أسواق جو
تيموثي ديستيفانو، نك جونستون، ريتشارد نيلر، جوناثان تيميس*
نعيش في عالم زاخر بالبيانات، لكن تحويل هذه الوفرة إلى نمو اقتصادي وتوفير الوظائف ما يزال يشكل تحدياً كبيراً.
وقد برزت الحوسبة السحابية كأداة فعَّالة لتحقيق هذا التحول، لا سيما في الاقتصادات النامية. وجرت العادة أن تواجه الشركات في هذه البلدان معوقات تحول دون حصولها على قوة الحوسبة الآلية، ويرجع ذلك أساساً إلى ارتفاع التكاليف الأولية لشراء الخوادم وإنشاء البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات.
وتعمل خدمات الحوسبة السحابية على تغيير هذه الديناميكية من خلال السماح للشركات باستئجار موارد الحوسبة القابلة للتوسع عند الطلب.
وبالإضافة إلى ذلك، تعمل الحوسبة السحابية كأساس للجيل القادم من التطورات التكنولوجية مثل أدوات تحليل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، التي لديها القدرة على تعزيز الإنتاجية، وتمكين نماذج الأعمال المبتكرة، ودفع عجلة النمو الاقتصادي.
وهناك تحدٍ على صعيد السياسات، حيث أُطلِقتْ العديد من المبادرات الحكومية الرامية إلى تشجيع اعتماد التكنولوجيا – لا سيما الإعفاءات الضريبية والمنح الخاصة بالاستثمارات الرأسمالية – في عصر تهيمن عليه الأجهزة والمكونات المادية لتكنولوجيا المعلومات مثل أجهزة الكمبيوتر والخوادم.
واليوم، يقدم عدد كبير من البلدان شكلاً من أشكال الحوافز الرأسمالية وكثير منها يستهدف استثمارات تكنولوجيا المعلومات على وجه التحديد. وقد وضعت هذه الحوافز بطريقة تستهدف تشجيع الشركات على شراء الأجهزة والمعدات اللازمة. ولكن ماذا يحدث عندما تتحول الريادة في المجال التكنولوجي من امتلاك الأجهزة إلى استئجارها عبر السحابة؟
وتظهر الشواهد والأدلة الحديثة سياسات الحوافز الرأسمالية وكيف يمكنها التأثير على الاستثمارات في مجال تكنولوجيا المعلومات واعتماد الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وأدوات تحليل البيانات الضخمة.
وعلى الرغم من أن هذه السياسات تتمتع بسجلٍ حافلٍ في تحفيز الاستثمار في الأجهزة والمكونات المادية مثل الآلات وأجهزة تكنولوجيا المعلومات، فإنها قد لا تكون فعالة في ظل المشهد الرقمي الحالي.
ويمكن للحوافز الرأسمالية الإسهام في معالجة عيوب السوق التي تجعل من الصعب على الشركات، وخاصة الشركات الناشئة والشركات الصغيرة، الحصول على التمويل. على سبيل المثال، تبين أن الشركات المؤهلة للحصول على حوافز رأسمالية تعمد إلى زيادة استثماراتها في الأجهزة والمكونات المادية والبرمجيات بشكل ملحوظ مقارنةً بالشركات غير المؤهلة.
وعادة ما تقوم هذه الحوافز بدعم الاستثمارات في الأجهزة والمكونات المادية لتكنولوجيا المعلومات، وليس للإنفاق على الخدمات السحابية. وعندما تعمل الاستثمارات في الحوسبة السحابية وتكنولوجيا المعلومات كبدائل جزئية، فإن الحوافز الرأسمالية قد تدفع الشركات عن غير قصد نحو شراء الأجهزة والمكونات المادية والابتعاد عن اعتماد حلول الحوسبة السحابية.
وتشير الشواهد والأدلة إلى أنه على الرغم من أن الحوافز الرأسمالية تعزز الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات، فإنها قد تؤدي إلى إبطاء اعتماد الحوسبة السحابية بهامشٍ ملحوظ.
ويتضح هذا التأثير بشكل أكبر على الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم التي غالباً ما تحقق أكبر قدر من الاستفادة من مرونة الحوسبة السحابية وقابليتها للتوسع.
وللتباطؤ في اعتماد الحوسبة السحابية آثار واسعة النطاق، فنظراً لأن الخدمات السحابية توفر الأساس الحسابي لأدوات تحليل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، فقد يؤدي أي تأخير في انتشار الحوسبة السحابية إلى إعاقة استخدام هذه التقنيات المتقدمة وتطبيقها. وتشير الشواهد والأدلة إلى أن الحوافز الرأسمالية يمكن أن تؤدي إلى إبطاء اعتماد أدوات تحليل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، مما يؤخر انتشارها بأكثر من عام في المتوسط.
وهناك أيضاً آثار على سوق العمل، حيث تؤدي هذه السياسة إلى إضعاف الطلب على المتخصصين في أدوات تحليل البيانات: تشير الشواهد إلى أن العاملين في وظائف تحليل البيانات يمكن أن يشهدوا انخفاضاً في أجورهم في الشركات المؤهلة للحصول على الحوافز الرأسمالية، مقارنة بنظرائهم في الشركات غير المؤهلة. والجدير بالذكر أنه لا يوجد تأثير يُذكر على الفئات الأخرى من العمال، مثل الموظفين الذي يقومون بإدخال البيانات وليس تحليلها.
وبالتالي، ففي حين لا يبدو أن هذه السياسة تؤثر على الطلب على الأيدي العاملة بشكل عام، إلا أنها تبطئ الطلب على المتخصصين في تحليل البيانات.
ومع سعى الحكومات إلى تسريع وتيرة التحول الرقمي، تسلط هذه النتائج الضوء على نقطة بالغة الأهمية، ألا وهي أن الحوافز المصممة لعالم رأس المال المادي قد تعوق عن غير قصد انتشارَ أحدث التقنيات القائمة على الخدمات مثل الحوسبة السحابية.
وكانت المبررات الأصلية للحوافز الرأسمالية تتمثل في معالجة التكاليف الثابتة للاستثمارات الرأسمالية وإخفاقات الأسواق المالية التي تعوق نشاط الشركات الصغيرة والناشئة. بيد أن ظهور الحوسبة السحابية أدى إلى تقليل بعض الحاجة إلى مثل هذه الحوافز من خلال خفض التكاليف الثابتة لتكنولوجيا المعلومات التي تتحملها الشركات. وتشير الشواهد والأدلة إلى أن السياسات المصممة لبيئة أعمال تهيمن عليها أجهزة الكمبيوتر والخوادم والبنية التحتية المادية قد تحتاج إلى إعادة تقييمها في ضوء نماذج الأعمال التي تعتمد بشكل متزايد على البيانات والخدمات الرقمية.
وعلى الرغم من أن الحوافز الرأسمالية أدت فيما مضى دوراً حيوياً في دعم اعتماد التكنولوجيا، فقد لا تتلاءم الآن بشكل كامل مع واقع الاقتصاد الرقمي سريع التطور. ويجب على واضعي السياسات النظر في تكييف هذه الحوافز لتحسين دعم اعتماد تقنيات الحوسبة السحابية والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي والتي تُعد ضرورية لتحقيق النمو والقدرة التنافسية في المستقبل.
* خبراء في البنك الدولي