Home اقتصادمن وجاهة الطرق إلى بورصة الأرقام… قصة اللوحات المميزة

من وجاهة الطرق إلى بورصة الأرقام… قصة اللوحات المميزة

by sadmin

اسواق جو –   تحولت مزادات بيع أرقام السيارات المميزة في الأردن إلى ما يشبه “بورصة صغيرة” لها جمهورها الخاص، وأسلوبها الخاص في التسعير، وحتى مضاربتها التي تشبه أسواق الأسهم.

كثيرون ينظرون إلى هذه المزادات من منظور الوجاهة الاجتماعية فقط، لكن خلف  ذلك هناك جانب اقتصادي لا يقل أهمية، بل ربما يفوقه تأثيرًا على المدى البعيد.

الأمر ليس جديدًا، لكن ما جعل المشهد يتغير هو دخول الحكومة بثقلها في تنظيم وبيع هذه الأرقام—سواء عبر مزادات علنية أو من خلال منصة إلكترونية تتيح الشراء المباشر لبعض الفئات. هذه الخطوة لم تفتح الباب فقط أمام المهتمين، بل أطلقت أيضًا ديناميكية اقتصادية قائمة على العرض والطلب، وخلقت مسارًا جديدًا للإيرادات غير الضريبية.

عندما يُباع رقم مثل “1-44” في مزاد رسمي بأكثر من 850 ألف دينار أردني، فالخبر يتصدر العناوين، لكن الرقم الأهم هو ما يدخل خزينة الدولة مباشرة. هذه المبالغ، وإن بدت صغيرة نسبيًا أمام أرقام الموازنة العامة، إلا أنها تتميز بأنها إيرادات فورية، غير مرتبطة بضرائب أو رسوم جديدة على المواطن.

هنا تكمن القيمة الاقتصادية الحقيقية: الحكومة تبيع أصلًا غير ملموس، لكنه نادر، مقابل سيولة نقدية عالية. وبما أن هذه الأصول—الأرقام المميزة—محدودة بطبيعتها، فإن الطلب عليها يظل قويًا، ما يحافظ على مستوى الأسعار أو يدفعها إلى الارتفاع مع مرور الوقت.

الملفت أن شريحة المشترين ليست من فئة واحدة فقط. هناك رجال أعمال يرون فيها استثمارًا يمكن إعادة بيعه لاحقًا بربح، وهناك من يشتري بدافع الوجاهة الشخصية، وآخرون يعتبرونها نوعًا من “توقيع الهوية” على الطريق.

السوق الثانوي لهذه الأرقام نشط للغاية؛ كثير من اللوحات التي تُشترى في المزاد تعود للظهور بعد أشهر في سوق إعادة البيع بأسعار أعلى بنسبة قد تصل إلى 30 أو حتى 50%. هذا النشاط يخلق حركة اقتصادية جانبية، تشمل مكاتب وساطة، وإعلانات، وخدمات نقل ملكية.

اقتصاديًا، هذه المزادات تساهم في تحريك السيولة الراكدة. المبالغ الكبيرة التي يدفعها المشترون تُحوَّل من حساباتهم الخاصة إلى خزينة الدولة، ليُعاد تدويرها في مشاريع أو خدمات عامة. وبطريقة غير مباشرة، تسحب هذه المزادات جزءًا من الإنفاق الفاخر الذي كان يمكن أن يتجه لشراء سيارات أو عقارات، وتحوّله إلى إيراد حكومي.

الأمر الآخر هو البعد الرمزي. حين تُنظَّم المزادات بطريقة شفافة وواضحة، فهذا يعزز ثقة السوق ويشجع المستثمرين—حتى في مجالات أخرى—على المشاركة، لأنهم يرون أن قواعد اللعبة واضحة.

إذا نظرنا إلى حركة السوق خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، نجد أن الأسعار تميل إلى الصعود التدريجي مع كل مزاد كبير، خاصة للأرقام الأحادية والثنائية المميزة. مع دخول البيع الإلكتروني لبعض الفئات، من المتوقع أن يحدث ما يشبه “فجوة سعرية” بين الأرقام المباعة مباشرة وتلك المعروضة في المزاد.

التوقعات تشير إلى أن:
– الأرقام الأحادية قد تتجاوز حاجز 1.2 مليون دينار خلال العامين المقبلين.
– الأرقام الثنائية المميزة مثل “77” أو “99” قد تلامس نصف مليون دينار.
– الأرقام الثلاثية والرباعية المرتبة قد تبقى بين 50 إلى 150 ألف دينار، مع تذبذبات مرتبطة بحالة السوق.

من منظور أوسع، يمكن للأردن أن يستفيد من هذه السوق لخلق منصة إقليمية لبيع الأرقام المميزة، تستقطب أثرياء المنطقة. نجاح المزادات المحلية في جذب مشترين من دول مجاورة ليس أمرًا بعيد المنال، خاصة مع سمعة الأردن في تنظيم المزادات بشفافية وانضباط.

لو تم ربط هذه المزادات بأحداث اقتصادية أو سياحية كبرى، فقد تتحول إلى عامل جذب إضافي للسياحة، ما يضاعف الفائدة الاقتصادية.

بيع النمر الحكومية في المزادات العلنية لم يعد مسألة وجاهة أو ترف، بل أصبح أداة اقتصادية ذكية، تجمع بين زيادة الإيرادات وتنشيط السوق، مع الحفاظ على قاعدة العرض والطلب كآلية للتسعير. إذا استمرت الحكومة في تطوير هذه المنظومة وفتحها على نطاق أوسع، فقد نجد أنفسنا أمام قطاع اقتصادي صغير، لكنه فعّال، يرفد الخزينة ويضيف بعدًا جديدًا لصورة الاقتصاد الأردني.

 

You may also like