Home Uncategorizedالسياحة من أجل التنمية الإنسانية

السياحة من أجل التنمية الإنسانية

by sadmin

اسواق جو – تفتح زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى اليابان صفحة جديدة في سجل العلاقات الأردنية–اليابانية، صفحة تكتب بلغةٍ مختلفة عنوانها «السياحة من أجل التنمية الإنسانية». في زمنٍ تتسارع فيه التحولات الاقتصادية والتكنولوجية، وتعيد فيه الدول تعريف أولوياتها، تأتي هذه الزيارة لترسخ فكرة أن السياحة قد أصبحت أحد أعمدة التفاهم الثقافي والاقتصادي بين الأمم. اليابان تدرك أن الأردن بوابةٌ إلى ذاكرة البشرية، والأردن يدرك أن اليابان شريك في التمويل، وفي الفلسفة التي ترى في الجمال وسيلةً لصناعة التقدم.
تكتسب هذه الشراكة معناها من توازنٍ دقيق بين الأصالة والتكنولوجيا، بين التاريخ والابتكار، وهو توازن يتجلى في رؤية جلالة الملك الذي طالما نظر إلى السياحة باعتبارها ثقافة وطنية قبل أن تكون صناعة اقتصادية. هذه الرؤية التي وضعت الإنسان في مركز المشهد السياحي، السائح، والمواطن الذي يحمل إرث المكان ويعيد تقديمه للعالم بلغةٍ معاصرة. ومن هنا فإن إدراج التحول الرقمي للسياحة ضمن بنود القرض الياباني الأخير هو إيمان متبادل بأنّ السياحة الحديثة لا تقوم من دون عقلٍ رقمي، وإدارةٍ واعية، وبيئةٍ مستدامة.
اليابان بما تمتلكه من تجربةٍ مذهلة في إدارة الوجهات التراثية والثقافية، ومن قدرة على تحويل المواقع التاريخية إلى فضاءاتٍ تعليمية وتفاعلية، تمثل نموذجًا يمكن للأردن أن يستلهم منه أساليب جديدة في تسويق تراثه الغني الممتد من البتراء إلى جرش، ومن قلاع الشوبك والكرك إلى قصور الصحراء.
تفتح زيارة الملك إلى طوكيو أفقًا سياحيًا رحبًا من نوعٍ جديد؛ سياحةٌ قائمة على المعرفة والتجربة الإنسانية، لا على الترفيه وحده. فالاتفاقات التي شملت مجالات التنمية البشرية والتحول الرقمي والتعليم السياحي تحمل في طيّاتها مشروعًا لبناء جيلٍ من الكوادر الأردنية القادرة على إدارة الوجهات بأسلوبٍ علميٍّ متكامل، وعلى استخدام التقنيات الحديثة في التسويق والإحصاء وتحليل سلوك الزوار. إنها نقلة من السياحة بوصفها منتجًا إلى السياحة بوصفها لغة تواصل بين الشعوب.
أما العائد المشترك فيتجاوز الأرقام. فاليابان، التي تنظر إلى الشرق الأوسط بعين الحذر الاقتصادي والاستقرار السياسي، تجد في الأردن شريكًا موثوقًا يؤمن بالحوار والاعتدال، وبقيمة الجمال كأداة للتفاهم الحضاري. والأردن، الذي يسعى إلى تنويع اقتصاده وتعزيز موارده، يرى في اليابان بوابة لأسواقٍ جديدة، ومصدرًا للتكنولوجيا والاستثمار السياحي الذكي. إن تبادل الخبرات بين البلدين في مجالات النقل العام، وإدارة الكثافة السياحية، وحماية البيئة، يشكل بنية تحتية لعلاقةٍ تتسع كل يوم لمزيدٍ من الثقة.
في السياحة كما في التعليم، يحمل الملك عبدالله الثاني فلسفة واضحة: أن التنمية الحقيقية هي تلك التي تُمكّن الإنسان وتُحرر طاقاته. من هنا فإنّ الشراكة مع اليابان مشروعٍ أخلاقي ومعرفي يعيد صياغة علاقة الإنسان بالمكان. فحين يتقاطع احترام الياباني للمكان مع حسّ الأردني بالتاريخ، تنشأ لغة جديدة للسياحة عنوانها الوعي بالزمان والذاكرة. ومن هذه اللغة يمكن للأردن أن يقدّم للعالم نموذجًا مختلفًا عن السياحة السريعة الخالية من الروح، نموذجًا يستعيد الصلة بين المسافر والمعنى.
الرؤية الملكية تنظر إلى المستقبل من زاويةٍ شمولية؛ فالسياحة في فلسفتها حقل يلتقي فيه الاقتصاد بالثقافة وبالتعليم وبالتكنولوجيا. لذلك فإن تعزيز التعاون الأردني–الياباني في هذا المجال توسيع في الأسواق، وتأسيس لنمطٍ جديد من الدبلوماسية الثقافية، تُستخدم فيه السياحة كأداةٍ للحوار بين الشعوب، وكجسرٍ للسلام عبر الجمال والمعرفة.
وحين تُترجم هذه الرؤية إلى مشاريع ملموسة، كإنشاء منصات رقمية للمواقع الأثرية، وبرامج تدريب متخصصة في إدارة الوجهات، وتبادلٍ في الخبرات المتحفية والترميم، فإن الأثر لن يقتصر على السائح، وسيمتد إلى المجتمع المحلي الذي يتحوّل من متلقٍ إلى شريكٍ في صناعة الصورة الوطنية. إنها التنمية التي تُعيد للإنسان مكانته في قلب المشروع السياحي، وتجعل من حماية التراث فعلًا اقتصاديًا وثقافيًا في الوقت نفسه.
بهذه الرؤية، يُكرّس جلالة الملك عبدالله الثاني مفهومًا جديدًا للسياحة الوطنية، يجعلها مرآةً للهوية الأردنية، وجسرًا للمعرفة بين الشرق والشرق الأقصى، ويُعيد للأردن موقعه الطبيعي كمحطةٍ مضيئة على طريق الحضارات. إنها شراكة تستحق التثمين لأنها تنحاز إلى الإنسان، وتستثمر في الوعي، وتمنح الجمال دورًا في صناعة المستقبل.

You may also like