أسواق جو
لم تسفر قمة ألاسكا، التي راقبها العالم يوم الجمعة 15 أغسطس/ آب بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين عن أي اتفاق فعلي معلن لإنهاء الحرب في أوكرانيا، لكن الزعيمين كررا القول إن المحادثات جيدة وبناءة، مما يؤشر إلى بعض المكتسبات التي تمهد الطريق نحو اجتماعات أكثر عمقاً للملفات الصاخبة.
التقى ترامب وبوتين يوم الجمعة في أنكوريج، في أول لقاء مباشر بين الزعيمين الأميركي والروسي منذ بدء الحرب في أوكرانيا مطلع عام 2022.
لم يخرج الرئيسان باتفاق يتلونه على العالم الذي جلس منتظراً ما ستؤدي إليه المباحثات بين الدولتين التين تخوضان حرباً باردة منذ سنوات.
اللقاء الذي استمر نحو ثلاث ساعات، أذاب جليد العلاقات بالشكل، فالرئيس الروسي وطأ للمرة الأولى منذ سنوات أرضاً أميركية بعد مقاطعة غربية وسط صراع على النفوذ والسيطرة في عالم متعدد الأقطاب.
ووفق فاينانشال تايمز يوم الأحد 16 أغسطس/ آب، أبرز ما جاء في اللقاء إبلاغ بوتين ترامب أنه مستعد لتخفيف بعض المطالب الإقليمية في أوكرانيا مقابل حصول روسيا على السيطرة الكاملة على إقليم دونيتسك.
أما ما يمكن استخلاصه مما جرى في جلستهما المغلقة، التي انتهت دون وقف إطلاق النار الذي كان ترامب يُصرّ على ضرورة التوصل إلى اتفاق سلام، فهو ستة نقاط رئيسية من القمة في أنكوريج، وفق نيويورك تايمز، التي رأت أن الزعيم الروسي حصد بعض المكاسب وغادر وهو على علاقة ودية مع نظيره الأميركي.
ما يمك استنتاجه أولاً، هو أنه بعد لقاء دام قرابة 3 ساعات، غادر ترامب وبوتين ألاسكا من دون الإعلان عن أي اتفاق أو تحديد مجالات محددة يتحقق فيها تقدم.
بحسب نيويورك تايمز، رغم أن بوتين قال إن الزعيمين توصلا إلى اتفاق “لتمهيد الطريق نحو السلام في أوكرانيا”، أوضح ترامب أن هناك مجالات لا تزال موضع خلاف.
وذكرت أن كلا الرئيسين ألمح بشكل غامض إلى إحراز تقدم، لكنهما لم يقدما أي توضيحات بشأن القضايا التي ناقشاها أو ما تم الاتفاق عليه، كما لم يحدد ترامب نقاط الخلاف المتبقية.
مكاسب بوتين
في المقابل حصد بوتين مكسباً حتى قبل وصوله إلى الولايات المتحدة، فبعد سنوات من العزلة الغربية، عاد إلى الأراضي الأميركية لأول مرة منذ عقد، واستُقبل بمقاتلات أميركية، وسجادة حمراء، وركب “الوحش”، السيارة الرئاسية المصفحة الخاصة بترامب.
مكسب بوتين الثاني، هو إنهائه اللقاءمن دون تقديم تنازلات كبيرة، محتفظاً بعلاقة ودية مع ترامب. وذلك بعد تكرار الرئيس الأميركي انزعاجه من بوتين، معتبراً إياه عقبة أمام وقف إطلاق النار والتوصل إلى اتفاق سلام لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
لكن يوم أمس الجمعة لم يُبدِ ترامب أي علامة على الإحباط من نظيره الروسي، رغم اعترافه بعدم التوصل إلى اتفاق، فبدا مرتاحاً بل أعطى اللقاء علامة 10/10 في تصريحاته فوكس نيوز بعد اللقاء.
