أسواق جو
يرى خبراء أن قانون الغاز الجديد الذي أقرته الحكومة أخيرا، قد يشكل نقطة تحول إستراتيجية في قطاع الطاقة الأردني، في وقت تشير فيه الأرقام إلى أن استخدام الغاز الطبيعي يوفر 35 % من كلف الطاقة في حال استخدامه بدلا من الديزل و50 % مقارنة بالوقود الثقيل.
وأكد الخبراء أن التشريع الجديد يفتح الباب أمام اعتماد منظومة متكاملة تشمل النقل والتوزيع والتخزين، وتوفير فرص عمل جديدة، وتحقق النمو الاقتصادي شريطة تفادي الوقوع بأخطاء تنظيمية سابقة.
وكان مجلس الوزراء أقرّ أخيرا مشروع قانون الغاز لسنة 2025 تمهيدا لإحالته إلى مجلس النواب لإقراره وفق الأصول الدستورية.
وبحسب الحكومة، يشكّل هذا المشروع إطارا تشريعيا عصريا ينظم أنشطة قطاع الغاز ومشتقات الهيدروجين، ويعزز البنية التحتية للطاقة في المملكة، بمرونة تشريعية تشمل الغاز الطبيعي، والغاز الحيوي، والبيوميثان، والهيدروجين، لمواكبة التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة.
ويغطي القانون أنشطة الاستيراد والنقل والتوزيع والتخزين والبيع، ويتيح الاستخدام المشترك أو الذاتي للمرافق.
كما يهدف القانون بحسب الحكومة إلى تشجيع الاستثمار عبر بيئة تنظيمية واضحة وإجراءات ترخيص ميسّرة تشمل جميع مراحل المشاريع، مع تعزيز التحول للغاز الطبيعي، وتوفير آليات عادلة لاحتساب البدلات، ومنح المرخص لهم حرية إبرام اتفاقيات استثمار ضمن بيئة تنافسية شفافة.
ويستهلك الأردن نحو 350 مليون قدم مكعب يوميا من الغاز الطبيعي، إذ يستخدم بشكل رئيس في توليد الكهرباء ثم الاستخدامات الصناعية المباشرة (أسمنت، أسمدة/فوسفات، بوتاس، وغيرها) بالإضافة إلى استخدامات محدودة أخرى (مثل شبكات توزيع صناعية/تجارية، مع بقاء الاستهلاك المنزلي معتمدا أساسا على الغاز البترولي المسال.
ووفقا لأرقام وزارة الطاقة والثروة المعدنية، بلغ إنتاج الأردن من الغاز الطبيعي العام الماضي نحو 152.5 ألف طن مكافئ نفط مقارنة مع 153 ألف طن مكافئ نفط العام الذي سبقه وفقا لآخر أرقام صادرة عن وزارة الطاقة، في المقابل بلغ حجم مستوردات الأردن من الغاز الطبيعي العام الماضي 3085.4 ألف طن مكافئ نفط بحسب أرقام وزارة الطاقة والثروة المعدنية، مقارمة مع 2885.7 ألف طن مكافئ نفط علام 2023.
ويستورد الأردن الغاز بشكل رئيس من الاحتلال الإسرائيلي (حقل ليفياثان)، فيما تغطى الفجوة المتبقية من الغاز المصري عبر خط الغاز العربي أو الغاز الطبيعي المُسال عبر العقبة بحسب الحاجة.
وتشير الخطة الإستراتيجية الشاملة لقطاع الطاقة للأعوام (2020-2030) إلى توسيع استخدام الغاز الطبيعي في القطاعات كافة وعلى رأسها القطاع الصناعي.
الغاز الطبيعي.. خيار إستراتيجي لمستقبل الطاقة
وفي هذا السياق، قال المدير الأسبق لشركة الكهرباء الوطنية، م.عبدالفتاح الدرادكة “إن الغاز الطبيعي يعد أحد أهم مصادر الطاقة الحديثة وأكثرها كفاءة، خاصة في مجالي توليد الكهرباء والصناعة، نظرا لارتفاع كفاءته التشغيلية مقارنة بأنواع الوقود الأخرى مثل النفط والديزل، وانخفاض انبعاثاته الكربونية نسبيا، ما يجعله خيارا صديقا للبيئة وداعما للانتقال نحو طاقة أنظف”.
