Home مقالاتالتحول الرقمي في الأردن : إعادة صياغة العقد السياسي الحديث

التحول الرقمي في الأردن : إعادة صياغة العقد السياسي الحديث

د. سليمان علي الخوالدة

by sadmin

اسواق جو – يشهد الأردن، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، اهتمامًا متزايدًا واستثنائيًا بالتحول الرقمي باعتباره ركيزة استراتيجية محورية لمستقبل الدولة الحديثة والمستدامة. ويأتي المركز الوطني لتكنولوجيا المستقبل كأحد أبرز مظاهر هذا التوجّه الطموح، إذ يسعى إلى تمكين التحول الرقمي الوطني، وتوظيف الذكاء الاصطناعي والتحليلات المتقدمة والبيانات الضخمة في تصميم السياسات العامة وإدارة الخدمات الحكومية بكفاءة ودقة.

هذا الزخم الملكي والرؤية الوطنية الاستشرافية يعكسان قناعة راسخة بأن التحول الرقمي لم يعد مجرد خيار إداري أو تقني، بل مسار سياسي واستراتيجي رائد يعيد صياغة الثقة المتبادلة بين الدولة والمجتمع ويعزز اللحمة الوطنية.

من هذا المنطلق، يمكن القول إن التحول الرقمي يشكّل اليوم إعادة تعريف شاملة للعقد السياسي الحديث؛ حيث تتقاطع فيه التكنولوجيا مع مبادئ الحكم الرشيد، والعدالة الاجتماعية، والمواطنة الفاعلة، والمشاركة الديمقراطية الواسعة. فالدولة التي تستثمر في التحول الرقمي لا تسعى فقط إلى تحديث أدواتها، بل إلى إعادة بناء العلاقة الجوهرية بين المواطن والسلطة على أسس الشفافية المطلقة والمساءلة الفاعلة والمشاركة الاستراتيجية.

في البعد السياسي، يعيد التحول الرقمي توزيع السلطة والقوة بشكل أكثر توازنًا وعدالة، من خلال تمكين المواطن من الوصول إلى المعلومات الدقيقة، والمشاركة الفعلية في صناعة القرار عبر المنصات الإلكترونية المتقدمة، مما يقلّل الفجوة بين النخب السياسية والجمهور العام، ويمنح الأفراد صوتًا حقيقيًا في رسم السياسات الوطنية.

كما أن استخدام التكنولوجيا في الانتخابات، والخدمات الحكومية، ورصد الأداء العام، يفتح الباب أمام نموذج جديد من الديمقراطية التفاعلية والمستدامة؛ التي تتجاوز حدود التصويت التقليدي إلى مشاركة مستمرة وفعّالة في صياغة السياسات الاستراتيجية واتخاذ القرار الحكومي.

ويعتبر التحول الرقمي محركًا قويًا للنمو الاقتصادي الشامل والمستدام، عبر دعم ريادة الأعمال الرقمية، وتمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتوسيع قاعدة الاقتصاد القائم على المعرفة والابتكار. فالاقتصاد الرقمي لا يعيد فقط هيكلة السوق، بل يخلق بيئة عادلة ومرنة للمنافسة والإبداع والابتكار، ما يسهم في تقليص الفوارق بين المركز والأطراف، ويعزز الاستقلالية الاقتصادية والسيادة الوطنية.

أما في البعد الاجتماعي، يمكن أن يكون التحول الرقمي أحد أقوى الأدوات الاستراتيجية لمواجهة الانقسام الاجتماعي والتطرف الفكري، من خلال نشر الثقافة الرقمية الواعية، وتحصين الفضاء الإلكتروني بقيم التسامح والتعايش والحوار البناء، وبناء سردية وطنية جامعة وموحدة.

فالمبادرات الرقمية التعليمية والتوعوية تسهم في ترسيخ اللحمة الاجتماعية، وتعزيز التفكير النقدي، وتشجيع المشاركة الإيجابية الفاعلة، بدلًا من الانغلاق والاستقطاب. كما تساعد المنصات الرقمية الرسمية ووسائل التواصل الاجتماعي على بناء جسور تواصل مستمرة ومؤثرة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، مما يعزز الإحساس بالمسؤولية الوطنية والانتماء العميق للوطن.

إن الأردن اليوم يقف أمام لحظة تاريخية فاصلة تعيد تعريف السياسة والمجتمع والدولة ذاتها، ليس من خلال الشعارات أو الأيديولوجيات التقليدية، بل عبر إعادة هندسة العلاقة الجوهرية بين السلطة والمجتمع في ضوء الثورة الرقمية والتحولات العالمية المتسارعة.

وهي لحظة تتطلّب رؤية استراتيجية جريئة وطموحة، تدرك أن التحول الرقمي ليس مجرد تحديث أدوات، بل تأسيس لعقد اجتماعي جديد ومتقدم، قوامه المشاركة الواعية، الشفافية المطلقة، العدالة الاجتماعية، والمسؤولية الوطنية المشتركة، بما يعزز الاستقرار السياسي، التنمية المستدامة، واللحمة الوطنية، ويجعل التكنولوجيا جسرًا حقيقيًا بين الدولة والمواطن، ورافعة قوية لإصلاح شامل ومؤثر.

You may also like