تستعد سوريا لدخول واحدة من أكبر مراحل الإعمار في تاريخ المنطقة بعد سنوات طويلة من الحروب والصراعات التي كبّدت اقتصادها خسائر تجاوزت 800 مليار دولار. ومع رفع جزء كبير من العقوبات الأميركية والأوروبية وتسجيل أكثر من 500 طلب لتأسيس شركات جديدة منذ بداية العام، تبدو البلاد مقبلة على حقبة استثمارية واعدة تطال قطاعات الطاقة والبنية التحتية والمصارف والصناعات الغذائية.
وشهدت البلاد باكورة حزمة المشاريع والاستثمارات الكبرى، مع استقبال دمشق أمس وفداً سعودياً يترأسه وزير الاستثمار خالد الفالح، بمشاركة أكثر من 120 مستثمراً. لتوقيع عشرات الاتفاقيات بأكثر من 15 مليار ريال (حوالي 4 مليارات دولار)؛ “لتدشين عهد استثماري جديد بين المملكة وسوريا”.
لكن نجاح هذه الطفرة الاقتصادية يظل رهناً بتأمين بيئة تشريعية وتنظيمية قادرة على جذب رؤوس الأموال وضمان الاستقرار والأمن الضروريين لإطلاق مشاريع التعافي واستعادة الثقة في السوق السورية.
في التقرير التالي نتعرف على أبرز القطاعات واللاعبين الرئيسيين في عملية الإعمار مع نظرة على أبرز التحديات.
الطاقة أولاً.. صفقات بمليارات الدولارات
وجهت سوريا دعوة رسمية إلى شركات النفط العالمية للعودة والاستثمار في قطاع الطاقة بعد أعوام من العقوبات والحرب التي تسببت بانهيار البنية التحتية وخسائر كبيرة في الإنتاج. جاء ذلك عقب قرار الاتحاد الأوروبي رفع حزمة من القيود المفروضة منذ العام 2011، بما في ذلك إلغاء حظر استيراد النفط الخام وتصدير التكنولوجيا اللازمة للصناعة، إضافة إلى إنهاء القيود على تمويل مشاريع الاستكشاف والتكرير وبناء محطات طاقة جديدة.
في هذا الإطار، وقّعت وزارة الطاقة السورية في مايو الماضي مذكرات تفاهم مع عدد من الشركات، أبرزها مجموعة “يو سي سي العالمية” (UCC)، و”أورباكون” (Urbacon)، و”باور الدولية” (Power International)، و”جنكيز للطاقة” (Cengiz Energy)، و”كاليون للطاقة” (Kalyon Energy)، بقيمة إجمالية بلغت 7 مليارات دولار.
كما أعلنت أذربيجان توقيع مذكرة تفاهم لتوريد الغاز الطبيعي إلى سوريا عبر تركيا، في خطوة تهدف إلى تعزيز أمن الطاقة وضمان تدفقات مستقرة للوقود. بالتوازي، كشف وزير الطاقة التركي أرسلان بيرقدار عن خطة لتصدير ملياري متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً بدءاً من يونيو الماضي، عبر خط النقل الممتد من ولاية كيليس التركية إلى مدينة حلب.
تأتي هذه التحركات بالتوازي مع استعداد قطر لتزويد سوريا بإمدادات غاز عبر الأردن، بهدف زيادة إنتاج الكهرباء تدريجياً من 400 ميغاواط ورفعها وفق جدول زمني محدد.
اقرأ أيضاً: سوريا تحتاج 5 سنوات لإنهاء مشكلة الكهرباء بتكلفة 40 مليار دولار
على صعيد النفط، أبدت عدة شركات اهتمامها بإعادة تشغيل عملياتها حال تحسن الأوضاع ورفع العقوبات، في مقدمتها “غلف ساندز” (Gulfsands) البريطانية. كما يُتوقع أن تعيد شركات صينية كبرى مثل “سي إن بي سي” (CNPC) و”سينوبك غروب” (Sinopec Group) تشغيل أصولها في مجال التنقيب والإنتاج داخل سوريا، بعدما كانت قد قلّصت أنشطتها بشكل كبير خلال سنوات الحرب.
إصلاح القطاع المالي
بدأت الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع تنفيذ خطة شاملة للإصلاح الاقتصادي، شملت حصر الأموال المجمدة في الخارج وتقدير قيمتها بدقة بهدف توظيف جزء منها في دعم رؤوس أموال البنوك المحلية وإعادة تأهيلها وفق المعايير الدولية. وأشار عبد القادر حصرية، حاكم مصرف سورية المركزي، إلى أن هذه الخطوة تمثل أولوية لتعزيز ملاءة المصارف وتقوية السيولة وتخفيف الاعتماد على التمويل الخارجي المكلف.

