شطحات اقتصادية
منذ مطلع القرن الحالي ونحن نسمع أن الأردن دولة جاذبة للاستثمارات الأجنبية باعتبارها تتميز بالأمن والأمان، ولديها بيئة استثمارية مواتية للمستثمرين ليحققوا عوائد مجزية، وفيها من القطاعات الواعدة التي يسيل لها لعاب المستثمرين.
كل هذا الكلام كان هراء منذ اليوم الأول، فنحن نعيش في محيط يفرض علينا أعباء أمنية وسياسية وغيرها ليس لنا سيطرة ولا حتى على أي جزء منها إلا الشيء اليسير، وقمنا بتضخيم هذه المسالة ليس لغايات اقتصادية لكن لغايات تعبوية وشعبوية بحتة.
الأردن بلد “الأمن والأمان” .. كيف؟!، بمقياس بسيط جداً يمتد منذ العام 2000 إلى العام 2025م، نرى أننا مررنا بظروف أمنية وسياسية قاسية جداً، نعم ربما استطعنا التعامل معها على مستوى الدولة، ولكن هذه الظروف هي بالضبط أحد عناصر المأساة الاقتصادية التي نعيشها اليوم … وهي بالضبط سبب مباشر في إحجام المستثمرين عن القدوم للأردن بأموالهم.
فقصة الأمن والأمان هذه هي مسألة نسبية وليست مطلقة، ربما تصلح لتكون أغنية أو أنشده نرددها في مناسباتنا الوطنية – وهذا بالطبع أمر شرعي ولا ضير فيه – ولكنها لا تصلح لبناء خطط وسياسات واستراتيجيات دولة أو حكومات تعيش ظروفاً إقليمية مثلما نعيش نحن.
أما البيئة الاستثمارية في بلد مثل الأردن فهذه ايضاً قصة أخرى … ربما لا يجوز الخوض فيها بشكل سلبي لأن التهم ستنهال على قبل أن أنهي كلامي … ولكن ما يمكن قوله عن مشهد البيئة الاستثمارية في وطننا أنه مأساوي بكل ما في الكلمة من معنى … تشريعات وقوانين متغيرة ومتذبذبة … شخصيات ومسؤولين يتناوبون على إدارة هذه الملف دون ثبات لا بل يتغيرون بوتيرة عالية جداً.. بالمختصر مع كل حكومة هناك فريق جديد … حالة من انعدام “التفكير خارج الصندوق” … لا بل نستطيع القول فوق هذا كله سمعة “رديئة” لا تعكس أي علاقة لنا بأبجديات جذب الاستثمار أو تحفيزه … ولكي يكتمل مشهد بيئة الاستثمار … نسمع قصصاً ربما بعضها صحيح وأخرى أصح عن تناول المستثمر منذ لحظة وصوله مطارنا من قبل متنفذين أو حاشيتهم وباختصار يكتمل هذا المشهد بعودته وقد دفع ما دفع دون أن يحقق أي شيء يذكر في بلد يحتاج لكل دولار يدخله، هذا علاوة على أننا بلد نفتقر لمقومات جذب الاستثمار الحقيقي نظرا لارتفاع الكلف لدينا مقارنة بكثير ليس فقط من دول العالم بل بأي ببلدان مجاورة … لهذا كله ليس لدينا فرصة في جذب الاستثمارات بالحجم الذي تتحدث عنه أية حكومة من حكوماتنا وإن كان معها مصباح علاء الدين السحري … يكفي وهم وتخيلات ليس لها بالواقع من صلة … كلفة الطاقة كمُدخل في الإنتاج وحده يكفي أن يدفع المستثمر ليصرف نظره عن الأردن ليذهب إلى دول أخرى غيرنا.
هذا بالمستوى العالي … أما على مستوى أدنى قليلا … إذا كنا لا نقدر أن نضبط سلوكيات وممارسات المسؤولين والمشرعين وغيرهم من الرسميين وأشباه الرسميين في مؤسسات الدولة بلا استثناء تجاه أي مستثمر … ولا نقدر على توفير الحد الأدنى من الحماية للمستثمرين من التغرير بهم والاستنزاف قبل أن يبدأ رحلة استثماره … فكيف لنا أن نضبط إيقاع بيئة استثمارية تعيش بشكل مستمر في ظروف استثنائية … هنا اعتقد أننا بحاجة لمعجزة ومعها مصباح علاء الدين …