اسواق جو – يمثل قطاع الأوقاف أحد أكثر القطاعات حساسية في البنية التشريعية الأردنية، ليس فقط لطابعه الديني، بل لأنه تاريخيًا كان أداة تنموية دعمت التعليم والمساجد والخدمات المجتمعية. ومع التحولات الاقتصادية التي يشهدها الأردن، أصبح من الضروري تحديث الإطار القانوني الناظم لاستثمار الأوقاف بما ينسجم مع متطلبات العصر ويعيد للوقف دوره الحضاري.
وفي هذا السياق، يأتي مشروع قانون الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية (المعدل) لسنة 2025 كخطوة جادة نحو تطوير منظومة الاستثمار الوقفي وتحويلها من إدارة تقليدية محدودة إلى إدارة عقارية – اقتصادية حديثة ذات كفاءة عالية. ويكتسب هذا البعد أهمية خاصة لأن الأموال الوقفية هي في حقيقتها ملكية عامة للأمة، وأي تقصير في إدارتها هو ضياع لحق المجتمع.
تمتلك الأوقاف الأردنية آلاف العقارات في مواقع استراتيجية داخل المدن والمحافظات. كثير من هذه الأملاك مؤجرة بأثمان زهيدة بعقود قديمة أو معطلة دون استثمار حقيقي. ولعلّ من الأمثلة الدالة على هذه الإشكالية وجود قطعة أرض مساحتها 36 دونمًا أوقفها والد جدّي – رحمه الله – عام 1910 لخدمة مساجد المنطقة، ورغم قيمتها الكبيرة لم تُستثمر حتى اليوم، ما يعكس الضرورة الملحّة لإعادة تنظيم الاستثمار الوقفي.
مشروع القانون يمنح وزارة الأوقاف صلاحيات أوسع وأكثر مرونة لاستثمار هذه الأملاك عبر أساليب حديثة، أبرزها:
نموذج البناء – التشغيل – التحويل (BOT)،
نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP)،
التطوير العقاري الحديث.
هذه الأدوات تسمح باستغلال الأراضي الوقفية في مشاريع إنتاجية كالمجمعات التجارية والمراكز الخدمية والسكن الطلابي، مع الحفاظ على ملكية الوقف وضمان الرقابة الحكومية وتوزيع عوائد عادلة ومستدامة. وهو انتقال من «الوقف العقيم» إلى «الوقف المنتج».
لكن نجاح هذه المنظومة يتطلب تفعيل الشفافية والرقابة المالية، ولذلك يُتوقع أن يتضمن المشروع تشديد العقوبات على الاعتداء على الأملاك الوقفية، وتجريم تغيير صفة الوقف، وتعزيز دور الادعاء العام في حماية الوقف من محاولات التملك أو الضغط الاستثماري.
إن مشروع قانون 2025 يمثل فرصة ذهبية لتحويل الأوقاف إلى رافعة اقتصادية وطنية، لا مؤسسة إدارية تقليدية. وتطوير الاستثمار الوقفي هو قبل كل شيء معركة وعي؛ فالوقف جزء من هوية الدولة ومنظومتها القيمية، لكنه أيضًا قوة اقتصادية كامنة. وإذا طبّق القانون بروح إصلاحية جادة، فسنشهد جيلًا جديدًا من «المشاريع الوقفية الذكية» التي تجمع بين البعد الديني والاقتصادي والاجتماعي، وتعيد للوقف دوره التنموي في خدمة المجتمع والدولة.
الدستور