مبنى-مصرف-سورية-المركزي-
كما يمثل الربط مجدداً مع نظام “سويفت” العالمي أول خطوة استراتيجية، إذ نفذ بنك سوري أول تحويل مباشر إلى بنك إيطالي منذ 14 عاماً، بما يمهّد الطريق أمام عودة المصارف السورية إلى الأسواق المالية الدولية.
كما يتيح رفع العقوبات الأميركية والأوروبية للمصارف السورية -وعددها 21 مصرفاً بين حكومي وخاص- استعادة خدمات المراسلة مع المصارف الأجنبية، ما يدعم تمويل الصادرات والواردات ويقلل الاعتماد على الشبكات المالية غير الرسمية.
كما تعكف السلطات على إصدار أول صكوك سيادية متوافقة مع الشريعة الإسلامية لتمويل مشاريع الإعمار، وهو ما سيمنح البنوك أدوات استثمارية جديدة لتوسيع قاعدة المستثمرين المحليين والأجانب.
في موازاة ذلك، تستعد سوق دمشق للأوراق المالية للعب دور مركزي في تعبئة المدخرات وتوفير التمويل اللازم للقطاع الخاص، بعد افتتاحها إثر توقف دام ستة أشهر.
وبهدف دعم هذا التوجه، أعلنت قطر عن مساندة مباشرة للقطاع المصرفي السوري، إذ ستقدم البنوك القطرية خدمات المراسلة بالريال القطري وربط دمشق بالنظام المالي العالمي.
اقرأ المزيد: بنوك قطر تبدأ تقديم خدمات المراسلة لصالح المصارف السورية بالريال
وفي خطوة تمنح مزيداً من الانفتاح للقطاع المالي والأفراد في سوريا، أعلنت “بينانس هولدينغز” (Binance Holdings) عن فتح منصتها لتداول العملات المشفرة في الدولة بعد إعلان واشنطن عزمها رفع العقوبات.
تركيز على الإنشاءات والبنية التحتية
توجه سوريا تركيزاً كبيراً نحو الاستثمار في صناعة الأسمنت باعتباره حجر الأساس لأي مشروع للإعمار، وقد أوقفت الحكومة الجديدة الضرائب المفروضة على الأسمنت المنتج محلياً بهدف تعزيز قدرته التنافسية وتحفيز الشركات على زيادة الإنتاج.
وتخطط البلاد لتطوير معامل جديدة وصيانة خطوط إنتاج قديمة، ما قد يرفع الطاقة الإنتاجية إلى مستويات تغطي جزءاً كبيراً من الطلب المتوقع، والذي يُقدّر بنحو 8 إلى 9 ملايين طن سنوياً خلال السنوات المقبلة. وبحسب مدير المؤسسة العامة للأسمنت، فإن البلاد تعتزم إقامة مصانع جديدة باستثمارات تصل إلى 500 مليون دولار للمعمل الواحد بطاقة إنتاجية قد تبلغ 10 آلاف طن يومياً، لتقليل الاعتماد على الاستيراد من دول مثل الأردن ومصر وتركيا والسعودية.
وفي هذا الإطار، دشن وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، أول مصنع للأسمنت الأبيض في مدينة عدرا الصناعية بريف دمشق، باستثمارات تبلغ 100 مليون ريال، بطاقة إنتاجية 150 ألف طن سنوياً، لدعم قطاع الأسمنت وتوسيع قاعدة الإنتاج بما يدعم مرحلة الإعمار المقبلة في سوريا.
كما شهد الفالح الإعلان عن اطلاق مشروع “برج الجوهرة” العقاري للأعمال والضيافة والتجزئة على مساحة 25 ألف متر، بتكلفة استثمارية 100 مليون دولار (375 مليون ريال).
على صعيد البنية التحتية واللوجستيات، أبرمت الحكومة السورية سلسلة صفقات ضخمة تهدف لتحديث الموانئ وتهيئة البلاد لاستقبال تدفقات الاستيراد والتصدير اللازمة للإعمار. أبرز هذه الاتفاقيات توقيع مذكرة تفاهم مع شركة “موانئ دبي العالمية” بقيمة 800 مليون دولار لتطوير وتشغيل محطة حاويات متعددة الأغراض في ميناء طرطوس، وإنشاء مناطق صناعية وموانئ جافة ومحطات عبور للبضائع.