الود بين ترامب وبوتين
وفق ملاحظة نيويورك تايمز، الاجتماع عقد على أرض أميركية، لكن ترامب سمح لبوتين بأن يتحدث أولاً في ظهورهما المشترك. واستغل الزعيم الروسي الفرصة لعرض وجهة نظره حول الصراع في أوكرانيا وما وصفها بالأسباب الجذرية للحرب.
ولم يكرر ترامب إصراره السابق على أن يكون وقف إطلاق النار الفوري هو نتيجة الاجتماع، حيث بدا ترامب هادئاً ومقتنعاً على غير عادته في الاطلالات الصحافية، التي يتحدث فيها بجرأة وأحياناً يتجاوز الأصول الدبلوماسية ما لم يعجبه شيء.
مكسب ترامب
ترامب لم يخرج بالكثير من المكاسب من اللقاء، لكنه حصل على أمرين مهمين له، وفق الصحيفة.
الأول: يتمثل في استغلال اللقاء لتجديد هجومه على التحقيقات المتعلقة بتواطؤ حملته مع الروس في انتخابات 2016، والتي وصفها مرة أخرى بأنها “خدعة”.
والثاني: إشادة بوتين به، حيث أكد شيئاً لطالما تحدث عنه ترامب، وهو أن الحرب الروسية على أوكرانيا في مطلع 2022 لم تكن لتحدث لو كان ترامب في السلطة آنذاك.
ترامب وزيارة روسيا
حين بدأت التحضيرات السريعة للقمة في ألاسكا، تساءل البعض عمّا إذا كان ترامب سيقوم بزيارة رمزية للبلد المجاور، نظراً لقرب الولاية من روسيا (أقل من 96 كيلومتراً)،.
هذا الأمر لم يحدث، لكن أحد المقربين من ترامب أشار قبل أيام إلى أن زيارة له لموسكو قد تكون ممكنة لاحقاً. ولهذا ربما لم يكن الأمر مجرد مزحة حين اقترح بوتين في اللحظات الأخيرة أن يعقدا اجتماعهما القادم في العاصمة الروسية.
وبدا ترامب متقبلاً للموضوع، وقال مبتسماً ورافعاً حاجبيه: “هذه فكرة مثيرة، لا أدري، سأتعرض لبعض الضغوط بسببها. لكن أعتقد أنها قد تحدث”.
غياب زيلينسكي
الرجل المعني أكثر بقمة ألاسكا، الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، غاب عن المشهد بقي يشاهد القمة عبر التلفاز مع بقية العالم مثل سائر المشاهدين.
فلم يدع زيلينسكي إلى القمة رغم أن ترامب اتصل به وبقادة حلف الشمال الأطلسي الناتو بعد مغادرته ألاسكا لإطلاعهم على تفاصيل الاجتماع.
لكن من دون أي اتفاق ملموس، يبقى زيلينسكي وبلاده غارقين في حرب منهكة مع روسيا، ومن دون الضمانات القوية بالدعم العسكري الأميركي التي كانوا يحصلون عليها في عهد إدارة بايدن، بحسب خلاصة نيويورك تايمز.
الجانب الاقتصادي
في تحليل آخر يلامس الجانب الاقتصادي، يرى المجلس الأطلسي Atlantic Council أن القمة مكسب رمزي واقتصادي لموسكو، لأنها أعطت شرعية ضمنية لدور روسيا كمحاور في ملفات الطاقة والعقوبات.
في المقابل، يرى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ECFR أن اختيار ألاسكا يضع القطب الشمالي في صلب المعادلة الاقتصادية المقبلة، حيث تتقاطع الطاقة الأحفورية مع المعادن الاستراتيجية.
أما مجلة بوليتيكو Politico الأميركية فتشير إلى أنه حتى من دون اتفاق، خرج بوتين رابحاً بالاعتراف الضمني بأهمية روسيا في معادلة الطاقة العالمية.
وفي السياق اعتبرت صحيفة واشنطن بوست، إن ترامب أراد استخدام اللقاء للضغط نحو اتفاق يخفّف القيود على بعض الصادرات الروسية مقابل ترتيبات أمنية، وهو ما قد ينعكس على أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية.