أندرو لابثورن، رئيس قسم الأبحاث الكمية في البنك: «تشير البيانات إلى أن الشركات تتعرض لضغوط على هوامش أرباحها رغم نمو المبيعات».
وأضاف: «هذا التباين يدل على أن التكاليف آخذة في الارتفاع، لكن الشركات لم تبدأ بعد في تمريرها إلى المستهلكين».
تباطؤ النمو الأميركي خارج وول ستريت
تُشكّل أكبر عشر شركات في مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» ما يقرب من ثلث إجمالي أرباح الشركات المدرجة على المؤشر، حيث سجّلت قطاعات التكنولوجيا والخدمات المالية نمواً سنوياً في الأرباح الفصلية بلغ 41% و12.8% على التوالي.
لكن سلسلة من البيانات التي نُشرت خلال النصف الثاني من هذا الأسبوع تشير إلى تباطؤ النمو الاقتصادي الأميركي خارج وول ستريت ووادي السيليكون، رغم قرار رئيس الفدرالي، جاي باول، الإبقاء على معدلات الفائدة دون تغيير بين 4.25% و4.5% يوم الأربعاء، في ضوء ما يبدو من صمود الاقتصاد أمام موجة الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب.
وقد عزّزت بيانات صدرت يوم الجمعة من حُجّة ترامب بأن باول «بطيء جداً» في خفض الفائدة؛ إذ أعلن مكتب إحصاءات العمل أن أكبر اقتصاد في العالم أضاف فقط 106 آلاف وظيفة خلال الفترة من مايو أيار إلى يوليو تموز، مقارنةً بـ380 ألف وظيفة خلال الأشهر الثلاثة السابقة.
كما أظهر تقرير الناتج المحلي الإجمالي الصادر الأربعاء أن الاقتصاد الأميركي نما بمعدل سنوي قدره 1.1% خلال النصف الأول من عام 2025، مقابل 2.9% خلال النصف الثاني من العام الماضي، وفقاً لحسابات «فايننشال تايمز».
شركات السلع المعمّرة والنقل تتكبد أكبر الخسائر وسط تصاعد الرسوم الجمركية
قال راين غرابينسكي من شركة «ستراتيغاس سيكيوريتيز» إن شركات صناعة السيارات، وخطوط الطيران، والمصانع المنتجة للسلع المعمّرة مثل الثلاجات والغسالات، كانت بالفعل تحت ضغوط كبيرة، وقد سجّلت أكبر مراجعات هبوطية لصافي الدخل المتوقع خلال العام الجاري.
وأضاف: «هذا ليس مفاجئاً بالنظر إلى ارتباط هذه الشركات المباشر بالرسوم الجمركية».
من جانبه، أشار جون باترز من «فاكت ست» إلى أن الشركات التي فاجأت الأسواق بنتائج سلبية كانت تتعرض لعقاب فوري من المستثمرين، حيث هبطت أسهمها بمتوسط 5.6% خلال الأيام الأربعة المحيطة بإعلان النتائج، مقارنة بمتوسط تراجع يبلغ 2.4% فقط للشركات التي تخفق عادة في تحقيق التوقعات خلال السنوات الخمس الماضية.
وكان الرئيس دونالد ترامب قد رفع يوم الجمعة معدل الرسوم الجمركية الفعلي في أميركا إلى أعلى مستوى له منذ عقود، بفرضه تعريفات جمركية جديدة على دول مثل تايوان وكندا وسويسرا والهند وغيرها.
ورغم هذا التصعيد، فقد تجاوزت شركات التكنولوجيا الكبرى توقعات المحللين بأريحية؛ إذ أعلنت «مايكروسوفت» الأسبوع الماضي عن ارتفاع أرباحها الفصلية بنسبة 25%، فيما سجلت «ميتا» زيادة بنسبة 36% في صافي الدخل.
قال ديفيد ستَبز، كبير استراتيجيي الاستثمار في شركة «ألفا كور» لإدارة الأصول، إن «شركات التكنولوجيا الكبرى سجلت موسماً آخر قوياً من الأرباح، وسط تركيز المستثمرين المتفائلين على نمو الإنفاق الرأسمالي في مجال الذكاء الاصطناعي».
وأضاف: «في المقابل، بدأت آثار الرسوم الجمركية تُظهر نتائجها السلبية بوضوح»، مشيراً إلى الخسارة الفصلية المفاجئة لشركة «فورد»، والتي تعود جزئياً إلى تأثير الرسوم التي فرضها الرئيس ترامب، والتي كلّفت الشركة نحو 800 مليون دولار.
وتابع ستَبز: «الأمل حالياً معقود على أن تواصل استثمارات الذكاء الاصطناعي دعم الاقتصاد، لكن من المهم الاعتراف بأن بعض الرياح الداعمة —مثل الهجرة المرتفعة والإنفاق المالي الموسّع— قد استُنفدت».