صورة جوية تظهر سفناً راسية في ميناء طرطوس، سوريا، مارس 2025
كما أعلنت شركة “سي إم إيه سي جي إم” (CMA CGM) الفرنسية التعاقد على تطوير ميناء اللاذقية باستثمار يتجاوز 230 مليون يورو، وهي مشاريع تعزز قدرة سوريا على استيراد مواد البناء والمعدات اللازمة بوتيرة أسرع وأقل كلفة.
بقيمة 800 مليون دولار.. “موانئ دبي” تطور وتشغل محطة متعددة الأغراض في ميناء طرطوس السوري.. التفاصيل هنا
تحولات مهمة في الزراعة والغذاء
شهد القطاع الزراعي في سوريا بداية تحولات مهمة مع رفع العقوبات الأميركية والأوروبية، ما يفتح الباب أمام تدفق التمويل الخارجي والمشروعات الاستثمارية. ووقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي اتفاقية مع “صندوق إعادة إعمار سوريا” لدعم تربية الثروة الحيوانية وتحسين إنتاج الأسمدة العضوية، بهدف مساعدة المزارعين على استعادة قدراتهم وتقليل الاعتماد على الاستيراد. كما يشمل المشروع تدريب المربين وتزويدهم بمستلزمات حديثة لتعزيز الأمن الغذائي، وفق موقع “ريليف ويب” (ReliefWeb).
يعلّق المزارعون السوريون آمالاً كبيرة على هذه الانفراجة بعد سنوات من تراجع إنتاج القمح بسبب الجفاف وصعوبة الحصول على البذور والمعدات، فيما تعمل منظمات دولية على تقييم احتياجات القطاع تمهيداً لإطلاق برامج دعم مباشر للزراعة المستدامة.
في الوقت نفسه، أعلنت شركة “بلدنا” القطرية عن استثمار 250 مليون دولار في مشروع متكامل لإنتاج الحليب والعصائر داخل سوريا، في خطوة تؤكد قدرة القطاع الزراعي والصناعات الغذائية على جذب رؤوس الأموال الخارجية، والمساهمة في استقرار الاقتصاد المحلي. هذا التوجه يأتي ضمن زخم استثماري أوسع بعد رفع العقوبات، بما يعزز الأمن الغذائي ويوفر فرص عمل وموارد إنتاجية جديدة تدعم جهود الإعمار.
مركز سوريا السياحي يتحسن
في خطوة تعكس تحولاً تدريجياً، تقدمت سوريا 30 مركزاً لتدخل قائمة أبرز 10 وجهات سفر في الشرق الأوسط لعام 2025، وفق تصنيف شركة “ويجو”. هذا التحسن جاء مدفوعاً باستئناف الرحلات الجوية الدولية من مطاري دمشق وحلب خلال الأشهر الماضية، ما أسهم في إعادة ربط البلاد بشبكات النقل الإقليمي وزيادة الاهتمام بالسفر إليها.
اقرأ المزيد: سوريا إلى خريطة السفر العالمي مجدداً.. استئناف الطيران يعيد الأمل بانتعاش السياحة
عودة الرحلات المنتظمة من قطر والإمارات، والتنسيق مع السعودية لتشغيل خطوط الطيران، ساعدت على تنشيط حركة المسافرين، وخلقت زخماً سياحياً جديداً بعد سنوات طويلة من العزلة التي فرضتها الحرب والعقوبات. كما كثفت “الملكية الأردنية” رحلاتها إلى دمشق وحلب، ما يعزز فرص انتعاش السياحة بالتزامن مع تحسن الأوضاع الأمنية.
ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه البنية التحتية للمطارات السورية بسبب الأضرار الواسعة، ظهرت مؤشرات على دعم إقليمي ودولي لتأهيل هذه المنشآت، من بينها اتفاقية التعاون مع منظمة “إيكاو” واهتمام تركيا وقطر بالمشاركة في مشاريع تطوير المطارات، وهو ما سيُسهم في تهيئة بيئة أكثر جاذبية لاستقبال الزوار.
تُعزز عودة الرحلات الجوية آمال قطاع السياحة السوري باستعادة جزء من مكانته التقليدية كمقصد ثقافي وتجاري، خاصة مع تزايد البحث عن الوجهات السورية عبر منصات السفر، وسط توقعات بمواصلة تقدم البلاد في تصنيفات السفر خلال ما تبقى من عام 2025.