وأضاف الدرادكة، أنه منذ دخول الغاز الطبيعي إلى منظومة توليد الكهرباء في الأردن عام 2004، أدى دورا محوريا في خفض تكاليف التشغيل وتحسين موثوقية الشبكة الكهربائية، غير أن التجربة العملية أثبتت حساسية الاعتماد عليه، كما حدث عند انقطاع الغاز المصري، حيث تكبّدت شركة الكهرباء الوطنية خسائر تجاوزت خمسة مليارات دينار نتيجة اللجوء إلى وقود بديل مرتفع الكلفة، وهو ما عزز القناعة بأهمية تأمين مصادر غاز مستقرة ومتنوعة”.
وفي ضوء الاكتشافات الأخيرة في حقل الريشة ووجود احتياطات مبشّرة، أشار الدرادكة إلى الحاجة الماسة لتنظيم الاستفادة من الموارد الغازية المحلية عبر وضع خطط إستراتيجية ومعايير واضحة توازن بين الاستهلاك المحلي والتخزين أو التصدير المحتمل، خاصة مع تزايد الطلب على الغاز لتوليد الكهرباء والصناعة، واقتراب انتهاء اتفاقية التزويد الحالية من البحر المتوسط.
ولفت إلى أن أهمية الغاز لا تقتصر على المصادر التقليدية، بل تمتد إلى الغاز الحيوي المنتج من معالجة النفايات والكتلة الحيوية، فضلا عن الهيدروجين الأخضر الناتج عن استغلال الطاقة الشمسية والرياح، الذي يمثل رافدا إستراتيجيا لمستقبل الطاقة، ويمكن أن يحوّل الأردن إلى مركز إقليمي لإنتاج وتصدير الهيدروجين.
وأكد الدرادكة أن هذه التطورات تفرض ضرورة قيام التشريعات الوطنية برسم الأفق القانوني والأطر التنظيمية التي تضمن الاستغلال الأمثل للغاز ومشتقاته، مع تحديد أولويات الاستهلاك المحلي، وتشجيع الاستثمار في البنية التحتية للغاز والهيدروجين، وتعزيز الشراكات الإقليمية لتأمين مصادر تزويد متعددة ومستدامة، ولأجل ذلك تم إعداد مقترح قانون الغاز الذي وافق عليه مجلس الوزراء تمهيدا للسير به ضمن الأطر الدستورية.
وتبرز أهمية القانون في هذه المرحلة انطلاقا من حقيقة أن الغاز الطبيعي، بمصادره التقليدية والجديدة، لم يعد مجرد خيار اقتصادي، بل أصبح عنصرا إستراتيجيا لأمن الطاقة الوطني والصناعي.
ومع توفر فرص الاستكشاف والإنتاج المحلي، إضافة إلى إمكانيات إنتاج الغاز الحيوي والهيدروجين، فإن حسن التخطيط والاستغلال الأمثل لهذه الموارد سيحدد مدى قدرة الأردن على تحقيق أمن التزويد وتنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الاستيراد في العقود المقبلة.
القانون الجديد يخفض التكاليف ويوفر فرص استثمار ضخمة
من جهته، قال رئيس جمعية مستثمري شرق عمان الصناعية، د.إياد أبو حلتم “استنادا إلى رؤية التحديث الاقتصادي التي أكدت ضرورة التوسع في مشاريع التعدين واستثمار الموارد الطبيعية، كان من الضروري تعديل بعض القوانين الأساسية، وعلى رأسها قانون الكهرباء المؤقت لعام 2002، إضافة إلى استحداث تشريعات عصرية تنظم التعامل مع مشاريع البنية التحتية الكبرى، مثل مشاريع الهيدروجين الأخضر والتحول إلى الغاز الطبيعي”.
وبيّن أبو حلتم أن مشروع القانون الجديد يعد خطوة متقدمة نحو إيجاد إطار تشريعي واضح ينظم الاستثمار في قطاع الغاز بمختلف أنواعه، مؤكدا أن هذا التحول سيمكن الصناعات من تقليل تكاليف التشغيل بشكل كبير.