اهتمام خليجي بإعمار سوريا
وفي الخليج، أعلنت السعودية بالتعاون مع صندوقي النقد الدولي والبنك الدولي عن حزمة دعم اقتصادي لسوريا، هدفت إلى تمكين دمشق من التعافي الاقتصادي وفتح أبواب التمويل الدولي. وشملت هذه المبادرة الخطوات الاستراتيجية الأولى، وتضمنت سداد السعودية وقطر لمتأخرات سوريا لدى البنك الدولي، والبالغة حوالي 15 مليون دولار، مما أعاد تأهيلها للحصول على قرض وتمويلات دولية جديدة موجهة إلى مشروعات بنية تحتية في قطاعات الكهرباء والمياه.

التبادل التجاري بين السعودية وسوريا خلال السنوات الخمس الماضية
واستقبلت دمشق أمس وفداً سعودياً يترأسه وزير الاستثمار خالد الفالح، بمشاركة أكثر من 120 مستثمراً. وجرى توقيع عشرات الاتفاقيات بأكثر من 15 مليار ريال (حوالي 4 مليارات دولار)؛ “لتدشين عهد استثماري جديد بين المملكة وسوريا”.
وقال وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح في تصريحات لـ”الشرق” خلال ترؤسه وفداً سعودياً يزور دمشق أمس، إن عشرات الشركات السعودية تنوي أن يكون لها دور في قطاعات مواد البناء والعقار وتقنية المعلومات والطاقة والصناعة التحويلية في سوريا”. وأضاف: “نأمل أن يُبنى على هذه القطاعات وتكون سوريا دولة صناعية”.
وأبدت الإمارات اهتماماً لافتاً بقطاع الموانئ، حيث وقعت شركة “موانئ دبي العالمية” اتفاقاً مع الحكومة السورية لتطوير ميناء طرطوس، ويتضمن إنشاء مناطق صناعية وتجارية حرة. ويُنتظر أن يشكل المشروع نقطة ارتكاز رئيسية في ربط سوريا تجارياً بالعالم من جديد. ويأتي ذلك ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى توظيف البنية التحتية الإماراتية في إنعاش التجارة الإقليمية.
وفي السياق ذاته، تواصل قطر توسيع حضورها الاقتصادي في سوريا عبر استثمارات ضخمة في قطاع الطاقة. وبرز ذلك من خلال مشروع مشترك بقيمة 7 مليارات دولار لتأهيل شبكة الكهرباء السورية، يشمل محطات توليد تعمل بالغاز والطاقة الشمسية. كما تساهم الدوحة بدعم مباشر للموازنة السورية عبر تغطية رواتب موظفي القطاع العام.
كما وقّعت وزارة الإعلام السورية مؤخراً مذكرة تفاهم مع شركة “المها الدولية” القطرية لإنشاء مدينة للإنتاج الإعلامي، في مشروع تُقدّر قيمته بأكثر من 1.5 مليار دولار.
تركيا والأردن ولبنان أبرز المرشحين للاستفادة
تُعد الدول المجاورة جغرافياً وهي تركيا والأردن ولبنان من أبرز المستفيدين المباشرين من إعمار سوريا، إلى جانب شركات كبرى من السعودية والإمارات وقطر التي وقعت بالفعل عقوداً مهمة مع الحكومة السورية الجديدة.
ففي تركيا، برزت شركات المقاولات ومصنعو مواد البناء في صدارة المشهد، مستفيدة من قرب المسافة وتاريخ التعاون التجاري. وتشير البيانات إلى ارتفاع كبير في صادرات مواد البناء والمعدات التركية إلى سوريا، كما دخلت شركات كبرى مثل “كاليون” و”جينجيز” في تحالفات دولية لتنفيذ مشاريع طاقة لإعادة تأهيل شبكة الكهرباء السورية. وتزامن ذلك مع إعادة فتح خطوط النقل واللوجستيات، مما ينعش الآمال في استئناف العمل باتفاقية التجارة الحرة بين البلدين.
إلى جانب ذلك، يبرز الأردن بوصفه لاعباً محورياً في جهود الإعمار، مستفيداً من قربه الجغرافي وخبراته الطويلة في قطاع البناء. وقال نقيب المقاولين الأردنيين، في تصريحات صحفية سابقة، إن مئات المقاولين الأردنيين يستعدون للعمل داخل سوريا، خصوصاً في المناطق الجنوبية، مستفيدين من انخفاض تكلفة توريد المواد الخام مقارنةً بالإنتاج المحلي السوري. ويجري التنسيق لتأسيس تحالفات إقليمية تجمع شركات البناء الأردنية مع نظيراتها الإماراتية والقطرية والعراقية لتنفيذ مشاريع ضخمة تشمل الطرق والجسور والصرف الصحي والطاقة المتجددة.