وقال: “على سبيل المثال، التحول إلى الغاز الطبيعي في بعض الصناعات، وخاصة الغذائية التي تحتاج إلى طاقة حرارية، يمكن أن يخفض التكاليف التشغيلية بنسبة تتراوح بين 25 %
و30 % مقارنة باستخدام الوقود الثقيل، فيما قد تصل نسبة التوفير إلى أكثر من
50 % – 60 % عند المقارنة مع استخدام الديزل، وما يقرب 40 % عند المقارنة بغاز البترول المسال (LPG) وهذه نسب كبيرة تعكس حجم الوفر الممكن تحقيقه”.
وأضاف أبو حلتم أن القطاع الصناعي يؤكد أهمية تشجيع تقنيات توليد الغاز من خلال حرق النفايات ضمن مفهوم (Waste to Energy)، إلى جانب التركيز على مشاريع الهيدروجين الأخضر التي تُعد من المشاريع العملاقة، إذ تعتمد على الطاقة الشمسية لإجراء عمليات التحليل الكهربائي للمياه لإنتاج الهيدروجين، الذي يمكن تخزينه في خزانات ضخمة لإعادة تصديره أو استخدامه كمصدر طاقة بديلة ومتجددة. وأوضح أن هذا القطاع يتطلب منظومة تشريعية متكاملة تشمل النقل والتوزيع والاستثمار.
وأشار إلى أن تجربة الأردن في الطاقة المتجددة لم تكن لتنجح لولا التشريعات المتقدمة التي استُحدثت خلال السنوات العشر الماضية، والتي مكّنت المملكة من جذب استثمارات ضخمة، حتى أصبح نحو 30 % من الكهرباء المنتجة في الأردن تأتي من مصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
ولذلك، فإن وضع تشريعات حديثة لجذب الاستثمارات في مشاريع الغاز ومشاريع الطاقة البديلة يُعد خطوة مهمة لتعزيز بيئة آمنة وجاذبة للاستثمار، بما في ذلك الاستثمار الأجنبي المباشر في هذه المشاريع الكبرى.
الحاجة إلى التخزين والتوسع
في الاستخدامات
أما الخبير الاقتصادي الدكتور قاسم الحموري، فأكد أن هناك معلومات متداولة على نطاق واسع تشير إلى توقعات بزيادة كبيرة في إنتاج الغاز الطبيعي في الأردن خلال العامين المقبلين، بحيث قد يتجاوز حجم الإنتاج حاجة المملكة، ما يستدعي التوجه نحو إنشاء مشاريع لتخزين الغاز.
وأوضح أن وجود احتياطيات كبيرة من الغاز دفع الحكومة إلى استباق الأحداث من خلال وضع إطار تنظيمي لهذا القطاع الذي يُنتظر أن يشكّل ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني.
وبين الحموري أن تنظيم هذا القطاع يجب أن يواكبه توجيه لاستخدام الغاز في القطاعات المختلفة ليحل محل أنواع الوقود التقليدية مثل الديزل، إضافة إلى التوسع في استخدامه في المركبات، لا سيما الثقيلة منها، مع إمكانية تشغيل مولدات الكهرباء باستخدام الغاز. كما دعا إلى دراسة جدوى الاعتماد عليه في عمليات تحليل المياه كمصدر للطاقة، وهو ما يتطلب إطارا تنظيميا متكاملا.
وأضاف أن المرحلة المقبلة تستلزم وجود جهة مختصة تتولى إدارة هذا الملف، سواء كانت دائرة ضمن وزارة الطاقة والثروة المعدنية، وهو الخيار الطبيعي، أو عبر كيان مستقل، محذرا من تكرار أخطاء تنظيمية سابقة.
وشدد على أن الهدف الرئيس من هذه الجهود يجب أن يكون خدمة الاستثمار، بما يحقق النمو الاقتصادي ويوفر فرص العمل، مع ضرورة تقديم حوافز للمستثمرين المحليين قبل الأجانب، وتعزيز تنافسية المنتج الأردني من خلال خفض كلفة الإنتاج.
صحيفة الغد