اقرأ أيضاً: هل يعيد الدعم السعودي رسم خارطة الاقتصاد السوري؟
وفي إطار الدعم اللوجستي، بدأ الأردن بتجهيز مستودعات ضخمة على الحدود لتخزين مواد البناء، وتخطط نقابة المقاولين لإنشاء مركز تدريب لتأهيل العمالة السورية على أحدث أساليب البناء. كما تخطط الحكومة الأردنية للتحول إلى مركز لوجستي إقليمي لتنسيق عمليات الإعمار بالشراكة مع دول أخرى.
ووفق تقديرات البنك الدولي، قد تتجاوز تكلفة إعمار البنية التحتية المدمرة 250 مليار دولار، ويفتح هذا الحجم الهائل من المشروعات أمام قطاع الإنشاءات الأردني والإقليمي فرصاً استثنائية للنمو، بشرط تأمين التمويل، وتوافر اليد العاملة المؤهلة، وتهيئة بيئة قانونية جاذبة للاستثمار.
من جانبه، يترقب لبنان فرصاً اقتصادية حقيقية من تعافي سوريا، خاصة عبر البوابة اللوجستية. فالموانئ اللبنانية، وعلى رأسها مرفأ طرابلس، مؤهلة لتكون مراكز توزيع للمواد المتجهة إلى الداخل السوري. كما يمكن للبنان الاستفادة من الطلب المتزايد على مواد البناء والمنتجات الغذائية، والتي لطالما مثلت جزءاً كبيراً من الصادرات اللبنانية إلى سوريا. كذلك تجري مباحثات لتفعيل مشاريع نقل صناعي وتخزين في المناطق الحدودية، مما يعزز التكامل الاقتصادي بين البلدين.
تحديات في وجه مسيرة البناء
تواجه سوريا عقبات ضخمة في مسار الإعمار وجذب الاستثمارات رغم رفع بعض العقوبات وتحسن الأجواء السياسية. على رأس هذه التحديات حجم الدمار الهائل، إذ انكمش الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 50% منذ 2010، وتراجع إنتاج النفط بنسبة 90%، بحسب تقريرٍ للبنك الدولي.
ويعيش نحو ربع السكان في فقر مدقع، بينما يقبع ثلثا الشعب تحت خط الفقر، مع انخفاض نصيب الفرد من الدخل القومي إلى 830 دولاراً فقط عام 2024. وتواجه البلاد أزمة سيولة حادة نتيجة نقص الأوراق النقدية واضطراب التداول، إضافةً إلى شبه استنزاف كامل للاحتياطيات الأجنبية.
ورغم إعلان الولايات المتحدة تخفيف العقوبات وإزالة تصنيف الإرهاب عن الحكومة الجديدة، لا تزال قيود الوصول إلى الأصول الخارجية والخدمات المصرفية الدولية قائمة، ما يعرقل استيراد الطاقة والمواد الأساسية وتدفق التمويلات. وقدر البنك الدولي أن 30 إلى 40% من التمويلات الحيوية مثل الرعاية الصحية والغذاء والمياه في السنوات الماضية كانت تأتي من المساعدات الأميركية، التي جرى تعليقها مؤخراً، ما يمثل “ضربة قاسية” لقدرة الدولة على تلبية احتياجات الناس ودعم الاستثمار.
شير تقارير اقتصادية صادرة عن البنك الدولي والأمم المتحدة إلى أن سوريا ستحتاج إلى استثمارات ضخمة لبناء بنيتها التحتية المدمرة. وفقاً لتقديرات البنك الدولي، فإن الأضرار التي لحقت بالقطاعات المختلفة في سوريا خلال السنوات الماضية، قد تتجاوز 250 مليار دولار.
أما على مستوى البنية الاقتصادية، فالتقرير يُظهر تآكلاً حاداً في القاعدة الإنتاجية، مع ازدياد النشاط غير الرسمي والاقتصاد غير المشروع منذ 2011. وتستمر أزمة الثقة في المؤسسات المالية والبنوك المحلية، وسط قيود مشددة على حركة رؤوس الأموال وغياب نظام مالي شفاف.
رغم هذه التحديات، تتوقع تقديرات البنك الدولي نمو الاقتصاد السوري بنسبة 1% في 2025 إذا تحقق الحد الأدنى من الاستقرار وتخفيف القيود المصرفية، لكن هذه التقديرات تظل هشة ومعرّضة للانتكاس في حال استمرار الصراع أو تعثّر جهود الإصلاح.
( نقلا عن الشرق الاقتصادية )